ألقى سامح شكري، وزير الخارجية، كلمة أمام المؤتمر السنوي لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية 2015 بعنوان "التحديات السياسية والاقتصادية في مصر: رؤى مستقبلية" وذلك بحضور الدكتورة هالة السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتورة هبة نصار، الأستاذة الدكتورة وفاء الشربيني، منسقا المؤتمر السنوي لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية 2015. وقال شكري في نص كلمته :"تحدوني سعادة كبيرة وأنا في رحاب أقدم جامعة مصرية وواحدة من أعرق كليات الاقتصاد والعلوم السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وأول كلية متخصصة في دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية في مصر، والتي خرّجت عبر أجيال ومنذ تأسيسها في مطلع ستينيات القرن الماضي نخبة من العلماء والمفكرين العظام في علوم السياسة والاقتصاد والإحصاء". وأضاف :"من هذا المحراب، تخرّج أيضاً ساسة ووزراء وسفراء ورؤساء مؤسسات مالية كبري، فضلاً عن كتاب وقادة الرأي والفكر وكوادر مؤهلة في مؤسسات الدولة المختلفة والذين قضوا فترة دراستهم الجامعية في هذا الصرح العلمي الهام، وتشكل وعيهم ووجدانهم بين أروقة هذه المؤسسة الأكاديمية العريقة ذات السمعة الدولية المرموقة". وتابع :"ولا يخفي علي أحد العلاقة الوثيقة التي تربط وزارة الخارجية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فنسبة كبيرة من المتقدمين للعمل بالسلك الدبلوماسي والمقبولين به كل عام هم من خريجي هذه الكلية، كما نسعى دائما للتفاعل مع أساتذة الكلية وباحثيها والاستفادة من خبراتهم العلمية في جميع الملفات ذات الصلة بمصالح مصر الحيوية في الخارج". واستطرد :"واسمحوا لي أن أهنئكم علي اختيار موضوع مؤتمر هذا العام: "التحديات السياسية والاقتصادية في مصر: رؤي مستقبلية"، وعلي اختياركم بعناية شديدة لموضوعات الجلسات المختلفة والمتحدثين بها، وهو ما يعبر عن عمق الرؤية والتواصل بين الأجيال من الأساتذة وشباب الباحثين في تناغم واضح، كما أتطلع للتعرف علي المخرجات النهائية للمؤتمر التي ستكون بلا شك ذات دلالة وأهمية لصانع القرار". واستكمل حديثه وقال :"يأتي انعقاد مؤتمركم هذا في وقتٍ تواجه فيه مصر والأمة العربية بأسرها تحديات غير مسبوقة تتطلب تكاتف كافة أجهزة الدولة في مصر والدول العربية ومراكزها البحثية والأكاديمية لمواجهة تلك التحديات. فمن خطر التقسيم والتفتيت الذي تواجهه الدولة القومية في العالم العربي كما في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، إلى مخاطر استشراء التنظيمات الإرهابية كما هو الحال في ليبيا وسوريا والعراق، فضلاً عن التدخل الخارجي في المنطقة، وهو ما أثّر سلباً على منظومة الأمن القومي العربي ... ناهيكم عن حاجة الدولة المصرية إلى مواجهة التحديات الداخلية مثل رفع مستوى المعيشة للمواطن وتحقيق قفزات اقتصادية وعدالة اجتماعية تحقق المطالب التي تبنتها ثورتا الشعب المصري في 25 يناير و30 يونيو، واللتان أكدتا كذلك على ضرورة إعادة تفعيل دور مصر الإقليمي واستعادة مكانتها الدولية، أخذا في الاعتبار الترابط الوثيق بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، والذي يجعل السياسة الخارجية بمثابة انعكاس أمين للأوضاع الداخلية". وقال :"فمما لاشك فيه أننا نتفاعل في ظل بيئة إقليمية ودولية شديدة التعقيد، تشهد إعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة وبناء تحالفات ومصالح جديدة، فضلا عن تنامي دور أطراف إقليمية غير عربية، وظهور فاعلين جدد علي الساحة الدولية، وتفاقم خطر "التنظيمات الإرهابية" التي تتخذ من القتل عقيدة لها ومن الدين غطاءً هو منها براء، وتنتهج العنف سبيلاً لاستهداف جهود الاستقرار والتنمية حول العالم بشكل لا يجعل أي دولة أو منطقة في العالم بمنأى عن هذا الخطر المحدق. ويتضاعف خطر الإرهاب في ظل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الهائلة التي تربط بين أرجاء العالم في سرعة غير مسبوقة، وكذلك الانتشار الواسع والمتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تستخدم في نشر أيديولوجية التطرف والحض علي الكراهية والعنف، بل وفي تجنيد القتلة من الإرهابيين، مما يتطلب تكاتفا من الجميع لحماية شبابنا من سموم الفكر المتطرف، وتحقيق استخدام آمن للفضاء المعلوماتي". وأوضح أن التحديات السابقة والبيئة الإقليمية والدولية المتغيرة التي نعيش فيها، تتطلب أن يكون لمصر رؤية ثاقبة وواضحة وشاملة لسياستها الخارجية، واسمحوا لي أن انتهز هذه المناسبة لكي أشارككم أبرز ملامح هذه الرؤية التي تقوم عليها سياسة مصر الخارجية في المرحلة الحالية. وقال :"قبل أن أعرض ذلك، أود أن أتناول أهم المبادئ الأساسية التي تمثل إطاراً حاكماً لتحرك جهاز الدبلوماسية المصرية بعد ثورتين شعبيتين عظيمتين: أولاً: إن مصر بحكم موقعها الجغرافي المتميز وطبيعة العصر الذي يرتكن إلى العولمة وارتباط أمنها القومي بالعديد من الدوائر الخارجية، يجعل من المستحيل لدولة مثلها ألا تتفاعل بقوة مع العالم الخارجي من خلال سياسة خارجية نشيطة ودور إقليمي ودولي فعال... وخير دليل على ذلك ما شهدته الساحة الإقليمية بعد ثورة 25 يناير من تزايد حدة التدخلات الخارجية في المنطقة في ظل غياب دور إقليمي عربي تقوده مصر. وأستحضر هنا التعبير الذي استخدمه عالمنا الفذ الدكتور جمال حمدان واصفاً مصر بأنها " دولة دور" بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا، فالانكفاء ليس خياراً والمصلحة الوطنية تفرض علينا دوما انتهاج سياسة خارجية نشطة لتأمين مصالحنا الحيوية. فالمتابع للتطورات الأخيرة في مصر، خاصة منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، يدرك الخطوات التي قطعتها مصر في سبيل إعادة مركزة دورها الإقليمي والدولي من خلال تحركات خارجية مدروسة وممنهجة في كافة الاتجاهات بهدف الحفاظ على المصلحة المصرية وتحقيق متطلبات الأمن القومي المصري. ثانياً: أن الاعتبار الأساسي الذي يحكم تحرك مصر الخارجي هو تعظيم المصلحة الوطنية المصرية وصيانة أمنها القومي، والذي يرتبط ارتباطا عضويا بالأمن القومي العربي. ثالثاً: أن الدائرة العربية تظل الدائرة الأساسية لتفاعلاتنا الخارجية ليس فقط بحكم القرب الجغرافي واعتبارات الأمن القومي، وإنما أيضاً بحكم الهوية والمصير المشترك. كما أن الدائرة الإفريقية لا تقل أهمية عن الدائرة العربية بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية ليس فقط بحكم الانتماء الجغرافي ومياه النيل وإنما أيضا بحكم التحديات المشتركة والاعتبارات الاقتصادية لوجود فرص واعدة في القارة في إطار دبلوماسية التنمية استناداً لمبدأ تحقيق المكاسب للجميع دون الاضرار بمصالح أي طرف. رابعاً: التزام مصر بمبادئ الندية وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول في تفاعلاتها الخارجية، والتوازن في إدارة علاقاتها الدولية من خلال الحفاظ علي العلاقات المتميزة القائمة مع الشركاء التقليديين الغربيين ومزيد من الانفتاح علي قوي كبري أخري وشركاء جدد تحقيقاً للمصالح الاستراتيجية المصرية. خامساً: إدراك الارتباط الكامل بين السياسة الخارجية المصرية وأوضاعها الداخلية، ومن ثم تعمل السياسة الخارجية علي مواصلة نقل الصورة الداخلية الحقيقية للعالم الخارج وجهود اقامة نظام ديمقراطي حديث يحقق المساواة الكاملة للمواطنين أمام القانون بالتزامن مع محاربة الارهاب، وحشد الدعم السياسي والاقتصادي للبلاد من خلال جذب الاستثمارات الخارجية والتدفق السياحي بما يتيح رفع مستوي معيشة المواطن المصري.