قال خبراء اقتصاديون إن حكومة جنوب السودان تنتهج سياسة اقتصادية جديدة من أجل التغلب على مشكلة الأمن الغذائي خاصة مع تراجع معدلات الاكتفاء الذاتي لمعظم السلع الغذائية إلى أدنى مستوياتها بعدما أنهكت المليشيات المتمردة قوى الدولة في ضبط معدلات الإنتاج بالقطاع الزراعي والحيواني، وهما القطاعان الأساسيان في تحقيق الأمن الغذائي للمواطن الجنوبي. وأوضح هؤلاء الخبراء أن حكومة جنوب السودان تسعى إلى تأمين الفجوات التي تحول دون زيادة الإنتاج من المحاصيل الأساسية المهمة وسط الاعتماد المتزايد على الاستيراد في توفير الكثير من احتياجات المواطنين من السلع الغذائية الذي صاحبه ضعف الاستثمار في القطاعات المرتبطة بالسلع الغذائية من قطاعات حيوانية وزراعية . ويقول جون ديفيد مدير مركز "دايفر سيتي" للدراسات الاستراتيجية بجنوب السودان - لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى جوبا - إن الحكومة تسعى لتطبيق سياسة جديدة للأمن الغذائي بهدف تحقيق نهضة زراعية وتشجيع الإنتاج الزراعي لتقليل معدلات الاستيراد، بحيث تكون هناك وفرة في المخزون يستطيع تغطية الأسواق إبان موسم الجفاف لاسيما وأن الأمن الغذائي يصل إلى أدنى مستوياته. وثمة تحديات تجابه جهود الحكومة، رصدها جون ديفيد، حيث إن عدم توافر بعض الموارد إضافة إلى توسيع دائرة المشاركة المجتمعية في عمليات الاستقرار السياسي والأمني، يعدان عاملين يؤثران بقوة في إنجاح مساعى الحكومة في هذا الشأن. "تمليك المزارعين بوسائل إنتاج حديث"، عامل آخر تحدث عنه "ديفيد"، معتبرا أنه يعظم من تطوير أدوات الإنتاج التقليدية التي يعتمد عليها المزارعون، غير أنه حذر من أن سوء توظيف الموارد المتاحة يعرض أي جهد حكومي في سبيل تحقيق أعلى معدلات الأمن الغذائي، للإجهاض، فالمناخات مختلفة في الكثير من المناطق، وهناك المطر في أماكن كثيرة إضافة إلى الأيدي العاملة الرخيصة أيضا متوفرة، كما أن الثروة الحيوانية تتوافر بقوة، ولكن أمور الخبرة ورأس المال تظلان تحديا بارزا أمام أي جهد في هذا الاتجاه. وبحسب المعطيات، تمتلك جنوب السودان ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة، إضافة إلى أكثر من 30 مليون رأس ماشية، وتشتهر بزراعات الذرة الرفيعة والذرة والأرز والقمح، والصمغ العربي، وقصب السكر والمانجو والموز، والبطاطا، وبذور عباد الشمس والقطن وبذور السمسم، والفاصوليا، والفول السوداني. ويقول شوكير ياد الصحفي المتخصص في شؤون الاقتصاد بجنوب السودان إن القبائل المختلفة تساعد الحكومة في تطبيق منظومة آمنة للغذاء لأبنائها، حيث تنشط قبيلة الدينكا (الذي ينحدر منها رئيس الجمهورية سالفا كير ميار ديت) في الزراعة، خاصة الذرة والفول السوداني والسمسم والفاصوليا، بجانب امتلاكها لثورة حيوانية كبيرة، كما تمتلك قبيلة (النوير) ثروة حيوانية مشابهة لكنها أقل قليلا مما لدى (الدينكا)، أما قبيلة الشلك فتركز ثروتها الغذائية في الأسماك. وتتشارك منظمات الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) والأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرنامج الغذاء العالمي في عمليات توفير منظومة غذاء آمنة، خاصة في المناطق التي تقول إن مؤشر تحليلاتها للأمن الغذائي أظهرها في مستوى متدن، وهي مناطق متعددة بولايات الوحدة، وشمال بحر الغزال وواراب وجونقلي وأعالي النيل، غير أن معظم مجهودات هذه المنظمات الدولية يأتي في إطار إغاثي طارئ لمناطق تشهد انعدام وفرة الغذاء. وتعرضت منظومة الأمن الغذائي في جنوب السودان على مدار السنوات الأربع الماضية، منذ عام 2013، إلى صدمات قوية لاسيما مع اتساع رقعة الاشتباكات بين قوات المتمردين والحكومة وتراجع إنتاج القبائل من الغذاء، واضطراب أداء الحكومة؛ ما أدى إلى اهتزاز في معدلات تأمين إيصال السلع الغذائية من أماكن الإنتاج بالولايات المختلفة إلى منافذ البيع والأسواق، حيث تعرضت حينها الكثير من الشاحنات إلى عمليات النهب والسرقة من قبل المليشيات التي كانت تسيطر على بعض الطرق المؤدية إلى الأسواق. ويقول أحد المزارعين الجنوبيين، ويدعى "كوانج"، من ولاية أعالي النيل، "خاطبنا الحكومة من أجل تبني سياسات تعزز الإنتاجية ويدعم المشروعات الزراعية، وتلك الأمور قد تؤدي إلى تحسن تدريجي لمنظومة الإنتاج الغذائي مستقبلا ما يقلص الفجوة الغذائية ويعيد ضبط الخلل الموجود بالميزان السلعي للأغذية مرة أخرى". وأضاف "كوانج" إن الأمر سيظل رهنا بعوامل تهيئة بيئة لاستجلاب شراكات أجنبية عبر استثمارات تقوي قوام الاقتصاد في جنوب السودان، وهي أمور مرتبطة في المقام الأول بالاستقرار الأمني الذي هو رهينة للاستقرار السياسي في البلاد.