كانت العملية الارهابية التي شهدها محيط قصر الاتحادية الرئاسي إثر تفجير عبوتين ناسفتين، وراح ضحيتها ضابطان وإصابة 13 آخرين من قوات التأمين، للأسف، متوقعة، ولا يمكن أن يخطئ توقعها أي حس أمني سليم، فخلال 48 ساعة السابقة تم اغتيال 4 مجندين من جنود الأمن المركزي بنفس الأسلوب الخسيس الذي اغتيل به شهداء مذبحة رفح الأولى والثانية، ووقعت محاولة هروب للإرهابي عادل حبارة المتهم الرئيسي في مذبحة رفح الثانية التي راح ضحيتها 25 من جنود الأمن المركزي، ومن جانب آخر تصعيد جماعة الإخوان الارهابية لتظاهراتها خاصة في المناطق الشعبية في محيط القاهرة الكبرى. فكيف لم تلتفت أجهزة الأمن للأمر؟ كيف لم تتوقع بعد عملية رفح ثم محاولة حبارة الهروب أن هناك إمكانية للوصول إلى قصر الاتحادية؟. ثمة شيء خطأ ولا يمكن تفسيره بعيدا عن الإطار العام للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والاعلامية والثقافية، هذا الاطار المتخبط الذي لا يحمل رؤية أو استراتيجية واضحة لتأمين وحماية البلاد وتحقيق استمرارية للالتحام والتكاتف الشعبي، ومن ثم لا يمكن تحميل المسئولية كاملة لأجهزة الأمن، هي مسئولة ومقصرة، لكن ليست وحدها، بل الجميع مسئول، الحكومة ووزراؤها، والمحافظون ونوابهم ورؤساء الأحياء، والاعلاميون ورجال الدين والمثقفون، لأن كل هؤلاء لا يقومون بواجباتهم الوطنية تجاه مسئولياتهم التي ينبغي أن تصب في الاهتمام بالمواطن ورعايته وحمايته، هم مشغولون بمستقبلهم داخل النظام الجديد وما يمكن أن يستحوذون عليه. إن هناك أمرا ينبغي أن يدركه الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن نظام مبارك الذي يعتمد على عدد من رموزه وقياداته في كل المجالات، ليس أياديه بريئة من تلوث الارتباط العميق بالجماعة الإخوانية الارهابية وحلفائها، فقد كان يتعامل معها ويشاركها فساده وفسادها، نظام مبارك هو من ألقى بالشعب المصري في "حجر" و"حضن" الجماعة الاخوانية وحلفائها، بتجويعه وسرقته وقمعه، لذا فإنني على يقين كامل أن جزءا من قدرة الجماعة الارهابية على الاستمرار في عملياتها القذرة ومقاومة أي استقرار للبلاد، مرجعه إلى أن أيادي مفسدي نظام مبارك الملوثة بالتعاون معها وحمايتها وحماية وجودها المهدد بالزوال. لنكن واضحين أن استمرار أجزاء لا بأس بها من نظام مبارك يؤثر بشكل مباشر في استمرارية مقاومة الجماعة الارهابية، وأن الحرب لا ينبغي أن توجه لأيدي الإرهاب الإخواني وحده، بل لابد أن توجه لما لأيدي من بقي من رموز نظام مبارك، هذا النظام الذي يتخيل الآن أنه يسترد مواقعه ويأمل أن يستولي على نصيب من "التورته". لقد كانت الجماعة الإخوانية وحلفائها جزءا أصيلا من نظام مبارك الفاسد، جمع بينهما المال والتجارة والنسب والسلطة والنفوذ، تقاسموا معا كل شيء، وغضوا الطرف لبعضهم البعض، هذا يسرق ينهب ويستولي على المقدرات والثروات، وهذا ينشيء مصانع الارهاب ومفارخه، فكانت النتيجة المأساوية، جوعوا الشعب وأفقروه عقليا ووجدانيا وماديا، فهل يتوقع الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يأمن جانب نظام مبارك ورموزه وهو الذي يستعين بعدد كبير منهم؟. إن ما جرى خلال الأيام الثلاثة الماضية يؤكد أن الجماعة الارهابية لا تزال على صلة وثيقة مع فساد نظام مبارك، وأنهما ربما يكونان متحالفين، ففي استمرار التخبط وغموض الرؤية والفوضى والارهاب حماية لمصالح كليهما، وبالتالي فهو هدف يعملان على تنفيذه، ففسدة نظام مبارك يواصلون التجارة بأقوات الشعب سرقة ولصوصية ويحتالون لإعادة وجودهم والقبض على مراكز التنفذ داخل السلطة الجديدة، والجماعة الارهابية تواصل الإرهاب للوصل إلى مصالحة تضمن لهم حفظ ماء الوجه وعودة قوية للساحة. إن على الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يحارب على جبهتين جبهة الفساد الذي رسخه نظام مبارك وجبهة الارهاب الذي رسخته الجماعة الاخوانية وحلفاؤها، وذلك يتطلب تغييرات واسعة وجذرية تطال ليس المؤسسات الأمنية وحدها بل المؤسسات الثقافية والاعلامية والدينية، وأن يضع استراتيجية واضحة لمستقبل البلاد، يحدد خلالها رؤاه وتوجهاته في صورة مشاريع تنموية إنسانية واقتصادية وزراعية وصناعية وثقافية ودينية.