فتحت الاشتباكات المتكررة بين الحكومة الأفغانية وطالبان ملف المفاوضات الجارية بين الطرفين، من حيث جدية هذه المفاوضات، والأطراف الراعية لها كقطر. فمؤخرًا قتل 150 من حركة طالبان في عمليات أمنية للسلطات الأفغانية لتطهير مدينة غزني، عاصمة الإقليم الذي يحمل نفس الاسم، ومناطق أندار وجيرو وده ياك وقارباغ وزاناخان، والتي استمرت على مدى الأسبوعين الماضيين، وتقول القوات الأفغانية إنها تشن عمليات ضد طالبان في جميع أنحاء البلاد؛ ردًّا على هجمات الحركة على قوات الأمن والجيش. المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان تعتبر حركة طالبان عسكرية أفغانية، شكلت منذ منتصف التسعينيات تهديدًا خطيرًا لحكومتها وحكومات عالمية، تولت الحكم 6 سنوات، ثم أسقطت عام 2001 في غزو أمريكي لم يحقق أهدافه، فسرعان ما استعادت طالبان قوتها، ومع مرور الزمن اكتسبت قوة سياسية جعلتها تجلس على نفس الطاولة مع معظم القوى الداخلية والخارجية المؤثرة في المشهد الأفغاني. ويبقى الدور القطري مشبوهًا داخل طالبان، فقطر تمثل السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، وحتى لا يكون الكلام مرسلًا، فقطر لديها أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وتدخلات قطر في سوريا تتماهى بالمطلق مع السياسات الأمريكية، في المقابل تنظيم القاعدة والذي تدعي واشنطن محاربته بايع حركة طالبان، وأعلن الولاء لها، حيث أعلن أسامة بن لادن في إبريل 2001 "مبايعته" لزعيم حركة طالبان الحاكمة في كابول الملا محمد عمر. في شهر سبتمبر الماضي عقد مسؤولون من حركة طالبان وعدد من كبار المسؤولين من الحكومة الأفغانية اجتماعًا سريًّا في قطر، وذلك لإحياء مفاوضات السلام المتوقفة منذ فترة طويلة. وقال ممثل من الحكومة الأفغانية في كابول إن جولتي المحادثات جرتا في الدوحة، حيث يوجد مكتب سياسي للحركة المسلحة، وكان المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، قد اعترف في يونيو الماضي بوجود تنسيق كامل بين حركة طالبان والسلطات في قطر، من خلال مكتب دائم في العاصمة الدوحة، وأضاف أن مكتب قطر هو المكتب الممثل لنا في الشؤون السياسية بأوامر من القيادة، ويمثل الإمارة الإسلامية بناء على الصلاحيات التي منحت له، وذلك في حوار نشرته "مجلة الصمود" التابعة للحركة. وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية، شارك في المحادثات الملا عبد المنان أخوند شقيق مؤسس حركة طالبان الملا عمر الذي توفي في 2013، وصرح تليفزيون تولو المحلي نقلًا عن مصدر في القصر الرئاسي أن محمد معصوم ستانكزاي مدير الاستخبارات الافغانية، ومحمد حنيف اتمار مستشار الأمن القومي شاركا في لقاءات قطر. وكانت أمريكا متواجدة في هذا الاجتماع على طاولة المفاوضات، حيث حضر اللقاءات دبلوماسي أمريكي بارز، حسبما نقلت الصحيفة عن مسؤول في طالبان، ولم تعلق أي من طالبان أو الحكومة الأمريكية رسميًّا حتى الآن على هذا التطور. ولم تتضح نتيجة لقاء سبتمبر، إلا أن مصدر طالبان صرح للصحيفة أن المحادثات "جرت بطريقة بناءة ودون أية مشاكل". وفي أكتوبر الحالي جرى حوار ثانٍ بين طالبان والحكومة الأفغانية على الأراضي القطرية، رغم القتال العنيف بين متمردي الحركة والقوات الأفغانية المدعومة من الولاياتالمتحدة. اللافت في هذه المحادثات السرية المنعقدة في قطر أنه لم يحضرها أي مسؤول باكستاني، ومن المعروف أنه خلال العام الماضي استضافت باكستان – الداعم التاريخي لطالبان – عدة جولات من المحادثات الدولية لإحياء مفاوضات السلام، إلا أنها لم تحقق تقدمًا، الأمر الذي يثير تساؤلات عن نية قطر تبني تنظيم طالبان كراعٍ رسمي، خاصة بعد خروج باكستان من دائرة الثقة لدى طالبان، بعد اغتيال زعيم طالبان الملا أختر منصور من قبل طائرة أمريكية بلا طيار على الأراضي الباكستانية، في رسالة واضحة من واشنطن إلى إسلام أباد، مفادها أنه يمكن للولايات المتحدة اتخاذ إجراءات عسكرية على الأراضي الباكستانية إذا لزم الأمر ودون إنذار مسبق. ويرى مراقبون أن دخول قطر سيكون في خدمة المشروع الأمريكي، فواشنطن لم تستطع ترويض طالبان من خلال القوة العسكرية التي فرضتها على أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر، وبالتالي ستسعى قطر لتوظيف سياستها وأموالها لاستدراج هذا التنظيم وإعادة تأهيله من جديد؛ حتى يتسنى لواشنطن إعادة تدويره وفقًا لمصالحها في أفغانستان، فقطر لا تستطيع أن تفتح مكتبًا دبلوماسيًّا على أراضيها لطالبان التي تجاهر بعدائها لواشنطن، وفي نفس الوقت تضم أراضيها قواعد عسكرية لأمريكا، فالجمع بين طالبان وأمريكا على الأرض القطرية ما كان ليتم إلا بعد موافقة واشنطن، وإلا فإن وجود طالبان على الأراضي القطرية يشكل تهديدًا لقواعد أمريكا هناك، خاصة أن طالبان نفذت في سبتمبر عام 2012 غارة كبيرة على قاعدة كامب باستيون التابعة لحلف شمال الأطلسي.