أيا كانت النتائج التي سيسفر عنها اليوم عن الفائز أو الفائزين بالمقدمة في الانتخابات الرئاسية; فإن عليهم التفكير فورا في مجموعة من الإشكاليات الكبري, التي ربما لم تأخذ حقها من التفكير خلال الحملة الانتخابية. فالآن لم يبق وقت طويل علي مواجهة المسئولية العظمي لقيادة مصر, ومن ثم فإن ما تم تجاهله لم يعد ممكنا إلا الاهتمام به, لأن حل هذه المعضلات فكريا علي الأقل سوف يجعل الرئيس القادم لا يدرك الفارق ما بين الشجرة والغابة الواسعة وراءها; ولن يعرف أبدا الكيفية التي يرتب بها أولوياته المقبلة وما الذي عليه أن يتوجه له فورا, وما الذي يمكنه الانتظار قليلا. ولعل الإشكالية الكبري تبدأ من الحقيقة التي تقول إنه برغم أن مصر كانت من أوائل الدول النامية التي دخلت عالم الحداثة والإصلاح المدني والديني منذ عام 1805; فإنها لم تنجح أبدا في اللحاق بالدول المتقدمة, حيث فشلت الأجيال المتتابعة من المصريين, ومن حكموا مصر في إنجاز هذه المهمة, ولا تزال مصر تترنح في النصف الأدني من دول العالم في كل المعايير, والشائع أن ذلك كان راجعا أساسا للنظام السابق المباركي; ولا بأس في ذلك لأن ذلك كان قول نظام مصري عن النظام الذي سبقه, كما أنه ينفس بعضا من نوبات الغضب التي تحل بالبلاد, ويعفي كثيرين من المسئولية عما جري, وربما عما سوف يجري. ولكننا نريد للرئيس الجديد, ونظام ما بعد ثورة يناير أن يكون مختلفا ليس من حيث اكتشاف عيوب ومثالب نظام مبارك, ولكن اكتشاف عيوب ومثالب الدولة المصرية في تراكم تقاليدها عبر العصور من الولاة حتي الرؤساء, حيث فشلت في تعليم المصريين, وسارت من عصر إلي عصر وهي تعتمد علي العالم الخارجي شرقا وغربا, وفي كل الأحوال تضخمت فيها البيروقراطية منذ العصر الملكي رغم ليبراليته, وفي عصر عبد الناصر بالطبيعة, ولكنها, وصدق أو لا تصدق, تضخمت أيضا في عهد الرئيس السادات حيث كان الانفتاح, وفي عهد مبارك حتي ولو كان يسعي إلي اقتصاد السوق. وفيما عدا تقدم طفيف بقيت الدولة حبيسة الازدحام حول النهر, وذات مركزية في اتخاذ القرار, وكان الفساد شائعا في كل الأوقات بين الحكام والمحكومين. القضية إذن هي الدولة وليس نظام الحكم وحده, الذي هو أحد أركانها, ولكنه ليس كلها, وليس النظام السابق وحده, بل كل النظم التي حكمت الدولة. ما علي الرئيس الجديد ليس أن يقيم جمهورية ثانية أو جديدة, ولكن دولة أخري تختلف عما عرفناه من دول!. نقلا عن الاهرام