لم يجد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، مخرجا في هذه الفترة التى واجهت فيها المؤسسة الدينية هجمات عنيفة أبرزها الهجمات الإعلامية على علماء الأزهر ومناهجه التى وصفها الكثير بأنها جامدة وغير مواكبة للتطور الحديث، سوى الحوار الجاد مع طوائف المجتمع. كان لابد من الطيب أن يدعو لحوار يمكنه من التفاعل الجاد ومعرفة مايدور في أذهان الآخرين والتعرف على رؤى وأفكار جديدة، وهو ما تم بالفعل،حيث دعا شيخ الأزهر عدد من الإعلاميين والمفكرين والسياسيين وممثلين عن الكنيسة المصرية وممثلات عن المرأة،للتفاهم حول وضع ضوابط وآليات تساهم في السير الصحيح في طريق تجديد الخطاب الدينى. واجتمع الطيب مع الإعلاميين والمفكرين في جلستين حتى الآن، اقتصرت الأولى منهما على التعريف بالحضور، وطرح بعض الأفكار الأولية منهم على الإمام وخلصت الجلسة إلى تحديد يوم الثلاثاء من كل أسبوع ليكون اجتماعا دوريا لحين الإنتهاء من الوثيقة الخامسة المنبثقة عن الأزهر والخاصة بتجديد الخطاب الدينى، كما أوصت أن يكون هناك مذكرة تفصيلية لكل مشارك توضح وجهة نظره ورؤيته في وضع ضوابط وآليات لتجديد الخطاب الدينى بشكل سليم تؤخذ فيه كافة الآراء ووجهات النظر مع التشديد على عدم المساس بالثوابت الدينية. ويتحدث الدكتور ناجح إبراهيم المفكر الإسلامى والقيادى السابق بالجماعة الإسلامية، عن وجهة نظره التى عرضها على شيخ الأزهر، حيث أنه من ضمن المشاركين،مؤكدا أن التجديد فى الخطاب الدينى ضرورة حتمية، لأن من لم يتقدم يتقادم، ولكن التجديد لايعنى التبديد أو إغفال الثوابت المسلم بها. ويضيف إبراهيم، أنه يجب علينا أن نكون مع ثوابت الإسلام فى صلابة الحديد، ومع متغيراته فى مرونة الحرير، لأن الثابت من الله ورسوله، لايجب المساس به، والمتغير من البشر، من الممكن أن يتم تصحيحه. ويشير إلى أن بعض المتدينين يريدون أن يحولوا المتغيرات إلى ثوابت والعكس، وآخرين يريدون هدم الثوابت أصلا وتحليل الحرام وتحريم الحلال، منوها أن الخطاب الدعوى لابد أن يكون خطاب سلام فالأصل فى الإسلام السلام وشرط المقاتلة العلة فيها وهى أن أدافع عن نفسى ضد من يقاتلنى، فالموجود حاليا خطاب عدائى ولابد أن يكون هناك خطاب عفو لا إنتقام. ويذكر أن ناجح ابراهيم أننا نحتاج إلى خطاب الدوران حول الشريعة فمعظم الخطابات الموجودة حاليا تدور حول تسهيل الوصول إلى السلطة من الحركات الإسلامية وتفسر القرآن لتقريبها لقاداتها، بينما يتسم الخطاب الدينى فى المؤسسات الرسمية حول الحكومات وعدم الحديث أو معاداتها، لافتا أننا نريد خطاب محايد لا يقدس الحاكم ولا يبخسه. ويشدد المفكر الإسلامى على ضرورة الغاء خطاب التكفير والتفجير فهذا يعتبر من أسوأ الخطابات فهما وجهان لعملة واحدة ولابد من تحويله إلى خطاب هداية فمسئولية الدعاة هداية الخلق لا تكفيرهم مؤكدا أن الدعاة ليسوا قضاة ولا ولاة ولا قساة ولا غواة. ويطالب ناجح ابراهيم أن يكون ضمن خطة تجديد الخطاب الدينى، خطاب التبشير لا التنفير ليعين الناس على شياطينهم ولا يعين الشيطان عليهم فكلا الجانبين من الخطاب الحكومى الرسمى والآخر من الجماعات، ينفران الناس من دينهم وهذه جريمة كبيرة، كما أننا نحتاج إلى خطاب الأخوة وأن يشعر الجميع أنه لافرق بين وبينهم الآخرين. من جانبه يؤكد الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن قضية تجديد الخطاب الديني لابد أن تبدأ من التعليم والتنشئة الاجتماعية، كما أن المناهج وطرق التدريس لابد أن تكون عملية وتلبي احتياجات المرحلة التى نعيشها، وتساعد على نشر القيم وأخلاقيات الدين، والحفاظ على البيئة والإنتماء للوطن، منوها أن هذه العملية لابد أن تتضافر جهود الدولة حولها وليس الأزهر فقط، في إشارة منه أن الأزهر لدية مسارات علمية وتربوية يسر من خلالها في هذا الدور بالتنسيق مع كافة مؤسسات الدولة لتنقية عقول الشباب من الأفكار الشاذة والمتطرفة وترسيخ أخلاقيات البناء والنماء. وانتقد العوارى، من يرددون مصطلح تجديد الخطاب الدينى، دون الإلمام به، فهم لايعرفون أى الأمور التى يجب فيها التجديد وأيها لايجوز فيها، فالثوابت الدينية لايجوز فيها التغيير، مشيرا إلى أن هناك أخطاء يقع فيها الداعين إلى التجديد لأنهم لايمتلكون أى وقاعدعلمية صحيحة، الأمر الذى يساعد التنظيمات الإرهابية لتتبنى هذه المفاهيم التى يشيعونها والتى لاتستند لدلائل سليمة، ويشوهون بها الإسلام وطالب عميد أصول الدين،بضرورة تنقيح التراث،مشيرا إلى أهمية النصوص التى نقلت عن الأئمة الأربعة ودراسة مذاهبهم دراسة علمية صحيحة حتى تخرس ألسنة من يتعدى عليهم،موضحا أن ما قاله الأقدمون يتطلب التوضيح والشرح ومعرفته معرفة دقيقة مع بيان مايفهم منه بطريقة خاطئة. ويكشف الإعلامي أحمد المسلمانى، أن الجلسة الاولى من إجتماع شيخ الأزهر مع الإعلاميين والمفكرين كانت تعارفية بنسبة كبير، وتم الإتفاق بين الحضور على الإجتماع أسبوعيا يوم الثلاثاء لعرض وجهات نظرهم تفصيليلا حتى يتثنى إصدار وثيقة موحدة تنال إعجاب الجميع، منوها أنه قدم وجهة نظرهم للإمام الأكبر بضرورة تطوير وتحديث الإسلام الحضارى ضد مايسمى بالإسلام السياسى الذى يهدف لخدمة جماعات متشددة وأجندات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وتنال من أمنة وسلامته، منوها أن الإسلام يتعرض لمؤامرات بغيضة من دول غربية هدفها الأول والوحيد تشويه صورته، وعلى الأزهر دور كبير بصفته حائط الصد المنيع الذى يدافع عن الإسلام في التصدى لمثل هذه التدبيرات، وذلك من خلال الرد العلمى الواضح بعد تنفيد شبهاتهم. وأكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أنه قدم لشيخ الأزهر يشتمل على إنشاء هيئة قومية للخطاب الديني تشتمل على الثقافة الإسلامية والمسيحية وليس الدين الإسلامي فقط، وتنقيح كتب التراث، كما طالب بإنشاء مركزا للوسطية والمعارف الإسلامية بجامعة الأزهر، وتشكيل فريق فقهى للتنفيد والرد على المتشددين من الجماعات المتطرفة.