نبي الله موسى عليه السلام ، أحد الأنبياء الذين إرسلوا إلى بني إسرائيل ليدعوهم إلى عبادة الله وحده ، ولا يشركون به أحد ، وتروي الآيات القرآنية من العشرين وحتى الثامنة والعشرين من سورة "القصص" قصة فترة زمنية تتراوح بين ثماني وعشر سنوات من أزهي فترات عمر موسى عليه السلام ،وكانت بعد بلوغه سن النبوة: "ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حُكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين" وابتلى موسى عليه السلام بأحمق من بني إسرائيل، سبب له المتاعب، فقد استغاثه على خصمه، فجمع موسى قبضته في مواجهته، فوكزه فقضى عليه، بدون أن يقصد ،فتاب إلى ربه: "قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " ، فجاءه الابتلاء في اليوم التالي مباشرة ، فيتعارك الرجل الأحمق مع خصم آخر. ويستعين بموسى، فيقبل عليه موسى باللوم :"إنك لقوي مبين"، فيواجهه خوفا وفرقا بالقول: "أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس"، ويلتقط الخصم المعلومة ويبلغها لفرعون، ومن ثم ائتمر القوم، وقرروا قتل موسى ، وجاء رجل من آل فرعون، وكان حضر الاجتماع، يسعى، وقال لموسى: "إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ، "فخرج موسى خائفا ذلك الخوف الفطري؛ يترقب الأمر مستعينا بالله، محسنا الظن به، وخرج على غير استعداد. وقيل إنه كان حافي القدمين فمشى نحو ثمانية أيام، حتى بلغ مدين، وهي قرية بالشام تخضع لسيطرة الكنعانيين، وهم قوم أولو بأس وشكيمة، ولا يخضعون لحكم فرعون ، وكان موسى مجهدا، وهو الذي لا زاد معه، فكان يأكل أوراق الشجر في رحلته الشاقة. ولما توجه تلقاء مدين دعا ربه أن يحفظه من أن يضل الطريق في تلك الصحراء الواسعة ، ولما ورد بئر الماء، ورأى الناس يتزاحمون عليه، ووجد من دونهم امرأتين تذودان أغنامهما عن غنم القوم؛ قال: "ما خطبكما؟". فقالتا: "لا نسقي حتى يصدر الرعاء"، وينصرف القوم ، و"أبونا شيخ كبير"، فسقى لهما موسى أغنامهما من فوره. مستثمرا ما حباه الله من قوة. ثم تولى إلى الشجرة التي كان أوى إليها من قبل، وتوجه إلى ربه، والجوع يقرصه: "رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير"، وعادت الفتاتان مبكرا على غير العادة إلى أبيهما، وهو نبي الله شعيب، فسألهما فقصا عليه الخبر، فطلب من إحداهما أن تدعوه، فجاءته تمشي على استحياء، وقالت له بإيجاز: "إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا" ، فلما جاءه، وقص موسى عليه القصص؛ قال له النبي شعيب : "لا تخف.. نجوت من القوم الظالمين"، وآواه، وطمأنه، ووفر له الملجأ الآمن. وقالت إحدى الفتاتين "يا أبت استأجره. إن خير من استأجرت القوي الأمين". وشرحت لأبيها ما رأته من معالم قوته عند السقيا، وأمانته في الطريق عندما أرشدته إلى دارهم ،وهنا تقدم شعيب عليه السلام بعرض إلى موسى قائلا : "إني أريد أن أنكحك أي أزوجك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني (أي تعمل أجيرا عندي في رعي الغنم) ثماني حجج (أي ثماني سنوات فالحِجة هي السنة، مشتقة من الحج الذي يأتي كل عام).. فإن أتممتَ عشر سنوات فهذا من كرمك. وسوف أفي بهذا العقد أتم الوفاء". وقبل موسى العقد، ولكنه قال: "ذلك بيني وبينك. أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي". أي أنه استأذنه أن يترك في الأمر فُسحة بينهما ، وبالفعل قضى موسى أتم الأجلين وأوفاهما، عشر سنوات كاملة أجيرا مقابل طعامه وعفته، والاستقرار الزوجي والأسري والعملي. وقد ضرب نبي الله موسى عليه السلام أروع الأمثلة في العمل الشاق لتحصيل قوت يومه، استغناء عن الناس، واستعفافا بدينه وكرامته ، فكان عليه السلام يعمل راعيا للغنم ، وقد ذكر القرآن هذا الأمر في قوله تعالى : " وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ". وأعطى الله تعالى نبيه موسى معجزة عجيبة، وهي عصاه التي تحولت في لحظة معينة إلى حية عظيمة، أكلت كل ما ألقاه سحرة فرعون من حبال وعصى، سحروا بها أعين الناس فظنوها حيات وثعابين حقيقية، وحينما ضرب بها موسى البحر، انفلق قسمين حتى عبر هو ومن آمن معه بسلام، فلما أراد فرعون وجنوده العبور خلفهم لملاحقتهم، انطبق البحر عليهم وماتوا غرقى .