هاهو ''على عوض‘‘ أمامه يتيه فى بزته العسكرية ونظارته المستوردة تلمع فى الشمس فتكسر العيون بالوميض المنعكس من سطحها مع كل لفتة يلتفتها، فتوجه نحوه بنية اصطحابه معه لكنه لم يلحق به، فقد انطلق ''الباشا‘‘ بسيارته العسكرية متوجها لنقطة الشرطة، لكنه صمم على اللحاق به حتى ولو اضطر لانتزاعه من وسط حاشيته. إلى تلك البلد مضى ليأتى بعلى عوض، فقد كان مطلوبا لعدالته. مضى نحوها وبنفسه حنق ولهفة لسرعة إحضاره، وتعجب من نفسه ومن الشعور بالغيظ الذى يملأ وجدانه، وهو الجامد المحايد الذى يأتمر بأمره ويأتى بهم جميعا دونما تمييز أو تراخ. ومما زاد من حنقه، جهله للمرة الأولى بمكان المطلوب إحضاره، كل ما كان يعرفه أنه فى ذلك البلد، ولأول مرة يذهب لإحضار مطلوب وهو كاره له، إذ لم يكن من حقه أن يكره أو يحب كى لا يقع فى فخ التعاطف مع المطلوب، فيقصر فى مهمته. ولكنه لم يملك إلا أن يكرهه فى هذه المرة، ولم تكن تلك الكراهية نابعة من غموض العنوان أو ضلاله فحسب، بل كانت لما عرفه عنه من جبروت، وكيف كان يبسط سيطرته على أتباعه بكسر نفوسهم وعيونهم ليضمن ولاءهم أولا، ثم يعود ويرشوهم بالامتيازات والعطايا، ياله من ''عربجى‘‘؛ هكذا ردد بينه وبين نفسه الساخطة على ذلك العلى عوض. فتش بين صفات البشر كثيرا عنه حيث بدأ من القاع مع طلعة النهار، وحين رآه هو يضرب صبيه ويسبه بفاحش القول فى تلك الورشة المعتمة الخانقة، توجه نحوه ممنيا نفسه بتمام المهمة، لكنه التفت على صوت يهدر من نفير سيارة مصحوب بسباب أقذع وأفحش. فالتفت ليجد ''الأسطى‘‘ الذى صم أذنيه عن توسلات الصبى، وقد صار كتلة من الآذان المصغية فى خنوع لإهانات الباشا، وكاد يسمع دبيب قلبه المرتعب من التهديدات الصادرة عن ''الباشا‘‘، بل واختنق برائحة العرق المتصبب ذعرا من الميكانيكى أو لعله بال على نفسه، فكادت تنتابه الشفقة نحوه وأرجأه إلى حين حتى يبت فى أمره. والتفت نحو ''الباشا‘‘ وعرف أنه وجد ضالته، فهاهو ''على عوض‘‘ أمامه يتيه فى بزته العسكرية ونظارته المستوردة تلمع فى الشمس فتكسر العيون بالوميض المنعكس من سطحها مع كل لفتة يلتفتها، فتوجه نحوه بنية اصطحابه معه لكنه لم يلحق به، فقد انطلق ''الباشا‘‘ بسيارته العسكرية متوجها لنقطة الشرطة، لكنه صمم على اللحاق به حتى ولو اضطر لانتزاعه من وسط حاشيته. وحين لحق به تأكد أنه وجد ''على عوض‘‘ حسبما يقول الكتاب، وقبل أن يدنو منه دق الهاتف فتمهل وهو لا يدرى سببا لتمهله، لعله حدس ما أصابه وأنبأه بصيد أكبر. وقبل أن يدقق فى ظنونه لفت اهتمامه التحول الحاد فى مسلك ''الباشا‘‘ وفى كلماته ونبراته المستعطفة لسعادته، ذلك الصوت المتجاوز أذن الباشا حتى ملأ الحجرة التى ران عليها صمت مقبض على ازدحامها. وما أن انتهت المكالمة العاصفة حتى أشار الباشا لعساكره باقتياد الشابين الذى يحمل أحدهما كاميرا إلى مصيرهما المحتوم، فتسمع صرخاتهما مدوية تحت سياط ''على عوض‘‘ آخر، يأتمر بأمر ''الباشا‘‘ وبأمر ''سعادته‘‘. وعندئذ تفاقمت حيرته وسخطه على تلك البلد، فأيهم المطلوب؟؟ لكنه لم ييأس، ومضى يبحث عن المطلوب، وفى المساء وجد سعادته فى تلك الجريدة التى يرأس مجلس إدارتها، فأيقن أنه قد وجد ضالته أخيرا. وتأكدت استنتاجاته حين دخل عليه ليجده وقد انفرد برئيس قسم التحقيقات، ذلك المشاغب الذى يصر على فتح أبواب جهنم عليه وعلى الجريدة كل فترة، وسمع تهديداته له بعد أن تجاوز الخطوط الحمراء وأن عليه أن يحمد ربه أن الأمور لن تتعدى ''قرصة الودن‘‘ للشابين فداء له وللجريدة حتى تطيب نفس ''معاليه‘‘ فلا يهدها على رؤوسهم كما قال. حين سمع ذلك عرف أنه لم يصل بعد إليه، فهاهو ''معاليه‘‘ يقبض على السوط، وعندئذ فهم أخيرا أن عليه الاستمرار فى البحث عن ''على عوض.