روجت القنوات التركية أن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود لأنقرة، والتي بدأت الأحد وانتهت بالأمس، تأتي ضمن إطار تعبيره عن تضامن الشعب الفلسطيني الصديق والشقيق مع تركيا أعقاب المحاولة الانقلابية التي حدثت في 15 يوليو، ولبحث آخر المستجدات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ولكن ربط زيارة عباس بقضية تضامن فلسطين مع تركيا على خلفية الانقلاب تحمل الكثير من السطحية، خاصة أن المحاولة الانقلابية الفاشلة مضى عليها أكثر من ثلاثة أشهر، الأمر الذي يشير إلى مدلولات أعمق بكثير من عملية التضامن. أبو مازن بين تركياوقطر زيارة محمود عباس الرسمية لتركيا تتزامن مع وصول أمير قطر تميم بن حمد إلى هناك، على أن يتوجه عباس لاحقًا إلى الدوحة، هذا ولم تكن كل من تركياوقطر حليفتي عباس المفضلتين، بل العكس من ذلك، دائمًا ما كان البلدان يشكلان داعمًا قويًّا لغريمته المتواجدة في قطاع غزة، ألا وهي حركة حماس، فالدوحةوقطر تتبنيان دعم الفكر الإخواني. ومن الملاحظ أن تحركات عباس باتجاه أنقرة جاءت بعد قرار سعودي إماراتي مصري بتصفية أبو مازن سياسيًّا لصالح محمد دحلان عضو فتح السابق، الأمر الذي دفع مراقبين للقول إن توجه الرئيس الفلسطينيلأنقرة قد يتضمن توجيه رسالة سياسية لمصر بأن رئيس السلطة الفلسطينية قادر على توسيع هامش المناورة مع القاهرة، ولكن من الصعب حصر الزيارة في هذا الإطار، فالقيادة الفلسطينية تدرك أكثر من غيرها أنه لا بديل عن الدور المصري في القضية الفلسطينية، كما أن أبو مازن لا يستطيع المراوغة كثيرًا بين الحلف الثلاثي "القاهرة-الرياض-أبو ظبي"، فمصر تملك الورقة السياسية، والسعودية والإمارات تملكان الورقة المادية، وبالفعل قامت الرياض باستغلال هذه الورقة للضغط على أبو مازن، حيث قامت المملكة خلال نصف السنة الأخيرة لهذا العام بتعليق مساعداتها المالية المخصصة للسلطة الفلسطينية، حسبما قاله مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية، فخلال هذه الفترة جمدت حوالي 120 مليون دولار من المساعدات للسلطة الفلسطينية، فالمملكة كانت تدفع شهريًّا للسلطة الفلسطينية 20 مليون دولار قبل أن تقرر فجأة وقف تدفق الأموال. عباس وحركة حماس عباس يعلم بأن تركياوقطر لن تكونا بديلًا ماليًّا لدعم الرياض، فكلاهما منهمكان بدعم خصمه الحمساوي، الأمر الذي من شأنه أن يفتح بابًا جديدًا لهدف الزيارة، فالرئيس الفلسطيني المترنح يعلم أن مفاتيح حماس بيد أنقرةوالدوحة، وبالتالي أي مصالحة مع حماس يجب أن تمرر من خلالهما، خاصة أن أبو مازن يحتاج لحماس في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى؛ لينعش آماله في الاستمرار على رأس الحياة السياسية في فلسطين، فأبو مازن يسعى مؤخرًا لعقد المؤتمر السابع لحركة "فتح"، وتكمن أهمية هذا المؤتمر في أنه أعلى سلطة تشريعية للحركة، لأنه يُصدّق على القوانين والأنظمة وينتخب لجانه، خاصة "المركزية"، وهي أعلى سلطة تنفيذية، ثم "المجلس الثوري" الذي يمثل "برلمان فتح"، ووفقًا للنظام الداخلي للحركة من المفترض أن يعقد المؤتمر بعد خمس سنوات على انعقاد المؤتمر السابق، وكعادة هذه المؤتمرات لا تجري في مواعيدها ودائمًا ما يتم تأجيلها، لكن هذه المرة بادر عباس إلى ترؤس اللجنة التحضيرية للمؤتمر السابع، على خلاف العادة، ومع اكتمال معظم الاستعدادات لإجرائه في رام الله، يجد دحلان ومناصروه "التيار الإصلاحي" أنفسهم خارج إطار الدعوة، الأمر الذي دفع دحلان لتوجيه اهتمامه إلى قطاع غزة، بعد أن كان خصمها اللدود، فبدأ يصرف الأموال على مناصريه وأتباعه في القطاع الذي تسيطر عليه حماس في ظل انقسام نواب فتح إلى قسمين بين عباس ودحلان، وتكمن أهمية غزة بأن لدحلان فيها شعبية مقبولة في أوساط الجماهير الفتحاوية في غزة، خاصة مسقط رأسه جنوبي القطاع، كما أن دحلان يراهن على أن يستعمل قطاع غزة كرأس حربة لمجابهة أبو مازن، حيث يخطط العضو المطرود من فتح على إقامة مؤتمر مضاد لمؤتمر أبو مازن غالبًا ما سينطلق من قطاع غزة أو الخارج؛ بهدف التشويش على عباس، الأمر الذي دفع دحلان لعقد مجموعة من الصفقات مع حماس، حيث قالت مصادر فلسطينية إن دحلان أجرى اتصالات مع مصر؛ للعمل على عدة إجراءات لصالح حركة حماس وسكان غزة. في المقابل تكمن أهمية قطاع غزة بالنسبة لأبو مازن في أمرين: الأول أن القطاع يشكل سدًّا للتحكم بتحركات أنصار دحلان منها إلى الضفة الغربية، سواء بالمنع أو السماح، ومن جهة أخرى يخشى أبو مازن تكرار حماس لسيناريو قديم قامت به الحركة منعت بموجبه أنصارًا لعباس من حركة فتح من مغادرة القطاع، وهو الأمر الذي لا يعد مناسبًا، خاصة مع اقتراب موعد المؤتمر السابع للحركة، الذي سيسعى عباس من خلاله إلى تكريس موقعه في الحركة على حساب دحلان، وقام أبو مازن بالفعل بالتوقيع على جُملة من قرارات الفصل بحق قيادات من الحركة موالية لدحلان ستحرم من حضور المؤتمر، ونحّى قيادات من زمن ياسر عرفات عن المشهد، وعمد إلى مخاصمتهم، وبالتالي عباس سيحتاج بالفعل للملمة جميع أنصاره بما في ذلك المتواجدون بقطاع غزة. ويرى مراقبون أن جميع المؤشرات تدل على أن خطوات أبو مازن الأخيرة قد تأتي ضمن اللعب في الوقت الضائع، فخارجيًّا يعاني عباس من ضغوطات إقليمية وعالمية لترك منصبه لصالح دحلان، ومحليًّا يسعى دحلان لكسب الشارع الفتحاوي من خلال الأموال والمراوغات السياسية، فوفقًا لمعطيات إعلامية فإن دحلان يسعى حاليًّا للتمكن من رئاسة فتح فقط دون الكرسي الرئاسي، محاولًا الظهور على الأقل أمام حركة فتح بأنه يحترم مكانة مروان البرغوثي كمرشح للسلطة المعتقل في سجون الاحتلال، وهو الأمر الذي قد يستقطب من خلاله شريحة كبيرة من حركة فتح، وبعدها يبقى مصير البرغوثي معلقًا بيد قوات الاحتلال، الأمر الذي قد يؤهله للكرسي الرئاسي فيما بعد.