السعي لتولي المناصب الإدارية والسياسية في مصر هدف الكثير من الطامحين والطامعين في الشهرة وربما تحسين الدخل نسبياً، والحقيقة أننا لا يمكن أن ندين هؤلاء الأشخاص الطامحين أوالطامعين في تولي منصب ما في الدولة، فنحن في دولة معايير اختيار القيادات فيها غير واضحة المعالم، فأحيانا يتم اختيار المناصب السياسية بسبب مقال كتبه شخص ما في جريدة ما ونال استحسان القيادات العليا في الدولة، وأحيانا أخرى تكون المحسوبيات هي المعيار، ولذلك لم أعد أندهش عندما تطرح أسماء أشخاص لا يستطيعون إدارة محل بقالة لمناصب عليا في مصر، فقد سبق وقالها حكمة زعيم الحرب والسلام محمد أنور السادات "الكل عايز بس مين اللي يقدر". فقد كنا شهود عيان ومازلنا على العديد من الممارسات التي تساهم في هدم هذا الوطن، شهدنا أشخاصاً معدومي الكفاءة والخبرة والموهبة يتولون المناصب في مؤسسات هامة تساهم في تشكيل الوعي الجمعي لأغلبية أفراد المجتمع، وكل مهاراتهم تقتصر على السمع والطاعة لوزرائهم دون مراعاة المصلحة العليا للمؤسسة والعاملين فيها، وبالتالي لم تحقق هذه القيادات الوهمية للمجتمع المصري أي شيء، بل أن أغلب هذه النوعية من القيادات تكسَّبت من وراء مناصبها بأشكال مختلفة، وفي نفس الوقت هبطت بمستوى وهيبة المناصب العليا في الدولة. وهناك العديد من الحكايات والروايات عن هذه الشخصيات التي تولت مناصب عُليا في مؤسسات مصر دون أن تستحقها بفضل المحسوبيات والقرب من النظام الحاكم في فترات تاريخية مختلفة سوف نؤرخ لها في يوم ما من خلال كُتب نتركها للأجيال القادمة لتبصيرهم بمن ساهموا في إفساد مصر. وربما يتساءل القارئ كيف يمكننا التمييز بين القيادات الوهمية "الواد بلية" والقيادات الحقيقية في الدولة؟. باختصار شديد القيادة من نوعية "الواد بلية" شخصية لا تملك القدرة على إتخاذ القرار، وظيفتها الفعلية سكرتير الوزير في المؤسسة التي ابتليت به، لا يمتلك كاريزما الشكل أو الحديث (المضمون)، ضعيف في مجال تخصصه، ولذلك يسعى بكل السُبل لتولي أي منصب قيادي في الدولة كنوع من أنواع التعويض عن ضعفه العلمي. يعتمد في إدارته على أفراد من نفس نوعيته أو الأقل منه، لأنه لا يستطيع التعامل مع الكفاءات العلمية أو العملية لأنها تكشفه وتذكره بحقيقة ضعفه العلمي والعملي. وللأسف أن هذه النوعية من القيادات "الواد بلية" هي السبب الرئيسي في انهيار مؤسسات الدول بشكل عام وذلك للأسباب التالية: أولا/ لأنها تستهلك وقتا زمنيا من مسيرة تقدم أحد مؤسسات الدولة دون إنجاز فعلي. ثانيا/ أنها قيادات لا تُنصف الأقوياء علميا أو عملياً فهي تنحاز للنموذج المستنسخ منها "الواد بلية" أو بمعنى آخر خادم سيده، وهذا لا يضمن مبدأ تكافؤ الفرص، والإضاءة على الكفاءات في هذا الوطن للاستفادة منها، ويتصدر للرأي العام والدول الأخرى أن مصر خالية من العقول والكفاءات. أما القيادات الحقيقية فهي التي تحمل مشروع محدد الأهداف والزمن وقادرة على تنفيذه فعلياً. لديها قدرة على اتخاذ القرار دون الرجوع لوزير أو رئيس وزراء (سيد قراره) لأنه الوحيد الذي يعلم تفاصيل المؤسسة التي يديرها. يشجع المجتهدين والمتميزين علميا وعملياً ويدفع بهم للصفوف الأولى. يتمتع بعقلية علمية قادرة على إقناع الطرف الآخر وهو مايمنحه كاريزما المضمون. أشخاص لا يسعون للحصول على مناصب قيادية في الدولة لشعورهم بالإمتلاء العلمي والعملي الذي يرسم لهم مشروعاً في الحياة ، وإنما تأتي إليهم المناصب في لحظات تنبه الأنظمة للكفاءات أو إستشعارها الخطر من إنهيار مؤسسة بعينها. والمثير للدهشة والتساؤل أننا بعد ثورتين إندلعتا بسبب إستشراء ممارسات الفساد والمحسوبيات في مؤسسات الدولة مازلنا نشهد الإستعانة بالواد بلية ومنحه المناصب العليا في الدولة ، فمن المسؤول عن تكرار أخطاء الأنظمة السابقة التي أدت الى ثورتين متتاليتن؟. وإذا كانت المحسوبيات مازالت تلعب دورا كبيرا في ترشيح القيادات في الدولة فأين تقارير الأجهزة الرقابية عن هؤلاء الأشخاص التي عليها الكثير من علامات الإستفهام؟. وهل ستُفعل الدولة مبدأ البقاء للأفضل فقط، أم سنعود الى ماكانت عليه دولة ماقبل آخر ثورتين التي غالباً ماتأتي بالواد بلية لتولي المناصب العليا لهدم مؤسسات الدولة؟!.