الاستدلال هو طلب الدليل، وهو من دله علي طريق دلالة إذا أرشده إليه، واصطلاحاً إقامة الدليل مطلقاً. وإقامة الدليل الشرعي وسيلة لاستنباط الحكم الشرعي وهذا يقتضي الدقة الفائقة ، قال الله – عز وجل -"ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم"، وقال سبحانه – وتعالي "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون". بالاستقراء في واقعنا المعاصر فإن أموراً عدة برزت لتشغب علي الدين بفعل جهلاء منا ( يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ) أهمها : 1- شيوع أقوال ضعيفة ، وآراء عسرة ، وآراء اجتهادية كانت مرجوحة فيما مضى لضعف دليلها . 2- تراجع الدور العلمي القيادي لأهل العلم المتخصصين . ، وظهور أدعياء ودخلاء ، وأشباه متعلمين ، وأشياخ متعالمين ، وأعشار طلاب علم ، منهم من يصنف ( هيئة علماء ) في جمعيات وطرق وفرق !! ، ومنهم من يرون أنهم ( أهل العقيدة الصحيحة ) ! ، ومنهم من يدعون أنهم ( دعاة جدد ) ! ، ومنهم من يروجون أنهم ( أهل السنة والجماعة ) ومنهم من يزعمون أنهم ( أهل الوصول والكشف ) ويسيئون الاستدلال بمرويات وأخبار وآثار إما لضعفها سندها ، وإما لوجود علة قادحة في متونها ، وإما لعدم الاستنباط السليم وإهدار وإما لإغفال وإما لعدم العلم بالوسائل العلمية الصحيحة ، ومنها سبب ورود الخبر ودرجة حكمه التكليفي من : * الوجوب أو الندب في الأوامر . * الحرمة أو الكراهة في النواهي . * التخيير في الإباحة . وترتب علي إسناد الدعوة والفتيا لغير أهلها ، لعوامل متشابكة فيما يتصل بالسنة النبوية أمور خطيرة أهمها : * إدخال في الدين ما ليس فيه . * إخراج من الدين ما هو منه . * تغيير صفة الحكم التكليفي ، فوهم علي العوام أن كل ( حديث ) ، ( سنة ) واجب الاتباع إلزاماً وحتماً وجزماً – أي فرضاً أو واجباً - ! ، وأن عدم العمل به يعد إثماً وجرماً ، ولا فرق والحالة هذه بين حديث ( متواتر ) و ( مشهور ) و ( أحاد ) بدرجاته ، ولا بين واجب ومندوب ، ولا حرام ولا مكروه ! ولا بين بدع ( عبادات ) و ( عادات ) ولا ( مصلحة مرسلة ) ولا ( بدع حسنة أو غيرها ) ، وصار الخلط هو الأصل في الدعوة والفتيا ! 3- إعلاء التعصب المذهبي ، علي حساب خدمة الدين كله بمكوناته – الإيمان والشريعة والأخلاق ، في مذهب اعتقادي تشتغل بفروعيات ومجادلات في أصول الدين وفي عالم ( الغيب ) . 4- عدم التعاون بين مرجعية ( الحديث النبوي ) و ( الفقه الإسلامي ) في ضبط المرويات ، والاقتصار في قبول أو رفض مرويات على مرجعية حديثية فقط ، أو فقهية فقط ، مما ترتب عليه شيوع أحكام تفتقر إلي الدقة العلمية ، ذلك أن العلماء وضعوا شروطاً لقبول الأخبار النبوية أهمها في السند ، المتن معاً : - 1 ) في السند : راو واع يضبط ما يسمع ، ناقل له حسب أصله . 2 ) تحلي الراوي بالعدالة الشرعية . ولابد من توافر هذا في سلسلة الرواة باضطراد – وسبق بيانه – 3 ) في المتن : عدم شذوذه وإلا تكون به علة قادحة . هذا التوثيق والتأصيل ، انفردت به العلوم الإسلامية وعلي رأسها علوم السنة النبوية. فلابد إذن من صحة السند ، وسلامة المتن ، معاً وقد يصح السند ، ويكون المتن به علة ، وقد يصح المتن – معنيً أو موافقةً لمبادئ الشريعة الإسلامية ويكون في السند ما يسقطه عن درجة الصحة وفوق هذا قد يصطدم حديث أحاد – غالباً - مع محكم القرآن الكريم ! ، والأمثلة كثيرة ومعروفة . والغريب والعجيب والمحير : أن بلهاء وأعشار متعلمين ، واشياخاً متعالمين ، يدافعون عن خبر ربما صح سنده ، وعيب متنه أو ضعف سنده ، بزعم الدفاع عن السنة أو نصرتها ، ومنهم من جعل بعض آراء اعتقادية كأن مبلغ الرسالة قالها وشرعها ، وفي الموازين العلمية السليمة لا نجد أثراً لعلم فيما يتقول به علي السنة النبوية والأمثلة كثيرة غزيرة ، تحتاج لجهود علمية مضنية مخلصة ، وإنفاق مالي كبير ، لإبعاد الحشو والادعاء والمزايدة علي السنة النبوية وبها ، ولجعل عمل الحديث النبوي داخل إطار دلالات القرآن الكريم في المقام الأول ، وقواعد اللغة العربية ، مع مراعاة الوقائع والأحوال التي قيل فيها . إن مئات الأخبار – في الكتب المذهبية الاعتقادية والفقهية عند المقارنات العلمية السليمة – يتضح بطلانها سنداً ،أو متناً، وتعج بها وأمثالها مصنفات تفاسير ، وشروح أحاديث ، وكتب فقه مذهبي ، ويستدل بها بحماس منقطع النظير ! ومنها ما يشغب علي الآيات المحكمات في القرآن الكريم ! وبدعوي أن خبر الآحاد ناسخ لآيات القرآن الكريم ! ومنهم من يتأول آيات قرآنية محكمة ، وتأويلاتِ فاسدة ، وربما أدي الجهل والتعصب معاً، إلي الادعاء بنسخ الآية القرآنية استبقاء لخبر آحاد ، مثل من تٌعجزه الحيل لقلة بضاعته العلمية ، لإعلاء مسألة أو الانتصار لمن يقلده ، دون ترو يحكم علي حديث صحيح السند سليم المتن بالضعف ، وأدي الأمر إلي نهاية مفزعة مؤلمة مفجعة- 1- الاجتراء علي السنة النبوية بإنكار صحيح السند . 2- الافتراء علي السنة النبوية بنسبة ما لم يثبت . 3- ادعاء نسخ ما لم ينسخ ، أو عدم نسخ ما نسخ ، أو ضعف الصحيح ، أو صحة الضعيف ! كان يمكن من واقع الخبرة العلمية التي تربو علي بضعة وثلاثين سنة - ، والدعوية – التي تقارب أربعين سنة – أن اذكر أمثلة لكل ما سلف ذكره ، إلا أني أخشي سوء ظن أو قلة فهم ، أو حمل الكلام علي غير مراميه ، والتذكرة علي غير مقاصدها !! ، فحسبي الإشارة المغنية عن صريح عبارة إلي ( الخطأ في الاستدلال ) بمظاهره وعواقبه ، مع رجائي سعة صدور لتوصية بحق وتذكرة بصدق ، حماية للسنة النبوية المطهرة ، من عوادي الاعتداء علي أسانيدها ومتونها ووسائل الاستنباطات السليمة منها والاستشهاد الصحيح بها ، وعدم المزايدة بها ، لمذهبيات وتعصبات وتحزبات ، وتنابز بألقاب ، ومما هو مشاهد وحاصل وواقع . !! ، حتى صارت ( السنة ) عباءة يتدثر بها وتحتها متعصبون متمذهبون فيما لا أصل له ، مزايدون بها علي غيرهم ، فيما لا يجدي ولا ينفع !