تعد البيئة الأسرية أهم عنصراً فعالاً في التأثير المباشر والغير مباشر على شخصية الفرد واتجاهاته وسلوكه داخل المجتمع كما تساعد الفرد على تنمية وعيه واهتمامه بالبيئة وما يرتبط بها من مشكلات وإكسابه المهارات والمعارف والاتجاهات الإيجابية نحو مواجهة المشكلات القائمة وتجنب ظهور مشكلات أخرى بقدر الإمكان ومن الأمور البديهية أن أي خلل في البيئة الأسرية يؤدي إلى عجز هذه البيئة عن أداء وظائفها وتؤثر على العلاقات والتفاعلات داخل البيئة الأسرية للفرد. ولكل بيئة أسرية خصائصها التي تميزها وتجعل لها هوية تختلف عن غيرها من الأسر لكن هناك مجموعة من الخصائص والسمات التي حيثما تتواجد في بيئة أسرية تجعلنا نطلق عليها مصطلح البيئة الأسرية السوية أو البيئة الأسرية المضطربة. والبيئة الأسرية السوية تظهر سماتها من خلال العلاقات الإيجابية بين أعضائها والإشباع للحاجات اللازمة لأعضائها والتواصل الجيد والتعبير عن المشاعر والتشجيع المستمر والمساندة والاحترام والمقدرة على اللعب والفكاهة المشتركة بين أعضاء البيئة الأسرية وتحمل المسئولية ووضوح القواعد وأهمية وجود قوانين للصواب والخطأ ضمن قواعد العلاقات الأسرية وحدودها للمحافظة على القانون العرفي للبيئة الأسرية وحمايته من الخلل وعدم الاتزان واحترام الخصوصية وعدم انتهاكها كما أن الأسرة السوية هي التي تطلب مشاركة شخص أو أشخاص موثوق بهم للمساعدة على حل المشكلات عندما يتعذر حلها داخل نطاق البيئة الأسرية وكل ذلك يتم من خلال قنوات اتصال جيدة وحدود يضعها قاضي البيئة الأسرية الأب والأم بمشاركة بقية أعضاء الأسرة من الأبناء ويستمدها من خلال ثقافة المجتمع والتنشئة الدينية وفي حالة إغلاق قنوات الاتصال بالبيئة الأسرية وغياب الحدود والقواعد داخلها يلجأ عضو الأسرة إلى مكان آخر خارج البيئة الأسرية ليجد فيه البديل الذي افتقده في بيئته الأسرية. هذا ونجد على النقيض تماماً أن هناك سمات للبيئة الأسرية المضطربة التى يمكن أن تلعب دوراً مهماً فى نشأة العديد من الإضطرابات النفسية والسلوكية والعقلية لدى أبنائها ومن تلك السمات الآتى : - البيئة الأسرية المضطربة تفتقد إلى السلطة الضابطة والحدود والقواعد بداخلها. - البيئة الأسرية المضطربة تفتقد إلى الأمن العاطفي وانهيار وضعها الداخلي. - البيئة الأسرية المضطربة تفتقد إلى التعاون والمشاركة بين أعضائها. - البيئة الأسرية المضطربة تنشغل بالحصول على المال وتفتقد الوازع الخلقي والديني بداخلها. - البيئة الأسرية المضطربة يكثر بها الصراعات والمشاجرات. - البيئة الأسرية المضطربة يكثر بها الإدمان بين أعضائها في أشكال متنوعة مثل إدمان طعام، إدمان حب، إدمان جنس، إدمان عمل، إدمان مخدرات وغيرها من السلوكيات السلبية. - البيئة الأسرية المضطربة لديها معتقدات غير عقلانية تتحكم في مشاعر وسلوكيات أعضائها في الاتجاه السالب. - البيئة الأسرية المضطربة ليس لديها القدرة على مواجهة وحل المشاكل التي تواجه أعضائها بأسلوب منطقي يتضمن أكثر من بديل. - البيئة الأسرية المضطربة يدور فيها صراع بين الأب والأم أو الزوج والزوجة من أجل السيطرة والسيادة. - البيئة الأسرية المضطربة تفتقد التعبير عن المشاعر الإيجابية أو السلبية بصراحة وبطريقة مقبولة. - البيئة الأسرية المضطربة يفتقد أعضائها الثقة في بعضهم البعض. - البيئة الأسرية المضطربة يفتقد أعضائها التواصل اللفظي وغير اللفظي بين أعضائها. - البيئة الأسرية المضطربة لا يتمتع أعضائها بالقدرة على اتخاذ القرارات وتحمل مسئوليتها. - البيئة الأسرية المضطربة القرارات فيها في يد عضو واحد فقط من أعضائها. - البيئة الأسرية المضطربة لا يدعمون بعضهم البعض في المواقف المختلفة. - البيئة الأسرية المضطربة لا تتحمل مسئولية أعضائها. - البيئة الأسرية المضطربة عاجزة عن إشباع احتياجات أعضائها سواء النفسية أو الجسمية أو الجنسية أو الروحية. ومن خلال عملنا كأختصاصين فى العلاج النفسي أجد أن معظم الأضطرابات النفسية والسلوكية هى نتاج لبيئة أسرية مضطربة تخلوا من الجو الأمن لتربية أبنائها تربية سليمة قائمة على القدوه ومبداء الثواب والعقاب والبعد عن الأساليب السوية فى التربية.
وأجد أهمية دق نقوس الخطر لكل أسرة مصرية وعربية أن ننتبه جميعاً كأمهات وأباء وننظر للمشكلات والظواهر النفسية المعقده التى بدت تصيب أبنائنا داخل المجتمعات العربية ومنها على سبيل المثال وليس الحصر تفشي السلوك الأدمانى بين فئات الشباب على مختلف ألوانه وأشكاله فنجد أدمان المخدرات القديم منها والمستحدث بداية من أدمان الحشيش الى الفودو والإدمان الإلكترونى ، وتفشي ظاهرة العنف فى مدارسنا سواء العنف الجسدى أو اللفظى، أيضاً تفشي الأضطرابات الجنسيه المختلفه من تحرش الى شذوذ ، والسلوك الإرهابى سواء الإرهاب اللفظى والإرهاب الفعلى من خلال إرهاب فكرى وإرهاب وترويع المواطنين من خلال تفشي السلوك الإجرامى وسلوك البلطجة بأشكاله المتعدده نهايك عن تفشي الإعاقة الأخلاقية من عدم أحترام الكبير وتوقيره وخرق النظم والقواعد والقوانين والأعراف الاجتماعية والوضعية.
لذا علينا جميعا بالعودة الى رحم الأسره العربية التى تتميز بالعلاقات السوية بين أفرادها من تراحم وموده وأحترام الصغير للكبير والعكس والأستماع للأخر وقبول الرأى والرأى الآخر، وأيضاً الأهتمام بمؤسسات التنشئة الاجتماعية ومنها دور رياض الأطفال ومدارسنا وعودة نموزج المعلم والمربى الجليل ذو المكانه والهيبة من خلال سلوكه القويم وعلمه الغزير وسعة أفقه وتنوع مصادر المعرفه لديه وأعتزازه بنفسه وبمهنته وقيمامه بدوره على أكمل وجه حتى يكون قدوه أمام الطلاب من خلال أتقانه وحبه لعمله ومهنته. أيضاً أهتمامنا بكافة وسائل الأعلام سواء المرئ أو المكتوب أو المسموع والتركيز على قوة الكليمه ومحتواها لأهميتها فى تشكيل وعى ووجدان المستمعين ومنهم النشئ الصغير وأيضا غرس روح الأنتماء للوطن وتهذيب الوجدان والأخلاق من خلال الفن الجميل الذى يخاطب وجدان المتلقى ويثرى بناء شخصيته.
ويبقى لنا مؤسسة من أهم وأخطر مؤسسات التنشئة بعد الأسرة وهى المؤسسة الدينية الممثلة فى رجال الدين الإسلامى والمسيحى لما لها من دور هام لنشر الدين الأسلامى الوسط والتعريف بمبادئه السمحه التى تحث على السلام والمحبة دون تمييز على أساس لون أو لغه أو دين بل تتعامل مع بنى البشر على مبداء الأحترام والمحبه والأخوه فى الإنسانية.
وأجد أن نهضة بلدنا وأمتنا العربية تبدأ من خلال الأهتمام بالبشر وتنشئتهم التنشئة السليمه من خلال الاهتمام بكافة مؤسسات التنشئة والتركيز على بناء وتشكيل عقول ووجدان وسلوك أبنائنا لنضمن مستقبل مشرق للأمة العربية ولمصرنا الغالية من خلال مبادرة جادة للتغير الجدى على مستوى الفرد والأسرة ومؤسسات المجتمع لنضمن نهضة حقيقية تعيد للمصرى كينونته الحضارية الأصيلة.