نحن نتوقع أن تبادر الإدارة القانونية بوزارة الثقافة إلى الطعن على حكم محكمة القضاء الإدارى الذى صدر يوم الاثنين الماضى، بإلغاء الاحتفال بمولد الخاخام اليهودى أبو حصيرة، بقرية ديمتوه التابعة لمحافظة البحيرة، وشطب الضريح من سجلات الآثار المصرية، بدعوى مخالفته للنظام العام والآداب، وتعارضه مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها. إن الطعن على مثل هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا أمر جوهرى؛ لأنه سيترتب عليه قيام الجماعات السلفية برفع دعاوى قضائية، لوقف كل الموالد التى نعرفها فى مصر للمسلمين والمسيحيين على حد سواء. فحيثيات الحكم تكشف عن تحيز هيئة المحكمة فى قرارها بوقف الاحتفال بمولد أبو حصيرة، فكل الموالد التى تعرفها مصر مثل: موالد السيدة زينب، والإمام الحسين، ومريم العذراء، والقديسة دميانة.. إلخ، تشهد سنويا بلا استثناء كل مايتعارض مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها ويخالف النظام العام والآداب. هذه المخالفات تشمل كل مايمكن تخيله من تعاطى المخدرات إلى الدعارة، حتى أوبريت الليلة الكبيرة حرص على تسجيل هذه المخالفات أو الوقائع. اللافت للنظر أن المحكمة تتخيل أن الاحتفال بهذه الموالد يأتى بقرار حكومى أو قرار إداري، والحقيقة عكس ذلك على طوال الخط. فالقوى الاجتماعية فى مصر مع اختلاف دياناتها هى التى اختارت عبر التاريخ الشخصيات التى تحتفل بمولدها، ولم يحدث فى حالة واحدة أن كان للدولة المصرية أى دور فى تحديد الشخصيات التى يقام لها موالد جماهيرية، فهذا نوع من الاقتراع الشعبى يتم بعيدا عن الدولة. الحكم أيضا يريد أن يقنعنا أن اليهود لم يكن لهم أى تأثير يذكر على الحضارة المصرية، ولم يسهموا بأى قدر فى المعارف البشرية لتاريخ الحضارة. وهذا رأى واضح البطلان، ففى قصة النبى يوسف عليه السلام فى القرآن الكريم يتولى يوسف تفسير حلم حاكم مصر الذى يكشف له عن أن لفيضان النيل دورات تتأرجح بين القحط والمجاعة، والشدة والعنف، واليسر والرخاء، وبناء على ذلك يتولى يوسف وزارة الاقتصاد والتموين ويشرف على تخزين الغلال والأطعمة وتوزيعها على الناس. ووفقا للنص القرآنى فإن الدور الذى لعبه يوسف لا يقل عن إنقاذ المصريين من مجاعة مدمرة. القصة فيها جانب آخر فى منتهى الأهمية، يكشف عن الفساد المدمر فى قصور الحكام وحالة الانحلال التى يصبح من الطبيعى معها أن تتدهور أحوال الحكم ويتعذر على الحاكم إدارة البلاد بشكل جيد. لسنا بحاجة أن نقول: إن يوسف نبى يهودى أقام فى مصر، وأن حكايته لها تأثير لا ينكر على التراث الحضارى للفراعنة. حكاية أخرى عن العبريين فى مصر هى قصة النبى موسى، نكتفى فيها بمشهد المواجهة الشهيرة بين موسى وفرعون -الطاغية المستبد-، وقد نجح موسى فى إقناع مسشارى الفرعون بوجهة نظره حتى انشقوا على الفرعون وانضموا لموسى، واضطر الفرعون لتعبئة جيشه لمطاردة العبريين خارج مصر بعد أن انشقوا على طاعته وفى هذه المطاردة فقد الفرعون جيشه الذى غرق فى أوحال سهل الطينة جنوب بورسعيد، وغنى عن البيان أن قصة موسى تكشف كارثة الاستبداد بالسلطة والحاكم الطاغية الذى يجعل نفسه إلها، وأذل شعبه. هاتان القصتان ومعهما آلاف الوقائع تثبت أن لليهود أثر لا ينكر سواء فى التاريخ الفرعونى أو التاريخ الدينى، وليس من المعقول أن يدفعنا التحيز لقضية فلسطين ضد الإسرائيليين أن نتبنى تصورا عنصريا ينفى عن اليهود أى إسهام فى التاريخ الإنسانى فمثل هذا التصور يضر الفلسطينيين ولا يفيدهم بشيء وينكر مالا يمكن إنكاره.