"إنتوا بتتكلموا عن الرأي وتوعية الناس وبتتخانقوا وتعملوا كدة مع بعض"، لخصت تلك الكلمات التي علق بها الرئيس عبد الفتاح السيسي على الخلاف الذي دار بين الزميل إبراهيم عيسى و"الإعلامي" إبراهيم الجارحي على منصة ندوة الإعلام بمؤتمر شرم الشيخ، أمس الأربعاء، تصور "نور عيننا" لفكرة التعدد والتنوع والاختلاف وقبول الآخر. الرجل الذي ضحك بشكل هيستيري، بعد إلقائه الجملة ما بين القوسين، تجهم وانعقدت ملامح وجهه، وهو يستمع لرد إبراهيم عيسى الذي قطع به وصلة "الانشكاح"، "الأصل هو التعدد، والتنوع في وجهات النظر يخلق مناخا مناسبا في الشارع المصري"، قال عيسى. وازداد غضب الرئيس وتجهمه، عندما أصر عيسى على مواصلة حديثه قائلا: في صحفيين وكتاب مسجونين دلوقت بقانون العقوبات ومفيش دولة في الدنيا تسجن في جرائم النشر سوى 3 أو 4 دول وكلها دول مستبدة وديكاتورية، ولا يمكن أن تكون مصر من ضمن تلك الدول"، مضيفا: "عاقبهم زي العالم المتحضر بأي كفالة مالية تصل إلى مليون جنيه، إنما لا توجد عقوبات سالبة للحرية في أى دولة متقدمة في العالم، ونطالب بالعفو عن أحمد خالد وإسلام بحيري". "التوحد" عقيدة راسخة لدى السيسي، فالرجل بخلفيته العسكرية لا يعرف التنوع أو الخلاف في الرأي والاختلاف في المواقف، المشير قضى معظم حياته يتلقى أوامر فيؤدي "التمام" وينفذها، أو يصدر أوامر فيتلقى "تمام" على تنفيذها، وتغيير تلك العقيدة يحتاج إلى مناخ مختلف. قواعد الربط والضبط هي الدرس الأول الذي يتم تلقينه لأي "عسكري" تخط قدماه أرض "المعسكر"، أما الجدال والنقاش والخلاف ومحاولة الفهم باستخدام أدوات استفهام من عينة "ماذا، لماذا، أين، متى، ومن" فهي من المحرمات التي يجب أن يلقيها "العسكري" خارج السلك حتى يضمن السلامة داخل أسوار المعسكر. من الطبيعي أن تكون التعاملات داخل المعسكرات قائمة على الطاعة والانضباط والثقة في القيادة؛ لأن الخلاف قد يعطل قرار حرب، كما أن التراتبية تتيح لمن هو في رتبة أعلى معلومات ومعرفة أكثر تمكنه من اتخاذ القرار، لكن ما هو مقبول في الحياة العسكرية، لا يصلح في الحياة المدنية، فإدارة الدول قائمة على النقاش والخلاف والتنوع، هذه هي الديمقراطية في أبسط صورها، والدول التي أنعم الله عليها بنعم التنوع وتعدد الآراء والمراجعة والمحاسبة صعدت، أما الدول التي تمسكت ب"لازم تتوحدوا، ولازم نبقى كدهو..إلخ"، فسقطت في جُب التخلف. خلع السيسي سترته العسكرية، بعد أن زف إلينا نبأ ترشحه للرئاسة بها، لكنه ظل متمسكا بعقيدته، فالرجل محكوم بما تربى عليه "تمام يا فندم"، يسخر من الخلاف والتنوع، ويطالب فئات الشعب بالتوحد. فعلها قبل الانتخابات البرلمانية، وطالب الأحزاب بالتوحد في قائمة واحدة، ولما فشلت الفكرة، تم تصنيع قائمة "دعم مصر" داخل ورش الأجهزة، التي لم تكتف بالقائمة بل وضعت خاتمها على عدد كبير من المقاعد الفردية، فضاع البرلمان، وأصبحنا معيرة الأمم. طالب "مرشح الضرورة" الإعلام بالتوحد، فلما تعثر تنفيذ الأمر، دفعت الأجهزة برجالها للهيمنة على المنظومة الإعلامية، بشرائها أو ترهيب ملاكها وفرض أجندتها عليهم، فاحتل المسوخ شاشات الفضائيات، وتولى الأنصاف المناصب القيادية بالصحف، جميعهم ينتظر مكالمة أو رسالة من رئيس تحرير مصر الذي منحهم تأشيرة الصعود وركوب الهواء بحق أو بدون، ليجعل منها موضوع نقاش حلقته الرئيسي أو مانشيت الصفحة الأولى من صحيفته، بالطبع هناك استثناءات لم تخضعهم توجيهات رئيس رؤساء التحرير، أو يغريهم ذهبه. هيستريا "التوحد" و"تمام يا فندم"، ومحاولات طمس الحقائق وإنكار الواقع وحديث الإنجازات الزائفة ومؤتمرات "الضحك على الدقون"، لن توقف غليان الشارع ولن تمنع الناس من الانفجار، فالأنين المكتوم تحول إلى صراخ، والصرخات ستجد طريقها إلى الشوارع والميادين بحثا عن خلاص.