لقد شاعت ظاهرة وتطورت في مصر على مر الزمان من خلال النظم الحكومية المتعاقبة، حتى أصبحت تلك الظاهرة جانب أصيل وراسخ في وجدان وتكوين وسياسة الدولة المصرية، وهي التفريط في الثروة الحضارية والكنوز التاريخية والآثار بأنواعها المختلفة. تأتي القصور التاريخية والأبنية المعمارية الفريدة في مصر إلى حالة يرثى لها من الإهمال والعبث والسرقة، بل أصبحت في تعداد النسيان بعد أن توقفت الوزارات والهيئات المعنية من رصد وتسجيل تلك القصور التاريخية والأبنية العريقة بدعوة التكلفة المرتفعة والشروط غير المتطابقة للتسجيل. تمتلك الدولة عدد كبير من القصور التاريخية ذات طابع معماري مميز، بل ترجع إلى أزمنة قديمة وعريقة شهدت أحداث تاريخية فريدة، ولكن رأت الدولة المصرية بدلاُ من تسجيلها وترميمها وإعادة فتحها كمتاحف أو مزارات سياحية للسائحين والأجانب دعماً وتنشيطاً للسياحة المصرية أو جعلها مقرات لعدد من الوزارات مثل السياحة و الآثار والثقافة بدلاُ من الأبنية المستحدثة، التي يغيب عنها الطابع المعماري الرفيع والجمال والفخامة بما يتناسب مع عراقة وحضارة الدولة المصرية ، لقد قامت الدولة الممثلة في إداراتها المختلفة بالتفريط في تلك القصور عن طريق المهاداة والمجاملة في تحويل تلك الكنوز والثروة إلى مبان حكومية ودواوين وهيئات ومدارس بالإضافة إلى أقسام شرطة. لماذا تتحول القصور الأثرية والتاريخية إلى مباني أقسام شرطة مثل قسم الدقي وقصر النيل والجمالية والدرب الأحمر والخليفة وغيرها من الأقسام التي يرتادها أعداد كبيرة من الموظفين والمواطنين؟ تلك الأبنية التراثية تعاني من إهمال في صيانتها وتحتاج لأسلوب خاص في الترميم والمحافظة عليها نظراً لقيمتها المادية والمعنوية والتاريخية. تحويل القصور الأثرية إلى أقسام شرطة أدى إلى إهلاكها لحد كبير وفقدانها لمقتنياتها. لقد تبدلت تلك الأبنية العريقة في الفترة الأخيرة وطُمست كل معالمها نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي اتبعتها وزارة الداخلية في تأمين تلك المنشآت الشرطية من جراء تكرار الإعتداء عليها عن طريق بناء وزيادة عدد الدشم الخرسانية أمام مداخل ومخارج أقسام ومراكز الشرطة ووضع أيضاً شبكات من السلك الشائك على الأسوار وتوزيع بعض القناصة أعلى الأسطح ، فيما قامت بعض الأقسام بتثبيت أسلحة ثقيلة فوق الأبنية للحماية من أي اعتداء مفاجئ ، مما شوه المنظر العام لتلك القصور بالكامل. تلك هي العقلية الأمنية والإدارة التنفيذية في تأمين الأبنية الشرطية التي تشمل الأقسام والمراكز محولة تلك القصور والثروة المعمارية إلى ما يشبه بالسكنات العسكرية. أين المبرر وراء هذا العبث والإهمال والفساد ؟ وهل هذا الفعل المتكرر طيلة السنوات والعقود الماضية عن عمد أم بدون قصد ؟ علماً بأن الفعل الخطأ إذا تكرر أصبح جريمة ، لذا أين العقاب عن ضياع وفساد تراث وثروات مصر المحروسة ؟ أصبحت حماية القصور الأثرية ضرورة ملحة للحفاظ على ما تبقى من تراثنا ومعالمنا التاريخية، فإن الثروة العقارية المملوكة لجهاز الدولة الحكومي في خطر بعد أن أصبحت تستخدم بشكل غير لائق وغير حضاري.