رحمة الله على أمي التي رحلت منذ 28 عاما كنت حينها طفلا لم يتجاوز ال13 عاما، رحلت في زهرة عمرها فلم يتجاوز عمرها حينها 35 عاما، وتركتني وشقيقين 11 عاما و5 أعوام نتجرع مرارة "اليتم" الحقيقي، حينها أسودت الحياة في عيوني وسقطت أسيرا للحزن فترة طويلة فلم أكن اتخيل كيف سأكمل ما تبقى من العمر بدون نهر الحنان وينبوع العطف، لكن الله كان رحيما ب3 أطفال كسر رحيل أمهم ظهورهم، حيث رزقنا بأب حنون كرس حياته لإسعادنا، وفي عيد الأم أوجه كل التحية والشكر لوالدي الغالي أطال الله عمره وجزاه الله خيرا على صبره وعطائه وحنانه. السطور التالية هي كلمات من قلبي لأمي التي مهما عبرت عن حبي واشتياقي لها لن يوفيها حقها اية كلمات، كل الشكر لمن يشرفني بقراءتها.. عندما تحتاج لمن يمنحك حبا بدون مقابل وحنانا دافئا وعطفا بلا حدود، وتلقي برأسك بين أحضانه وتبكي بحرقة، و يحتويك ويضمك في لحظات حزنك وهمك وضعفك.. عندما تريد أن تسعيد معنى البراءة والصدق والشفافية لن تجد إلا حضن أمك فتهرول نحوه.. وإن كانت راحلة لدار البقاء فلا تجد إلا دموعك التي تنهمر بحرقة من عيونك، ليست للذكرى على قيمة ومعنى لا يمكن أن يعوض، لأن الأم لا يمكن أن تصبح ذكرى، فهي الغائبة الحاضرة في قلوبنا مهما مرت الأعوام، ولكن على حالك وعلى أحزانك وآلامك، تذكر كيف ضيعت العمر وانت بعيدا عن أمك، تذكر كم كنت قاسيا وانت تلومها على خوفها من فرط حبها لك، تأمل حالك، مَن بعدها أحبك مثل حبها؟، مَن بعدها منحك الحنان مثل حنانها؟، تذكر واندم، ولكن في وقت لم يعد يجدي فيه الندم. من شرفة غرفتي المظلمة انتظرها كل مساء تأتي مدثرة بثياب أخضر، تهبط على مثل نجمة من السماء، وحدها تسمعني بقلبها، وتحتويني بإحساسها، وتضمني بصدق لحضنها، وحدها من تجفف دمعي، وتداوي جرحي وتؤنس وحدتي وتجبر خاطري، مهما مرت السنين ستظلين يا أمي ينبوع الحب، ونهر الحنين، ستظلين وحدك حبيبتي من يمنح الفرح ويسكت الوجع والآنين، لم ترحلين، لأنك نبض القلب وفي الحنايا تسكنين. إن هزمني الحنين.. أذهب لقبرها لاستعيد دفء السنين، هنا ابكي بلا حياء، وتغمرني مشاعر الصدق والوفاء ملتفحا بثوب النقاء، أناجيها فتسمعني، أشكو إليها وجعي وأفجر أنهار ألمي فلا تمنعني، وحدها كانت الحبيبة والفرحة الوليدة، هي الأمان لقلب أنهكته الأحزان، يمر عام وراء عام، ومازالت ذكرياتك تنسج الأحلام وحبك يداوي الآلام، سامحيني حبيبتي إن حطم الحزن قلوعي، واطفأت مرارة الوحدة شموعي، برحيلك يا أمي تشابهت ملامح أيامي، وسكن الشجن وجداني، بعدك يا نبع الحنان ذبلت الورود على الأغضان، ومات الفرح وبقي الجرح. كل شيء كما تركتيه لم يتغير، هنا أريكتك، وبجوارها سجادة صلاتك وعباءتك، رحلت حبيبتي ولكن لم ترحل من قلبي الذكريات في كل ليلة أناجي صورتك وأقبل وسادتك. على عتبة بيتنا القديم تسمرت أقدامي، هنا كانت تحتضني أمي لو غبت لحظات، تغمرني بفيض حنانها وحبها وعطاءها، جرجرت أقدامي بعدما رفضت أن تغادر المكان، جرفتني دموعي نحو أطلال ذكريات الزمان، تنقلت بين كل الزوايا أقبلها بلهفة عاشق ولهان، علني أشتم فيها رائحتها أو بقايا من عطرها على كل جدار، جمعت قلوبنا ألف حكاية بينهم دموع وآلام، وأشجان وأحلام، هنا كتب الزمان النهاية لأوجع رواية، مازالت روحك حبيبتي ترفرف في كل مكان، مازال غرسك في قلوبنا ينبت حبا وعطفا وحنانا، لو مر مئة عام ستبقي وحدك بالوجدان ينبوع الحب والعطف وواحة الأمان. وحدها تمنحك الحنان بسخاء، هي نهر الصدق والنقاء، يغمض جفنك وتنسى هموم الدنيا وتنام بهدوء فقط على صدرها، اللحظة بقربها والنظرة من عيونها نور حياتك ورحيلها يعني مماتك. الأم.. هي حالة الحب الحقيقة التي تجتاح القلب وتقتلع جذور الكراهية.. هي العشق الأبدي حتى الثمالة.. والسعادة التي تنبت ورودا وأزهارا جميلة.