لقى الاجتماع بين الرئيسين المصرى والصينى فى بكين اهتماما مبالغا فيه، فالصحف ومحطات التليفزيون تحدثت عن اتفاقهما على المشاركة الإستراتيجية الشاملة، وقالت المصادر المصرية المرافقة للرئيس السيسى فى زيارته إن هذا النوع من الاتفاقيات لا تمنحه الصين لأى بلد أى أن الصين تعامل مصر معاملة خاصة واستثنائية. العجيب فى الأمر أن هؤلاء لم يكشفوا لنا من المعلومات ما يكفى لكى نقتنع بأن الصين شرعت فى تنفيذ عدد من المشروعات الضخمة فى مصر، ولم يفتح الله على أحد من المرافقين المصريين للسيسى لكى يقول مثلا إن الصين ستتصدى لتنفيذ عدد من المشروعات الضخمة فى منطقة قناة السويس أو أنها قررت أن تتصدى بنفسها لتطوير منطقة شرق التفريعة أمام بورسعيد، والأسهل من كل هذا أننا كنا ننتظر التوصل إلى اتفاق محدد مع الصين يتولى بموجبه شركات القطاع الخاص الصينى القيام ببناء مشروعات لتوليد الطاقة الكهربائية مثلا فى منطقة القناة، ويتولون هم بأنفسهم تحصيل قيمة الكهرباء التى يتم توليدها وإدارة المشروع. والحقيقة أنه لوكان حدث شيء من هذا لاعتبر ذلك قفزة نوعية فى العلاقات بين البلدين، فالصين لم تعد تلك الدولة الشيوعية التى يمكن أن تقدم مساعدات مجانية لأحد، وكل شيء لديها يتوقف على العائد الذى سيتحصل عليه اقتصاديا أو سياسيا، وطبعا لم يحدث مثل هذا الاتفاق أصلا رغم أنه كان سيحل لمصر المشكلة الأساسية التى تعترض سبيل تطوير منطقة القناة. لقد أدهشتنا الأنباء التى تتحدث عن إحياء طريق الحرير، ومن تحدثوا عن الموضوع نسوا أن الصين هى صاحبة هذه الفكرة، وطبعا ليس هناك أى خطأ فى أن تسعى الصين وراء مصالحها، الخطأ يكمن فى أن بعض السادة الخبراء الذين يملأون الصحف والتليفزيونات المصرية حاولوا إقناعنا أن الفكرة جاءت من الطرف المصرى، والحقيقة أنها صينية مائة فى المائة، والغرض منها هو فتح طرق برية للتجارة الصينية فى النصف الشمالى من الكرة الأرضية بعيدا عن خصوم الصين فى جنوب شرق آسيا "فيتنام ولاوس وكمبوديا والهند"، إلى جانب الابتعاد عن المنافسين الأشداء فى البحر مثل اليابان وأستراليا والولايات المتحدة.. إلخ. ولمن لا يعرف أن طريق الحرير كان طريقا لتصدير المنتجات الصينية بامتياز ولم يعرف عنه أبدا أنه كان طريقا للواردات للصين. أغلب الظن إذن أن الذين ذهبوا إلى الصين لم تكن لديهم فكرة واضحة عما يريدونه منها وما الذى سيعطونه لها فى المقابل، عملا بمبدأ "هات وخد". وحتى عندما تكلم المرافقون للسيسى عن شيء محدد توصلوا إليه مع الصين، فإنه أثار من الدهشة أكثر مما أثار إليه من إعجاب، فقد تحدثوا عن مشروع القطار الكهربائى من القاهرة إلى الإسكندرية أو حتى إلى أسوان، وكل مصرى يعلم جيدا أنه لا فائدة إطلاقا فى قطع المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية فى نصف ساعة أو ساعة وليس هناك من تفسير لإعادة فتح الحديث عن هذا القطار الكهربائى إلا أمر واحد هو أن المرافقين للسيسى استعانوا بالملفات القديمة للرئيس الأسبق حسنى مبارك، وهذه الملفات كانت بها مشروعات كثيرة دأب مبارك ومرافقوه على الحديث عنها كلما قام بزيارة خارجية، ورحل مبارك عن السلطة دون أن يرى أي منها النور.. سؤال أخير: هل فعلا عكف الفريق المرافق للسيسى قبل السفر للصين على دراسة وتصفح ملفات مبارك القديمة؟! بكل أسف تبدو الإجابة وكأنها نعم، فنحن لم نلمس منهم جرأة فى الأداء وإبداعا فى المقترحات.