فيما تنوعت المواقف الإقليمية من النقيض للنقيض، وإن اتفقت كل الدول المعنية على ضرورة إنهاء وجود داعش في الموصل إلا أنهم اختلفوا في الكيفية وطريقة إدارة المعركة سياسياً وعسكرياً، كذلك كانت فرصة لإرسال الرسائل من جانب بعض هذه الدول للبعض الأخر، مثل مصر والسعودية على خلفية الأزمة الأخيرة بينهما. وبخلاف السابق فإن معركة الموصل كانت تمثيل للتباينات فيما بين حلفاء المعسكر الواحد ضد «داعش»، فجددت تركيا تحفظاتها على سير العمليات العسكرية التي استبعدتها، فيما تمسكت الولاياتالمتحدة بحق بغداد الحصري في تحديد أياً من القوى الدولية والإقليمية سيشارك في المعركة. وفي السياق ذاته لم يغب البُعد الاستراتيجي لمعركة ومدينة الموصل، فبعيداً عن معركة داعش تمثل المدينة تاريخياً مطمعاً استراتيجياً للقوى الإقليمية كونها تحتل موقع يربط حالياً بين ثلاث دول هي تركياوإيرانوسوريا بالإضافة إلى العراق، وتُعد على مدار قرون مضت نقطة ارتكاز مهمة لأي قوة أرادت السيطرة على هذه المنطقة. وعلى مستوى مختلف كانت المواقف الدبلوماسية الاعتيادية ممتزجة برسائل سياسية موجهة لأكثر من طرف سواء بتثبيت الرؤى والمواقف أو تغيرها أو حتى حصد موقف جديد غير معني بالأساس بمعركة الموصل ولكن بتسوية خلاف بين قوى إقليمية.. وفيما يلي موقف هذه الدول. إيران قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي "أن الموصل جزء من العراق والحكومة العراقية تقرر مصيرها وأي تحرك ضد الإرهاب يتم التنسيق بشأنه مع بغداد خطوة ايجابية (..) على الأطراف التي دعتها الحكومة العراقية لمحاربة داعش في الموصل إثبات حسن نيتها والتعويض عن بعض أخطائها السابقة"، لافتاً النظر في تصريحات رسمية للتلفزيون الإيراني إلى على دعم طهران للتوجهات الصادقة في محاربة "داعش" ، مشددا على احترام إيران استقلالية قرار الحكومة العراقية. وتدعم إيران بشكل كبير الجيش العراقي والحشد الشعبي، سواء عن طريق توفير الأسلحة واللوجيستيات أو تواجد مستشارين عسكريين لها في العراق قادوا معارك تحرير تكريت والفالوجة وديالي، على رأسهم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني. السعودية جدد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، موقف بلاده على مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل، قائلاً "الحشد الشعبي ميليشيا طائفية ارتكبت العديد من الجرائم بحق العراقيين في معارك سابقة مثل معركة الفالوجة، ومتوقع أن يتكرر هذا إذا دخلوا إلى الموصل". وذلك في مؤتمر جمعه اليوم في الرياض بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو الذي جدد رفض بلاده أيضاُ مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل، قائلاً "مشاركة الحشد الشعبي لا تقل خطورة عن استمرار تواجد داعش في الموصل (..) موقف تركيا من تحرير الموصل لا غبار عليه ولكن يجب على بغداد الإنصات جيداً لما هو جيد لمواجهة الإرهاب لا استبداله". ويذكر أن اجتماع مماثل بين الجبير وجاويش أوغلو عقد الأسبوع الماضي أعلن فيه الأول عن اتفاق الرياضوأنقرة على منع مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل. تركيا وكان من المفترض أن تشارك تركيا في تحرير الموصل باتفاق مع الحكومة العراقية، إلا أن الخلاف الأخير الذي نشب بين العبادي والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنهى أي فرصة للاتفاق حول دور شرعي لتركيا في معركة تحرير المدينة، فيما تهدد أنقرة بأنها ستحافظ على مصالحها وتحقق أهدفها في شما العراق حسبما صرح أردوغان مطلع الأسبوع الماضي. وكانت الحكومة التركية أعلنت أن إزاء إقصاء أنقرة من معركة الموصل فإنها سوف تلجأ إلى تصرف أحادي الجانب يحافظ على مصلحتها، وذلك حسبما صرح مسئولين أتراك خلال الأيام القليلة الماضية. وفي خطاب له أمس أمام رؤساء البلديات في مقر إقامته قال أردوغان عن معركة الموصل "لن نصمت على الخطر الذي يطرق بابنا حتى يصل إلى أعناقنا ولن ننتظر التنظيمات الإرهابية كي تأتي إلينا وتهاجمنا"، وذلك في إشارة إلى الميليشيات الكردية المتنوعة في سورياوالعراق المثلث الحدودي والمنتمين إلى حزب العمال الكردستاني، المصنف لدى أنقرة كتنظيم إرهابي. وجدير بالذكر أن وكالة أنباء الأناضول شبه الرسمية التركية أعلنت تجهيز 2500 مقاتل "سُني" من أبناء العراق بقيادة قائد حرس محافظة نينوى السابق، أثيل النجيفي، للمشاركة في معركة الموصل. مصر تمثل الموقف المصري في مكالمة هاتفية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعبادي الذي أطلعه على تطورات تحرير الموصل، وجاء في بيان رئاسة الجمهورية "تناول الاتصال سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين خلال الفترة القادمة والعمل على الارتقاء بالعلاقات إلى أفاق أرحب تعكس ما يتمتع به البلدان من إمكانات كبيرة وتلبي طموحات الشعبين الشقيقي، وأعرب السيسي عن ثقته في قدرة الجيش الوطني العراقي على حماية المدنيين في مناطق العمليات العسكرية، كما أعرب عن تقديره لحرص الحكومة العراقية على ضبط النفس وتحليها بالحكمة في التعامل مع التطورات المختلفة وعدم الانزلاق إلى صراعات أخرى باستثناء تحرير الموصل من الإرهاب". وجدير بالذكر أن مصر والعراق وقعا أواخر العام الماضي بروتوكول تعان أمني يشمل تدريب عناصر من قوات الأمن والجيش العراقية في القاهرة، وهو ما أثار وقتها حفيظة السعودية. الجامعة العربية أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مساندته الكاملة للعراق، حكومة وشعبا، في معركته لتحرير مدينة الموصل من يد تنظيم "داعش"، معربا عن "تطلعه لأن تكلل هذه العملية بالنجاح، بما يؤدي إلى استعادة هذه المدينة العريقة إلى كنف الدولة العراقية، وبما يدعم أمن واستقرار العراق ووحدة أرضه وسلامته الإقليمية". وقال المتحدث باسم الأمين العام في تصريح اليوم لوسائل الإعلام إن الأمين العام يأمل في أن يتم اتخاذ كافة التدابير الممكنة من أجل الحفاظ على حياة المدنيين الأبرياء، مضيفاً أن "عملية تحرير الموصل تمثل خطوة هامة على طريق استئصال الخطر الذي يمثله تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على الأرض والشعوب العربية، مع ما يستدعيه ذلك من ضرورة تبني إجراءات ملموسة وسريعة للتعاون والتنسيق بين الدول العربية لمكافحة الأعمال الإجرامية التي ترتكبها هذه التنظيمات والجماعات بحق الأبرياء من أبناء الأمة العربية . في الصورة العامة لما يجري الأن في الموصل فإنه من نافلة القول أن مآلات المعركة شبه المحسومة بهزيمة «داعش» لن تكون سوى بداية لصراع أكثر تعقيداً في المستقبل القريب، سواء على مستوى داخلي في العراق بين مختلف القوى المحلية والحكومة المركزية وحكومة أربيل، أو على تأثيراتها على دول الجوار كتركياوسوريا، حيث أن الأولى تخشى تمدد ميليشيات الكردستاني وتتصل جغرافياً بنظيراتها في سوريا مما يعني توسع تجربة الإدارة الذاتية «روج آفا» في كل من البلدين وتعزيز وجود كيان كردي، أو هروب عناصر «داعش» إلى غرب سوريا واستثمارهم من جديد لإجهاض السابق أو إعادة التوازن لصالح المسلحين والإرهابيين في دير الزور وتدمر السوريتين. وفي سياق أعم فإن القوى الدولية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة ترى أهمية بالغة في معركة الموصل ليس فقط كهزيمة للتنظيم الذي تقود تحالف دولياً لمحاربته كنصر أخير للإدارة الأميركية الحالية في شهورها الأخيرة، ولكن أيضاً على مستوى حسابات إستراتيجية بعيدة الأمد توازن ما بين المصلحة الأميركية في ظل إستراتيجية خفض تكاليف التواجد في الشرق الأوسط وإرضاء الحلفاء وتحجيم قوة محور روسيا-إيران، وفي نفس الوقت خلق حالة من التنافس المتساوي حيث لا غلبة ولا مغلوب من كافة أطراف الصراع في المنطقة في مرحلة ما بعد «داعش»، وإجهاض أي تسويات للصراعات بعيداً عن رعايتها مثل الاتفاق بين روسياوتركيا أوتركيا وإيران. بناء على السابق فإنه يمكن القول أن تواجد القوات الأميركية جواً وبراً في عملية الموصل كذا قرب إعلان تسليح الأكراد كموقف أميركي منتظر من الإدارة القادمة يعني أن واشنطن تريد رسم خارطة صراع جديدة لا تقلص من تواجدها كلاعب رئيسي، ولكن فقط تخفيض تكلفة انغماسها بمستنقع مشاكل الشرق الأوسط ككل، وهذه الإستراتيجية الأميركية الجديدة يمكن القول أن تنفيذها بدأ في معركة الموصل، ومُهد لها عن طريق غارة البنتاجون على دير الزور وبالتالي يمكن القول أنه في سياق الصراع في سورياوالعراق فإن معركة حلب ليست سوى قرين لمعركة الموصل، سواء حسمت الأولى لمحور موسكو وحلفائها والثانية لمحور واشنطن وأتباعها المحليين والإقليميين أول لا حسم لكل منهما.