المسنون أمهاتنا وأباءنا أساس الأسرة، والبركة الحقيقية في حياتنا صغاراً كنا أو كباراً، وهي حقيقة قد تغيب عن البعض ممن يمن الله عليهم بطول عمر أباءهم أو أمهاتهم ليصلوا إلي مرحلة الهرم والكهولة. وظهرت مشكلة تعتبر من الكبائر، وهي إساءه معاملة المسنين نتيجة جحود الأبناء والأحفاد، وقسوة المجتمع علي هؤلاء الضعفاء. إساءة معاملة المسنين من المشكلات الهامة، والتي لا تتوفر بشأنها معلومات دقيقة في مصر، فهي من المشكلات المسكوت عنها لأسباب ثقافية واجتماعية واقتصادية، بل ولأسباب " لا أخلاقية"!! فاذا كنا نخجل من إساءه معاملة المسنين فلماذا نسيء إليهم، ولا نحترم ضعفهم وكبر سنهم؟ هل يعقل أن نكون نحن كأبناء، وكمؤسسات معنية ضدهم بدلاً من أن نكون داعمين لهم، ولخصوصية المرحلة الحرجة بما فيها من مشكلات صحية ونفسية واجتماعية !! تشير احصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أنّ من 4% إلى 6% من المسنين في البلدان المرتفعة الدخل تعرّضوا لشكل من أشكال إساءه المعاملة في البيت. غير أنّ المسنين غالباً ما يبدون بعض الخوف في إبلاغ أسرهم، أو أصدقائهم، أو تحرير محاضر بما يتعرّضون له من ضروب إساءة المعاملة، نتيجة ضعفهم وخوفهم من الإبلاغ، وقد يكون عجزهم عن الإبلاغ سبب من أسباب عدم الإبلاغ. ومن الملاحظ أيضاً عدم توفر معلومات تتصل بحجم مشكلة الإساءة إلي المسنين، وسوء معاملتهم في مؤسسات مثل المستشفيات، أو دور رعاية المسنين، أو غيرها من أماكن تخصص للرعاية طويلة الأمد. ومن المؤكد أن هناك العديد من الانتهاكات المسكوت عنها، والتي قد تصل إلي حد التعذيب البدني، أو النفسي، واهمال الرعاية الصحية والنظافة والتغذية، وهل يصل ذلك إلي حد الظاهرة أو لا؟ مازلنا غير قادرين علي تحديد ذلك، و للأسف لا يصدر أي تقرير وطني بشأن المسنين في مصر، ولا يتم الاحتفال أو الترويج لليوم العالمي لمنع إساءة معاملة المسنين، وهو 15 يونيو من كل عام، ليكون هذا اليوم مناسبة لمراجعة وضع المسنين، والاستماع إليهم، أو زيارتهم في مؤسسات الرعاية، والأغرب أن الاعلام لا يخصص أي برامج للمسنين!! تتباين أشكال الإيذاء التي تُرتكب في مؤسسات ودور رعاية المسنين، فمنها الإيذاء الجسدي، أو المعنوي والمساس بكرامتهم، كتركهم في ملابس متسخة مثلاً، وأهمال شؤونهم اليومية، والتعمّد في عدم تزويدهم بخدمات الرعاية الكافية نتيجة عدم قدرتهم علي الحركة، فيُصابون بقرح الفراش، أو إعطاءهم الأدوية بشكل مفرط، أو بشكل ناقص وحجب الأدوية عنهم، وعدم ربط العلاج بالتغذية السليمة، والإهمال والإيذاء العاطفيين. ويمكن أن تؤدي إساءة معاملة المسنين إلى تعريضهم للحوادث وكسور العظام، والجروح والكدمات، وإصابات الرأس التي تتسبّب في حالات النزيف، والعجز الدائم، ناهيك عن الآثار النفسية الخطيرة التي تدوم فترات طويلة أحياناً وتشمل الاكتئاب والقلق، والهلاوس البصرية والسمعية. ويمكن أن تكون آثار إساءة معاملة المسنين بالغة الخطورة بوجه خاص على المسنين نظراً لهشاشة عظامهم، وطول فترة نقاهتهم. وعليه فإنّه يمكن حتى للإصابات الطفيفة نسبياً إحداث أضرار خطيرة ودائمة، أو إحداث الوفاة في بعض الأحيان. ويزيد من احتمالية تزايد عدد حالات إساءة معاملة المسنين التطور الماثل في ارتفاع العمر المتوقع عند الميلاد لاسيما عند السيدات نتيجة تحسن مستوي الرعاية الصحية. وعليه ونتيجة الزيادة في أعداد المسنين لا تُلبى احتياجاتهم على النحو الكامل نظراً لقلّة الموارد، وغياب الوعي بأهمية، وقيمة هذه الفئة الضعيفة. ويمكن تحديد المخاطر التي قد تساهم في زيادة احتمال إساءة معاملة المسنين، ومنها إصابة المسنين بمرض الزهيمر، أو إصابة مرتكب الإيذاء المعني برعاية المسن باضطرابات سلوكية، أو إدمانه للكحول أو المخدرات مع غياب الوازع الديني. ومن عوامل الخطر الأخرى، والتي قد تزيد من مخاطر تعرّض الشخص المسن للإيذاء نوع المسن" رجل أو أمرأه، وتعايشه مع الشخص أو الأشخاص المعنين برعايته. وعلى الرغم من تعرض الرجال المسنين لمخاطر الإيذاء، فيلاحظ أن النساء المسنات يتعرّضن بشكل أكبر لمخاطر الإهمال، والهجر والاستيلاء علي أموالهن عندما يموت أزواجهن، وللأسف يكون الجاني هو الأبناء وأزواجهم. وقد تتعرّض المسنات، بصورة أكبر أيضاً، لأشكال من الإيذاء الجسدي، والمعنوي، بشكل يتنافى مع الكرامة الإنسانية غير اللائقة، والتي لا تستحقها الأم بعد مشوار عطاء طويل . ونجد أيضاً أهملا وإساءة من الأحفاد، وزوجات وأزواج الأبناء لاسيما ضد المسن الغني طمعاً في ماله. وفي بعض الحالات قد تتفاقم العلاقات الطويلة القائمة بين أفراد أسرة فقيرة نتيجة القلق، والإحباط عندما يصبح شخص مسن من بينهم أكثر اعتماداً عليهم، فتزيد رغبتهم في التخلص منه!! وأخيراً مع تزايد عدد السيدات العاملات اللائي لا يملكن وقت الفراغ الكافي، يصبح الاعتناء بالمسنين عبئاً نفسياً، ومعنوياً، وأهمال عاطفي أثقل ممّا يزيد من مخاطر الإيذاء. ومن ضروب الإساءة للمسنين "العزلة الاجتماعية" وهي التي تشوب العلاقة بين مقدمو خدمات الرعاية والمسنون، وتؤدي إلي فقدان المودة والرحمة، ويعاقب المسن بالعزلة نتيجة إصابته بالعجز الجسدي، أو النفسي، بدلاً من غمره بالحنان من قبل مقدمي الخدمة، ولا يمكن أن ننسي العوامل الثقافية السائدة والتي تصور المسن كشخص ضعيف ليس له قيمة، ولا يمكنه الاعتماد على نفسه. من العوامل الثقافية الحديثة أيضاَ هي النمط السريع للحياة، وعدم تنشئه الاحفاد علي مفاهيم العطاء، وقيم الاحترام بين أجيال الأسرة وكذلك أنتشار هجرة الأزواج الشباب، وتركهم آبائهم المسنين وحدهم، متناسين أنهم هم المعنين تقليدياً، بآبائهم المسنين، ويتحجج البعض بضيق ذات اليد، وانعدام الأموال اللازمة لدفع تكاليف الرعاية. وفيما يتصل بمؤسسات، ودور رعاية المسنين نجد تدني معايير الرعاية الصحية، وخدمات الرعاية العامة، ومرافق الرعاية الخاصة بالمسنين، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنقص تدريب العاملين وانخفاض أجورهم وزيادة أعبائها، وللأسف تعتبر هذه المؤسسات وسيلة للتربح، وخدمة مصالح المؤسسة بدلاً من مصالح المسنين المقيمين فيها. والخلاصة، أننا في حاجة إلي سياسات وقائية، واستراتيجيات مبتكرة لأجل الوقاية من إساءة معاملة المسنين، ومكافحتها، والتخفيف من آثارها، مثل تنظيم حملات اعلامية ترويجية لتوعية الأبناء، والمهنيين بعمليات فرز لضحايا إساءة المعاملة، ومرتكبيها المحتملين، وآليات الإبلاغ عن إساءة المعاملة، بالإضافة إلي الاضطلاع بتدخلات لدعم مقدمي خدمات الرعاية، وتنفيذ دورات لبناء قدراتهم للتعامل مع مشكلات المسنين لاسيما مع حالات الزهيمر والعجز والاكتئاب، والاهتمام بطب المسنين، وضمان مؤسسات، و منازل آمنة ومرافق للإيواء في حالات الطوارئ. مازال هناك العديد من الفجوات التي تحول دون حصول المسنين علي حقوقهم في الكرامة الإنسانية، وقد نص الدستور الجديد ولأول مرة علي التزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة من أجل حياة كريمة للمسنين تلبي احتياجاتهم الصحية، والنفسية والاجتماعية.