جولة جديدة من المعارك الفكرية والكلامية والفضائية المتوقعة مع قدوم العام الجديد عندما تبدأ الخطوات الفعلية لتطبيق المرحلة الأولى من الحد الأقصى للأجور والتى بدأ ممتاز السعيد، وزير المالية، اتخاذ خطوات فعلية لبدء تطبيقها، حيث عقد خلال الأيام الماضية عدة اجتماعات مع عدد من قيادات الوزارة لبحث كيفية تطبيق المرحلة الأولى للحد الأقصى للأجور بدءًا من شهر يناير المقبل. وتناولت الاجتماعات كيفية ربط الحصول علي الراتب بالرقم القومي للموظف حتي يتم اكتشاف أي دخل يحصل عليه من أي جهة، وذلك بهدف منع أي موظف حكومي من تجاوز الحد الأقصي الذي سيقترب من 40 ألف جنيه شهريًا. وأكد مصدر مسئول بوزارة المالية أن الدراسات التي أجرتها الوزارة، وكذلك الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، أشارت إلى أنه يمكن تطبيق المرحلة الأولى للحد الأقصى للأجر بدءًا من يناير المقبل على نحو 10 آلاف قيادة بالجهاز الإداري للدولة، علي أن يتم بعد ذلك بستة أشهر تطبيق المرحلة الثانية للحد الأقصي على أصحاب الكادرات الخاصة من العاملين بالدولة، مثل القضاة وضباط الشرطة ورجال القوات المسلحة والصحفيين والعاملين بالسلك الدبلوماسي والرقابة الإدارية والمخابرات العامة والجهاز المركزي للمحاسبات. كان الدكتور حازم الببلاوى، نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية ووزير المالية السابق، قد بدأ خطوات وضع حد أقصي لأجور العاملين بالدولة، علي أساس أن يكون هذا الحد مرتبطًا بمعادلة تأخذ فى الحسبان متوسطات معدلات التضخم فى الظروف المستقرة، ومراعاة معدلات تزايد الخبرات، وتزايد المسئوليات خلال العمر الوظيفى للموظف الذى يصل إلى 36 سنة، علي ألا يزيد الحد الأقصى على 36 ضعفًا للحد الأدنى، بمراعاة متوسط زيادة سنوى 10% طوال العمر الوظيفى. كما سبق تشكيل لجنة المشكلة برئاسة د. عصام شرف، رئيس الوزراء السابق لمعالجة اختلال هيكل الأجور بالدولة، وأقرت اللجنة بدء العمل على اتخاذ خطوات عاجلة لتقليل الفجوة بين الرواتب والدخول للعاملين بالأجهزة الحكومية، فى إطار مسار عاجل يبدأ تنفيذه من أول يناير 2012، وتكليف الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة وحتى بداية التنفيذ بوضع الضوابط والقواعد اللازمة فى هذا الشأن، والتى ترتكز على مبدأين أساسيين هما الشفافية والإفصاح عما يحصل عليه العاملون بالحكومة من دخول، وإيجاد علاقة بين الحدين الأدنى والأقصى للدخول فى الحكومة، ويتم بمقتضاها زيادة الحد الأدني كلما ارتفع الحد الأقصى. ووافقت اللجنة على تشكيل لجنة مُتخصصة لدراسة أوضاع الرواتب والدخول فى الدولة، واقتراح هيكل جديد لها يقضى على التناقضات والتفاوت الكبير في رواتب العاملين بالدولة من خلال أسس مستقرة، على أن تنتهى اللجنة من أعمالها وتقدم توصياتها فى غضون ستة أشهر من تكليفها بهذا العمل، بحيث يمكن فى حالة الموافقة على توصياتها بدء تطبيقها مستقبلاً، لضمان التحقيق الدائم لمبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة والشفافية والإفصاح، على أن يراعى فى كل الأحوال ألا يكون من شأن هذه الضوابط والقواعد أى تأثير على أوضاع التأمينات والمعاشات. ويؤكد د.علي لطفي، رئيس الوزراء الأسبق، أهمية وضع حد أقصي للأجور، وأنه يمكن تحديده بما لا يزيد على 50 ألف جنيه شهريًا، علي أن يطبق ذلك علي العاملين بالحكومة والقطاع العام . وأضاف: سبق أن أصدرت قرارًا بتحديد حد أقصي للأجور سنة 1986 عندما كنت رئيسًا للوزراء وحددته ب 20 ألف جنيه شهريًا، وكان يطبق علي جميع العاملين بالحكومة والقطاع العام والبنوك والمؤسسات الصحفية . ويري د . حسين عيسي، عميد كلية التجارة بجامعة عين شمس، أن هناك حاجة ماسة لتنفيذ سياسة جديدة للأجور في مصر، ويمكن أن تنفذ من خلال عدة محاور أهمها وضع حد أدني للأجور يتفق مع الظروف الاقتصادية، وظروف المعيشة للمواطنين ومعدلات التضخم، مع وضع نظام محدد للحوافز يقوم علي معايير موضوعية لتقييم معدلات أداء الموظفين، بالاضافة لتحديد حد أقصي للأجور وليكن في حدود 15 أو 20 ضعفًا للحد الأدني للأجور، فمثلا لو كان الحد الأدني يبلغ ألف جنيه شهريًا لأقل موظف يجب ألا يزيد الحد الأقصي على 20 ألف جنيه لأكبر موظف. وقال د. عيسي إن مصر في أشد الحاجة لوضع حد أقصى للأجور، لأنها عانت طوال الفترة الماضية من الفوضى والفجوة العالية في الأجور بين الموظفين الكبار والصغار، خاصة أن وضع حد أقصي للأجور معمول به في جميع الدول المتقدمة. ويضيف د. حسين: كما يجب ربط زيادة الأجور بشكل عام بمعدلات التضخم، فمثلاً في بعض الدول الأوروبية لا تتجاوز الزيادة السنوية للرواتب عما يتراوح بين 2 و 5 % لأن معدل التضخم هناك لا يزيد على 1 أو 2%، لكن في مصر قد يصل معدل التضخم إلى 20% في بعض الأوقات، كما يجب ربط زيادة الأجور بحجم الإنجاز في العمل، ولذلك يجب إعادة توزيع العمالة حسب احتياجات جهات العمل وتوجيه زيادة الموظفين في أماكن إلي سد النقص منهم في جهات أخرى. وتؤكد د. عالية المهدي، العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه يمكن تحديد الحد الأقصى للأجور بالحكومة لما يتراوح بين 20 و30 ضعفًا للحد الأدني، مع وضع حدود دنيا مختلفة لكل فئة من الموظفين، طبقا لمؤهلاتهم الدراسية فيختلف ما بين الأمي، والحاصل علي الشهادة الابتدائية، ويزيد عند الحصول علي الاعدادية أو مؤهل متوسط أو عالٍ، كما يجب إنهاء فوضي الحوافز والمكافآت والبدلات المتعددة والتي لا يوجد لها مثيل في أي دولة في العالم، حيث تفتح بابًا لزيادة الرواتب بطرق ملتوية يستفيد منها كبار الموظفين فقط، وذلك يجب تقليل هذه البنود واختصارها، مع وضع قواعد موضوعية لربطها بحجم الإنتاج والإنجاز في العمل.