بات الانضمام التركي إلى الاتحاد الأوروبي شبه مستحيل، خاصة بعد زيادة الانتقادات الأوروبية الموجهة إلى أنقرة والمتعلقة بإجراءاتها التعسفية واعتقالاتها العشوائية للكثير من رجال السياسة البارزين في الدولة، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو الماضي. ويبدو أن علم الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، بهذا الأمر جعله يفرض المزيد من الإجراءات، ويمضي قدمًا في مخططاته لتحويل تركيا إلى سلطنة عثمانية مجددًا. تجدد نوايا أردوغان تجددت نوايا السلطان التركي الأردوغاني في إعادة العمل بعقوبة الإعدام، والتي كانت قد تم إلغاؤها منذ عام 2004 في إطار تلبية الشروط لانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، حيث أكد الرئيس التركي أن حكومته ستعرض على البرلمان قريبًا إعادة العمل بعقوبة الإعدام، مضيفًا: أنا بدوري كرئيس للبلاد سأوقع على القرار ليكون ساري المفعول فورًا، وقال أردوغان، ردًّا على هتافات تعالت مطالبة بالعودة إلى حكم الإعدام بعد الانقلاب الفاشل، وذلك أثناء خطابه احتفالًا بالذكرى الثالثة والتسعين لإعلان الجمهورية التركية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية: لا تقلقوا، قريبًا قريبًا إن شاء الله، وتابع الرئيس التركي: أعتقد بأن أعضاء برلماننا سيوافقون بأغلبية على إعادة حكم الإعدام، معتبرًا أن الانتقادات الغربية حول هذا الشأن لا قيمة لها. في حال اتخاذ الرئيس التركي أولى خطواته في طريق إعادة العمل بعقوبة الإعدام، فإنه سيعرض الأمر على البرلمان الذي من المؤكد أنه سيوافق عليه، حيث يسيطر حزب العدالة والتنمية التابع للرئيس التركي على أغلبية المقاعد البرلمانية، وهو ما سيسهل عملية التصويت على إعادة العمل بالقانون، ليؤول الأمر لأردوغان فيما بعد ليوقع على القانون، ويصبح ساري المفعول. رغبة تاريخية يجمحها الانضمام للاتحاد الأوروبي إعادة العمل بعقوبة الإعدام في تركيا كانت ولا تزال رغبة كبيرة تلاحق الرئيس التركي منذ وقت طويل، حيث استغل الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو الماضي للتحجج بوضع البلاد المضطرب وإعادة هذه العقوبة، لكن الآمال التركية في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ قرون كانت هي العقبة الوحيدة أمام طرح موضوع إعادة العمل بعقوبة الإعدام في البرلمان التركي، حيث هددت العديد من الدول الأوروبية إضافة إلى البرلمان الأوروبي أنقرة من أن اتخاذ أي إجراءات تهدف إلى إعادة عقوبة الإعدام سيؤثر بالسلب على المفاوضات بين الاتحاد وأنقرة قد تصل إلى نسفها بالكامل. انتقادات أوروبية تطيح بأمال الأتراك يبدو أن أردوغان فقد الأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل الانتقادات التي تصاعدت خلال الفترة الأخيرة، حيث وجه البرلمان الأوروبى 6 انتقادات حادة للنظام التركى، بسبب توسع حكومة أنقرة فى إسكات المعارضة المشروعة والسلفية، واتخاذ أردوغان محاولة الانقلاب عليه من قوات فى الجيش التركى كذريعة للتخلص من جميع معارضيه ومنتقديه فى بلاده، كما أن البرلمان انتقد تأميم أردوغان لأكثر من 300 شركة هولندية فى إسطنبول، وعدم وجود أدلة قاطعة حول اتهام جماعة "جولن" بأنها إرهابية، بالإضافة إلى عدم وجود محامين للعناصر المقبوض عليها عقب محاولة الانقلاب العسكرى على الرئيس التركي للدفاع عنهم خلال المحاكمات. وأوضحت التقارير أن انتقادات البرلمان الأوروبى للنظام التركى بسبب رصد حالات وفيات فى السجون وزيادة حالات التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان بشكل فج داخل السجون، وعدم موافقة حكومة تركيا لأعضاء المنظمات الحقوقية بتفقد السجون، مشيرة إلى أن آخر سبب لتوجيه انتقادات من البرلمان الأوروبى لتركيا عدم تقبل البرلمان الأوروبى فكرة اتهام أساتذة جامعيين ومدرسين بالتخطيط والمشاركة فى محاولة الانقلاب العسكرى على الرئيس، وأشارت التقارير إلى أن انتقادات البرلمان الأوروبى لتركيا جاءت بعد تحذيرات كثيرة لأردوغان عقب تهديده أكثر من مرة باستعداده لإعادة عقوبة الإعدام. وقبل أيام قليلة أعرب مسؤولان في الاتحاد الأوروبي عن قلقهما إزاء اعتقال اثنين من الشخصيات السياسية البارزة جنوب شرق تركيا، حيث قالت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، والمفوض الأوروبي لسياسة الجوار وتوسيع الاتحاد، يوهانس هان، إنه يجب على تركيا احترام سيادة القانون خلال تعاملها مع التهديدات الأمنية التي يشكلها المتشددون الأكراد، حيث إن الحل السياسي هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق. في ذات الإطار رأى العديد من المراقبين أن حظوظ تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باتت ضعيفة للغاية، خاصة بعد الإجراءات التعسفية الاستفزازية التي اتخذها النظام التركي ضد معارضية وخصومة السياسيين، وحركة التطهير الواسعه لكافة المؤسسات التركية لكل من يدور فقط حوله شبهة التورط في الانقلاب، الأمر الذي أثار استهجان الدول الأوروبية بشكل كبير، خاصة مع الإعلان عن اعتقال أكثر من 35 ألف شخص في تركيا في إطار التحقيقات الجارية إثر الانقلاب الفاشل على أردوغان، حيث وجهت أكبر دولتين في الاتحاد الأوروبي، وهما ألمانيا وفرنسا، انتقادات حادة لممارسات النظام التركي، حيث هدّد وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، حينها بأن أي تحرك من جانب تركيا لإعادة عقوبة الإعدام بعد الانقلاب العسكري الفاشل ستخرج جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عن مسارها، وأضاف شتاينماير أن إعادة العمل بعقوبة الإعدام سيمنع إجراء مفاوضات ناجحة بغرض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقال إن ألمانيا تنتظر من تركيا التعامل مع مدبري محاولة الانقلاب بما يتسق وسيادة القانون. فيما اعتبر الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، أنه لا يمكن لتركيا أن تعيد العمل بعقوبة الإعدام إذا كانت ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأضاف: البلد الذي يرغب في علاقات مع الاتحاد الأوروبي، ومنها التفاوض على الانضمام لعضويته، لا يمكن له تطبيق عقوبة الإعدام، وفي الوقت ذاته جاء رد فعل دول الاتحاد الأوروبي على تصرفات تركيا في مواجهة معارضية، بتأجيل تنفيذ اتفاقها بشأن السماح لدخول الأتراك لدول الاتحاد الأوروبي بدون تأشيرة في أكتوبر الجاري، مقابل الجهود التي بذلتها حكومة تركيا في الحد من حركة الهجرة غير الشرعية لأوروبا.