مقتل السفير الروسي " أندريه كارلوف" لدى أنقرة يثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب خاصة مع توقيت تنفيذ العملية وقتل القاتل بدلا من القبض عليه لمعرفة الأسباب الحقيقية التي دفعته لارتكاب هذه الجريمة السياسية. علامات الاستفهام والتعجب ظهرت واضحة بعد نشر عدة فيديوهات أخطرها الذي يظهر فيه القاتل ميرد الطنطاش وهو يتحرك بهدوء خلف ضحيته دون أن يثير شكوك رجال الأمن الأتراك المفترض أن يتولوا حماية ممثل دولة كبرى مثل روسيا وكان يقف خلف السفير في قاعة المعرض الفني الذي كان يفتتح وتفقد مسدسه تحت سترته مرتين وراقب تحركات السفير جيدا حتى انتهي المصور من انتهاء عمله وانصرف بعيدا عدة مترات، ووضع القاتل مرة ثالثة يده علي المسدس ليسحبه هذه المرة خارج سترته ليكمل جريمته وسط تخاذل من عناصر الأمن المنتشرين في المكان ولم يبادر أحدهم إلى اعتراضه وسؤاله عن تصرفاته المثيرة أو سبب وجوده خلف السفير ومخالفته بروتوكول التعامل في هذه المواقف، أو سبب وجوده في المكان بأكمله خاصة وأنه غير مكلف بتأمين السفارة بل كان في عطلة رسمية من الخدمة لحظة تنفيذ العملية ولم يجد صعوبة في الاقتراب من السفير الروسي وضرب الإجراءات الأمنية. الطنطاش هو ضابط في مكافحة فض الشغب وكان أحد حراس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حتى وقت قريب جدا وتم نقله إلى شرطة مكافحة الشغب بعد الانقلاب الفاشل الأخير الذي تعرضت له تركيا، وأحد الأعضاء البارزين في حزب العدالة التركي وكان مسئولا ومنسقا للشباب في الحزب وهو الأمر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب كما قلت في البداية. كما أن الانقلاب المتسارع في الموقف التركي تجاه الملف السوري والإقليمي بعد اغتيال السفير الروسي، وتخليه عن الحليف العربي وأقصد هنا السعودية يكشف عن عدة أمور أهمها :- - أإن الجهات التي تقف خلف عملية اغتيال اندريه كارلوف رسالة للعالم في الخارج بأن تركيا لم تعد بلدا آمنا لأي إنسان، خاصة بعد ان نجح عنصر أمني من الوصول الى سفير دولة كبيرة بحجم روسيا فاذا كان سفير روسيا وقتله، على يد رجل امن فانه يمكن الوصول إلى أي شخص آخر دون معاناة، وهذا ما يفسر إقدام كل من إيرانوروسيا على إغلاق قنصلياتهما في جميع أنحاء تركيا، بينما قلصت بعض الدول الأوروبية عدد العاملين في سفاراتها، وشددت الإجراءات الأمنية حولها وأغلقت الولاياتالمتحدةالأمريكية قنصليتها حتى إشعار آخر. - إن هدف عملية الاغتيال هو تخريب العلاقات التركية الروسية، والتقارب المتزايد بين البلدين بعد المصالحة بين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، وما حصل هو العكس تماما، فقد انعقد اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية روسيا وايران وتركيا في موعده في موسكو بالتوازي مع اجتماع آخر لوزراء الدفاع، وخرج المجتمعون باتفاق حول "خريطة الطريق" تحدد كيفية التعاطي مع الأزمة السورية، وإيجاد حل سياسي لها. - إيجاد الذريعة الكبرى للجانب الروسي لإبادة التيارات الإسلامية الموجودة بالمنطقة العربية وقد تكون المملكة العربية السعودية أول المحطات التي تنظر إليها الأجهزة الروسية لتقديم حجة أنها تناصر الإرهاب في سوريا ضد بشار الأسد الحليف الوفي لروسياوإيران، وفي هذه الحالة سيقدم الجانب الروسي لنظيره الإيراني خدمة جليلة، وكان يسعي إلي مثل هذه الخطوة خاصة وأن الغياب العربي كان أبرز العلامات التي أثارت دهشة الشارع العربي والنظام السعودي بصفه خاصة وهو الأمر الذي يؤكد أن الجانب السعودي تم تهميش دوره رغم انه كان اللاعب الرئيسي في هذا الملف خلال الست سنوات السابقة. - البيان المشترك عن الاجتماع الثلاثي، الذي جري بين روسياوتركيا وايران يشكل تحولا رئيسيا في الأزمة السورية، ويعطي الرئيس السوري بشار الأسد شرعية التعامل باسم الأزمة السورية والجهة الوحيدة التي لها حق رفض وقبول الاتفاقات التي تبرم بعيدا عن الجانب العربي الذي تم تهميشه بفعل فاعل وفشل دبلوماسي في إدارة الملف السوري وتهميش الدور السعودي ليتحول من لاعب رئيسي في الأزمة السورية إلي مجرد متفرج ينظر النتائج. - مقتل السفير الروسي في تركيا ساهم في خروج الاجتماع الثلاثي ببنود أهمها يتمثل في الاتفاق على محاربة الإرهاب مع الحفاظ علي بقاء بشار الأسد في السلطة وليس الإطاحة به لأن بقاء الأسد يساعد علي تنفيذ مخطط الدول الثلاث بالشكل الذي يريده الكيان الروسي كما أن نجاح الاجتماع الثلاثي المشترك خروج تركيا على من التبعية الأمريكية والتوجه إلى المعسكر الروسي الذي توغل بعمق في المنطقة العربية خاصة بعد الاتهامات الأخيرة من الجانب التركي لنظيره الأمريكي بأنه وراء مقتل السفير الروسي، وأصبح الأتراك علي اقتناع تام بأن وجودهم الحقيقي يجب أن يكون في المعسكر الروسي الإيراني. في النهاية أن من تابع أو يتابع بنظرة تحليلية للموقف يمكن أن يستخلص بأن تحركات قاتل السفير الروسي بهذه الثقة تؤكد تورط جهاز الأمن التركي، وأن هناك نية مبيتة لبيع الحلفاء العرب وأقصد هنا قطر والسعودية علي حساب المصالح المشتركة بين الجانب الروسي والتركي، كما أن مقتل السفير الروسي يضع السعودية المساندة للإرهاب من وجهة النظر الروسي في مأزق جديد وصعوبة عودة العلاقات بين الرياضوموسكو وسط ضياع هوية العلاقات بين الرياض وواشنطن وتحديد السياسة الجديدة بعد وصول ترامب الذي وصف المملكة بالبقرة الحلوب، التي تدر ذهبا ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، وطالب النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبديل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود داخليًا وخارجيًا. مقتل السفير الروسي فتح الطريق أمام اتفاق إيراني تركي علي تحديد مصالح كل منهما في منطقة الخليج، وقد يمتد الاتفاق إلى المنطقة العربية كلها ولكن مصر مازالت تقف حجرا عثرا أمام تحقيق هذا المخطط وأمام دول الخليج فرصة ذهبية للعودة مرة اخرى الى الحضن المصري والحفاظ علي وحدة سوريا بدلا من السعي لتقسيمها. - بعيدا عن العواطف، مصر هي كلمة السر في تحقيق هذا المخطط من عدمه سواء رضي الخليج أو لم يرض، هذه هي السياسة التي تعتمد علي التوازنات في المقام الأول، لأن الوحدة العربية والتحالف الجاد سينقذ المنطقة من تقسيمها علي النحو الذي أراده الغرب وكما خطط مع أمريكا في بداية الألفية الحالية، كما أن الشرق الأوسط سيبقي كما هو إذا أراد العرب شرط العودة سريعا إلى العقل وتغليب المصلحة العامة بدلا من شخصنة الأمور والبحث عن زعامة فارغة يبحث عنها الحكام العرب. - مازال حلم التحالف العربي والجيش الفيدرالي العربي قابل للتنفيذ الآن أكثر من أي وقت مضى شرط تغليب المصلحة العامة وقراءة واقعية لما يدور ويحاك حول المنطقة العربية ويجب أن يعلم العرب أن مقتل السفير له أضرار سلبية أكثر من كونها إيجابية وأن تهويل البعض لن يجدي أبدا لأن السياسة ليست شعارات وتقف عندها بل أنها شعارات وأحلام تبحث عن تحقيقها على أرض الواقع.