قد يتفاءل البعض بعد فوز "صادق خان" "البريطاني ذي الأصول الباكستانية المسلمة بمنصب عمدة لندن، ويصاحبه حالات عديدة من التكبير والتهليل بعد فوز مسلم بمنصب مهم داخل أعتى وأقدم مملكة في التاريخ وهي بريطانيا، وقد يسرف البعض في المدح والتبجيل معتقدين أن صادق خان قد يحرر القدس أو يدين أفعال بلاده في المنطقة العربية من أعلى منصة الكفاح في لندن. لكن الحقيقة تختلف تماما ولم تتعد كونها أحلاما وردية تتبخر حينما يعلم الجميع أن صادق خان هو مسلم فقط بالاسم أو في خانة الهوية الشخصية الخاصة به، لأن حقيقة الرجل تختلف تماما، خاصة أنه فاز بأموال اليهود ، فالرجل مناصر للصهيونية ومعارض لمقاطعة "إسرائيل"، بالإضافة إلى تأييده لقانون الحريات المدنية والشذوذ الجنسي، وفوق كل هذا فهو عميل سابق للاستخبارات البريطانية "اس اي اس"، وكان له دور في حرب أمريكا على الإرهاب في باكستان وأفغانستان عام 2002 قبل أن ينضم لحزب العمال في بريطانيا. «صادق خان»، مرشح حزب العمال الفائز بمنصب عمدة لندن الجديد، فاز على حساب "بول جولدينج"، المرشح الخاسر عن حزب "بريطانيا أولا" اليميني المتشدد، ولو أنني أرى أن فوز خان لا يختلف كثيرا، خاصة أنه أكثر تشددا ضد المسلمين في بريطانيا من المرشح الخاسر. - دعنا نتحاور عقلا بعقل ومنطق يقابله منطق عقلاني، حينما نفتش عن الأسباب التي أدت إلى وصول رجل مسلم لهذا المنصب المهم في بريطانيا الذي يعد من أخطر وأهم منصب في البلاد بعد رئاسة الوزراء؟ وما هو السبب الذي جعل الناخبين في لندن يتجاهلون مرشحا متشددا وينحازون لمرشح مسلم في بلاد تعلم جيدا أن العدو الأول لها هو الإسلام والمسلمين؟ ولماذا فاز مرشح مسلم لمنصب عمدة لندن رغم التوتر والانتهاكات التي حدثت في حق الأقليات المسلمة ولا نستثني بريطانيا من هذا الأمر، بل إنها كانت أكبر الدول التي سجلت انتهاكات ضد المسلمين في بلادها بعد أحداث سبتمبر 2001م حتى الآن؟ - الإجابة ببساطة ترجع لعدة أسباب أهمها أن تشكيلة المسلمين في التجمعات الدينية البريطانية تمثل ثالث أكبر تكتل في بريطانيا، خاصة في لندن، التي تعتبر مركز التجمع، حيث يحتل المسيحيون المرتبة الأولى، واللا دينيين المرتبة الثانية، وتكتل المسلمين في المرتبة الثالثة. - إن الانتماء والهوية البريطانية عند صادق خان أهم وأبقى من هويته الإسلامية، وأفكاره الشاذة ومباركته زواج المثليين والشواذ وعمله في منظمات حقوقية جعلت أسهمه تعلو وينضم إليه تكتل اللا دينيين بجانب الأصوات المسلمة وبعض الأصوات المسيحية التي رشحت خان لهذا المنصب الكبير في بريطانيا، بجانب عمله كمدافع عن الحريات ومؤيد للحركات النقابية، أدت إلى اختياره مرشحا لحزب العمال لمنصب عمدة لندن والفوز على منافسه القوي صاحب السمعة الطيبة، بعد أن اعتمدت حملته على التركيز على القضايا الخدمية، فتعهد بمعالجة أزمة الإسكان، وإعلانه وهو وزير المواصلات السابق أنه سيجمد أسعار تذاكر المواصلات في لندن لمدة أربعة أعوام متتالية، وبالتالي فإن الناخب اللندني نظر إلى وعود خان على أنها الأقرب لتحقيق طموحاته في الاستقرار المادي والمعنوي بعيدا عن الديانة أو الهوية. لكن تولى صادق خان البريطاني المسلم من أصل باكستاني عمودية إحدى أهم عواصم العالم وتلك المدينة التاريخية التي قادت يوما العالم كله تسبب في صدمة كبيرة داخل الأوساط الثقافية والصحفية هناك، ووصل الأمر أن إحدى الصحفيات البريطانية وتدعى "كاتي هوبكنز"، أعربت عن صدمتها القاسية وأعلنت أنها سوف تسير في شارع "ريجنت" عارية تماما اعتراضا على تولي مسلم من أصل آسيوي عمدة لندن، والتف حولها نشطاء آخرون ومتشددون اعتراضا على هذا الأمر، وهو ما يؤكد أن المجتمع البريطاني ليس بالمجتمع النموذجي الذي تضمن فيه أن تحصل على حقوقك كاملة، خاصة وهم يضعون الدين والعرق والقومية وجنسية الأصول الاجتماعية، هي امتيازات لأصحابها دون سواهم ممن يحملون أصولا بريطانية نظريا فحسب، نفس الحقوق والجنسية القانونية، إنه المجتمع الذي يدعي التحضر وهو في الغالب يعاني مثلما تعاني باقي المجتمعات حول العالم. في النهاية يجب أن نتفق على أمر مهم للغاية، وهو أن فوز صادق خان يفتح الباب أمام تأويلات أخرى في المنطقة العربية ويطرح العديد من التساؤلات وهي.. لماذا لا يفوز مسئول كبير بحجم عمدة لندن بتولي منصب مهم في المنطقة العربية؟ وهل فاز صادق خان في بلاده لأنه مسلم أو متأسلم، أو ينتمي للهوية البريطانية بعيدا عن الدين والعرق واللون؟ هل يأتي اليوم الذي نرى فيه المسيحيين يفوزون بمناصب حساسة في بلادنا العربية، أم أن الأمر يختلف فعلا دون الدخول في تفاصيل؟ وهل فعلا مجتمعاتنا العربية تفتقد إلى الديمقراطية الحقيقية التي ينعم بها الغرب أم أننا بالفعل لا نستحق العيش في مجتمع ديمقراطي حقيقي لأن الديمقراطية في مجتمعاتنا مازلنا نفسرها على أن التخريب والعنف والصوت العالي هو أولى خطواتنا نحو الطريق إلى الديمقراطية، عكس المجتمعات الغربية التي يرى فيها المواطن أن الحرية الحقيقية والديمقراطية تنتهي حدودها على أعتاب الآخرين. أعتقد أن هناك أمورا كثيرة وعادات وتقاليد ومسافات طويلة جدا بيننا كمجتمعات عربية وبين المجتمعات الغربية لأن المجتمع العربي يمارس الديمقراطية التي يريدها حكامه، وأن الخروج عن الخط المرسوم له من قبل الأنظمة بالمنطقة العربية هو رجس من عمل الشيطان، أما الديمقراطية بالمجتمعات الغربية هي التي يمارسها الحاكم بناء على إرادة الشعب لا كما يريدها هو، لأن الشعب هو المعلم الحقيقي وهو الموجه وهو الذي يدفع الضرائب كي يحافظ على منظومة دولته، أما في المنطقة العربية الأمر مختلف تماما، ربما لأننا تخلفنا عن أقراننا آلاف السنين وأننا تعودنا على السير عكس الاتجاه والسير للخلف بدلا من التقدم للأمام.