في أيام العيد التي مرت ، توقفت ابنتي الحبيبة أمام شاشة سي بي سي تو مبتسمة ، مستمتعة ب"حدوتة" يقصها الأستاذ "فؤاد المهندس" علي الطفلة "رانيا عاطف" قائلا "كان في كلب صغير سرق حته لحمة من المطبخ ، جم أصحاب المطبخ ، خدوه ضربوه لحد ما مات ، جم أصحاب الكلب ، خدوه ودفنوه ، وكتبوا علي قبره ، كان في كلب صغير سرق حته لحمه من المطبخ" حكاية متواصلة عن القهر لا تنتهي ، مشهد درامي في مسرحية كوميدية من تراث المسرح المصري "هالة حبيبتي" أحداثها تدور داخل دار أيتام ، اقتباس ناجح من فيلم عالمي ينقل صورة لعالم حقيقي. سناء يونس ، عطية مديرة دار الأيتام ، صورة بليغة تنقل تفاصيل الحياة لمجموعة من الأطفال الأيتام ، عبًّروا عنها بأوبريت داخل النص ، "اكنسي طوقي وضبي إغسلي روقي إوعي تهلضمي أو تتلكعي ولاّ تجرمي شهلي لمعي" هذا ما تروية المسرحية عن القهر التي تمارسة الإدارة عليهم ، بينما في الرواية الأصلية العالمية "آني" الطفلة اليتيمة كانت تتعلم السرقة والتسول داخل دار الأيتام ، و إذا تعرضنا للواقع سنجد ما هو أبشع من ذلك بكثير ، اسم دار رعاية لن يكون له أي علاقة بما يدور بالتأكيد داخل جدران المكان ولا إسم الرواية التي تعني بالأيتام بصفة خاصة ، والشئ بالشئ يذكر عن دور رعاية المعاقين وذوي الإحتياجات الخاصة والمسنين بالمثل. كان حديث شبكات التواصل الإجتماعي بالأمس يصب غضبة حول اللا إنسانية في معاملة شخص يحمل الإنسانية لقباً ، في دار رعاية مكة للأيتام بالهرم ، وما إرتكبه من جرم في ضرب أطفال مودعة لديه ، فيديو انتشر كالنار في الحطب أشعل غضب من بقيَّ في قلوبهم بعض من الرحمة في زمن عزَّت فيه تلك الخصال ، أما أصحاب القلوب الضعيفة فأصابتهم ركلاته كطعنات السكين ، لا تندهش اذا وجدت الحيوانات المحيطة بهذه الدار حزنت لدموع الصغار اكثر من بعض العاملين داخل نفس المكان والمنتفعين من رواتب وتبرعات وهدايا ،وقد تجد تلك الثلاجة التي شهد الواقعة فسدت من هول ما شهدت. تحدث الكثيرون عن الواقعة وعن وقائع مماثلة علي مر السنوات ، ولن تكون تلك هي الأخيرة أبدا ، فصراع الخير والشر لن ينتهي الي أبد الآبدين ، وبعض الحالمين باليوتوبيا لن تدركهم هذه المقولة بالفعل ، وبالتالي سنستمر في اللوم ولن نبحث عن حلول تليق بهول ما يحدث ، ربما يضيق القارئ مما كتبت ، لكن أستمحية أن يتوقف للحظات ويضع كلتا قدمية علي أرض الواقع ، فالكثيرون ممن ينشئون دورا للرعاية – والله أعلم بالنوايا – يقدمون المال والمباني لترتفع الأسماء عاليا في الصحف والأوساط الإجتماعية ، ويلقون بالمسئولية لاحقا علي وزارة التضامن ، التي يعمل الله وحده أن ما بها من سلطان ولا علي نفسها ولا علي الآخرين. العجيب أنه رغم التجارب الأليمة التي يتناقلها بالتأكيد رجال الأعمال وسيداته ، والكرام المتبنيين تقديم دور الرعاية كخدمة للمجتمع ، لم يترددوا لحظة بتكرار التجربة (بحزافيرها) ، لا أعرف لماذا لا يتولي أصحاب دور الرعاية الرقابة بأنفسهم علي ما بدأوه ، في ظل الفشل الإداري الذي تواجهه الدولة أنا لن أهتم بمحاسبة وزارة التضامن الإجتماعي لتقصيرها ، سيكون مصيري كمثل من "يخبط رأسة في الحيط" وهو يعلم أنها لن تنكسر ، فهذا الإصلاح لن يأتي هكذا أبدأ ، بل علي العكس فالإصلاح المجتمعي هو من سينعكس علي الإداري ، والبداية عند المالك والمهتمين والمتبرعين وأصحاب فكرة العدالة الإجتماعية ، والسادة أصحاب موائد الرحمن العامرة في رمضان ، أين انتم من تلك الأشياء ، فالمال وحدة لن يحرك المياة الراكدة . طرح البعض فكرة حركات مجتمعية تنطلق للرقابه علي دور الأيتام ومثيلاتها من دور الرعاية الأخري، عن نفسي أجد الفكرة مبشرة لكن أظن أنها ستواجه ما تواجهه الحركات الأخري من العثور علي إطار قانوني للإستمرار ، بينما لازلت أرجح أن الرقابة من الملاك كانوا ، أو الحكومة إن وجد هي الأهم ، فعلي من أراد خدمة المجتمع أن يكون طموحه أكبر من تقديم المال للمساعده ، وعلي من أراد ثواب رعاية اليتيم ، أن يطمح في أكبر من الثواب ليكمل ما بدأ ويستثمره ويختار من هو أقدر للإدارة والمتابعة ، فهناك من هم علي دراية بالتجارب في العالم الأول ولماذا نجحت وكيف ، فلا تترددوا ، فالثواب وحده لا يكفي أبداً فلترعوهم أو تعترفوا أن الاسم الصحيح للرواية التي بدأنا بها الحديث هو "هالة مش حبيبتي".