من المعروف أن الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، يكاد يكون من أصعب المراحل التي تمر بها الأمم، ولكن ضرورة التغيير التي تعيشها مصر في أعقاب ثورة يناير، ألقت بظلالها أيضا على ضرورة الاهتمام بتطوير قطاعات النقل كجانب أصيل من الجوانب التي لابد أن ينالها التغيير، حيث وضع د. إبراهيم الدميري، رغم قصر سنواته بوزارة النقل، في كتاب أصدره مؤخرًا خطة طويلة المدى للنهوض بقطاع النقل والمواصلات حتى عام 2050. يأتي الكتاب في عشرة أبواب يتناول فيها المؤلف أهمية تطوير قطاعات النقل في مصر لتحسين مستوى وجودة الحياة للمواطن المصري، من خلال وضع مخططات شاملة للنقل لتلبية الطلب المستقبلي على النقل ووضع مقترح لتحديث شبكة الطرق بإنشاء شبكة طرق حرة وسريعة وتحويل سكك حديد مصر إلى "الجر الكهربائي" وإدخال خدمة القطارات فائقة السرعة، بالإضافة إلى طرح لمسببات مشكلة النقل والمرور بالقاهرة الكبرى وكيفية علاجها، فضلا عن آليات واضحة لإنجاح مخططات التطوير الشامل على مدى السنوات الخمسين المقبلة. ويرى د. الدميري أن نمو الدول ومستوى المعيشة والرخاء الاجتماعي للمواطن يرتبط إلى حد كبير بحجم وكفاء البنية الأساسية المتاحة والتي يتم من خلالها توزيع الموارد والخدمات الأساسية، ومن ثم يلعب دورًا محوريًا في مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تحسين مستوى الإنتاجية وزيادة القدرة التنافسية للدولة وزيادة فرص العمل وتحقيق الأهداف الوطنية العامة مثل الأمن القومي والصحة والتعليم. وبحسب المؤلف، فإن الحياة لا تستقيم إلا من خلال أنظمة نقل مرنة وسريعة وآمنة تلبي الطلب المتزايد على النقل وتدفع بحركة التنمية المستدامة إلى الأمام، لذلك فإن نجاح أي خطط لتطوير قطاعات النقل في مصر لابد أن يشمل استيعاب حجم الطلب على النقل حاليا والمتوقع مستقبلا، الشبكات الحالية وطاقتها بالإضافة إلى المشروعات المستقبلية والتوسعات اللازمة وتكلفتها وأولوية تنفيذها. في الوقت نفسه، لابد أن يكون هناك تكاملا إستراتيجيًا على المستوى القومي بين مختلف الجهات للوصول إلى وجود قدر كاف من التنسيق بين الجهات الحكومية وغير الحكومية التي تعمل في مشروعات النقل والالتزام بإطار المخططات الشاملة للنقل التي تضعها وزارة النقل. ويشير د. الدميري إلى أن الرؤية المستقبلية لتطوير وتحديث قطاعات النقل في مصر هى جزء من كل، ويجب أن يسير بالتوازي مع خطط التطوير والتنمية وما يفرضه الطلب المتزايد على النقل مع الوقت والزمن والنمو السكاني من متطلبات، بحيث يجب عدم إغفالها بل العكس إعطاءها أولوية أولى وتسير هذه الرؤية بما تتطلبه من استثمارات ضخمة وبرامج زمنية وتنفيذية طويلة على التوازي معها حتى لا يحدث خلل في تلبية احتياجات المواطنين من خدمات للنقل آمنة وسريعة وحديثة ومتوفرة في كل وقت وزمان ومكان. ولكي تنجح هذه الرؤية، يجب العمل في إطار عدد من السياسيات للمرحلة القادمة وتشمل سياسات خاصة بدور الدولة في إدارة وملكية خدمات النقل، وسياسات خاصة بآلية نقل الركاب وسياسات أخرى خاصة بنقل البضائع، بالإضافة إلى سياسات تتعلق بأمن وأمان وسائل النقل وإعادة وبناء الكوادر البشرية العاملة في مجال النقل. فالرؤية المستقبلية التي يطرحها المؤلف في هذا الكتاب تبرز أهم ملامح التطوير المطلوبة لقطاعات النقل في مصر والتي تمثل في محتواها مشروعات قومية كبرى تستلزم توفير قدر كبير من الاستثمارات على مدى العقود الأربعة القادمة حتى تكون مصر بحلول 2050 عادت إلى الريادة في الحضارة والتحديث وتوفير حياة أفضل لمواطنيها بعد أن عانوا على مر العقود السابقة من الظلم والقهر وغياب عدالة التوزيع ووصل مستوى دخل الفرد من ذوي محدودي الدخل إلى حد يدنو من حد الفقر في المجتمعات الفقيرة المناظرة.