شهدت الساعات الأخيرة في سوريا كلها وفي مدينة حلب خاصة مأساة وكارثة إنسانية بكل ما تحملة الكلمات من معاني، وقد تكون كلمة كارثة ليست بالوصف الدقيق لما يحدث في مدينة حلب الآن. فكارثة إنسانية جديدة ووصمة عار حقيقية تضاف الى ضمير العالم الميت، الذي انتحر وهو يشاهد ما يحدث في تلك البقعة العزيزة، على كل من يعرف من هي سوريا ومدينة حلب على وجه الخصوص أو مدينة التاريخ والحضارة. مدينة حلب الآن تشهد أبشع مجرزة عرفها الإنسان في العصر الحديث، وسيظل الدم السورى النازف فى حلب وغيرها دليلاً على ظلم العالم "المتأمرك والمتصهين"، وضعف وصمت مخزي من حكامنا العرب، وفى كل محنة لا يبقى للمقهورين والمظلومين غير الله، يوجهون له رسالة واستغاثة وجع فهو الباقي، وهو القادر على رفع هذا الظلم وهذا الوجع، الله الوحيد القادر على مساندة الأبرياء والضعفاء، وهم الآن في حلب يمدون أيديهم من تحت الأنقاض رافعين إياها أن ينتقم من كل جبار. هذه الكلمات ربما تكون قد أفرغت ما بداخلي من حزن دفين على أوجاع مدينة حلب وأشقائنا في سوريا وكنت قد حذرت مرات عديدة على منبر صدى البلد في مقالات سابقة من خطورة الأوضاع في هذه المدينة وأن هناك كارثة إنسانية ستقع قريبا وأن من يدفع ثمنها هم الأبرياء من المواطنين العزل والأطفال والنساء، بعد أن تفاقمت مأساة السوريين داخل وطنهم وخارجه ويبدو وكأن جميع انواع الحماية قد رفعت عنهم وأن العالم كله خاصة أوروبا التي تتغنى بالديمقراطية والحرية قد وقعت بالأحرف الأولى على إبادة شعب واتفقت مع القوى الدولية بالقضاء عليهم، تنفيذا للبيان الذي أصدرته الولاياتالمتحدةالأمريكية الراعية الأولى للإرهاب في العالم تحت زعم الديمقراطية. مأساة السوريين أخذت شكل رسالة بقرار اتخذه المجتمع الدولي حول قتلهم بالقنابل والصواريخ، وبراميل البارود والمتفجرات وطرد الباقي من وطنهم، بمشاركة إيرانية - روسية، وتعنت سعودي أحمق وتأييد أميركي دولي، وصمت مخزي من البلدان العربية، خاصة الخليج، التي منعت السوريين من دخول أراضيها، وأبعدت المقيمين منهم فيها لأتفه الأسباب وبلدان أخرى وضعتهم في معازل، ورأت في المواطنين السوريين بأنهم وباء أمني ممنوع الاقتراب منه بأي شكل من الأشكال. مأساة السوريين لخصتها هجرة مئات آلاف منهم إلى أوروبا في قوارب مطاطية قديمة أطلقوا عليها قوارب الموت السريع يتحكم فيها مافيا تجار البشر التي حصلت على أموال طائلة مقابل إغراق وقتل الكثير منهم في البحر الأبيض المتوسط. مأساة سوريا اكتملت خلال اليومين الماضيين حينما ألقت جحافل قوات بشار الأسد براميل البارود على مستشفيات ومنازل الأبرياء ممن تبق منهم في هذه المدينة التي تتعرض لعمليات تطهير عرقي -للأسف الشديد- على يد جيش بشار الأسد، وفرار أكثر من 50 ألف شخص من ريف حلب الشمالي تجاه الحدود التركية التي أغلقت تماما في وجه الفارين وما زالوا ينتظرون دورهم في الموت. مأساة مدينة حلب قضت على الأمل الباقي في إمكانية استكمال المفاوضات، وأنهت تماما اتفاقية وقف إطلاق النار التي بدأ سريانها في ال27 من فبراير الماضي، خاصة بعد انسحاب المعارضة وقذف السلطات السورية والمجموعة الجوية الروسية لحلب رغم التحذيرات من وقوع أبرياء ومدنيين، وهو الأمر الذي حدث بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية، في الوقت الذي طلبت فيه روسيا على لسان المندوب الروسي الدائم لدى الأممالمتحدة فيتالي تشوركين، بوضع "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" تحت قائمة الجماعات الإرهابية، لارتباطهما الوثيق بتنظيمي "داعش" و"القاعدة" الواردين في قائمة الأممالمتحدة السوداء. وترى موسكو أن "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" يتلقيان الدعم العسكري والمالي والفني والمادي واللوجستي من التنظيمات الإرهابية الأخرى، لذلك يجب أن يضافا إلى قائمة الأممالمتحدة الخاصة بالمنظمات الإرهابية، ونجحت بالفعل في هذا الأمر، وتسبب هذا الاقتراح في انهيار وقف النار الهش أصلا، وانهيار مفاوضات جنيف ووصول الأزمة الى طريق مسدود، وأن المفاوضات ستستكمل على أنقاض سوريا وشعبها وجثث الأبرياء من الأطفال والنساء، وأن القصف الجوي الروسي مكن الجيش السوري من استحواذ زمام المبادرة في كل الجبهات والاتجاهات الرئيسية وتمكينه من تحرير 500 مركز سكني وأكثر من 10 آلاف كيلو متر من الأراضي التي أصبح ساكنيها عبارة بقايا وجثث توارت تحت الأنقاض ونساء تئن من وحشية الهجمات وصراخ مكتوم لأطفال تحت الأنقاض لن يسمعها العالم بعدما أصبح يمتلك أذانا صماء لا تسمع صراخا ولا ترى غير الدماء. وفي النهاية لم يبق للأطفال والنساء والمقهورين في سوريا وحلب إلا التشبث بالدعوات والابتهال الى الله لإنقاذهم من الدمار الذين يدفعون ثمنه دون أن يرتكبوا ذنبا سوى أنهم سوريون يعيشون على أرضها.. الأبرياء في حلب يتضرعون الى الله، ويطلبون أن ينقذهم من براثن مصاصي الدماء الجدد والمتاجرين بدمائهم، الأطفال والنساء في سوريا يتضرعون الى الله أن يبقوا على قيد الحياة ربما تنبت الأرض التي ارتوت بدماء إخوانهم وأبناهم حرية في يوما ما، ربما، لكنهم يتضرعون الى الله ويتوسلونه ويدعونه وكل أملهم أن يتقبل الله منهم.. إنها رسالة الضعفاء في الأرض السورية الى رب السماء.. اللهم انقذ شعب سوريا وحرك قلوب حكامنا العرب لإنقاذ ما تبقى منهم على قيد الحياة.