تشهد حركة فتح تغييرات كثيرة في الفترة الأخيرة تشير لزيادة الانقسام الداخلي بالحركة، وذلك على خلفية ظهور عضو حركة فتح المفصول محمد دحلان مجددًا على الساحة، الأمر الذي يشير لدخول الحركة في فترة مقبلة مشتعلة، لاسيما وأن هناك خلافات عميقة بين الرئيس الفلسطيني محمود أبو مازن ودحلان على مر السنوات الأخيرة. يأتي ذلك بعدما نشرت تقارير عن ترتيبات تجري على قدم وساق من القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان لعقد مؤتمر موسع بمصر في مدينة العين السخنة لشخصيات مستقلة وممثلين لمؤسسات مجتمع مدني فلسطيني، تحت رعاية "المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط"، وبحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية. تاريخ الخلاف بين دحلان وعباس بدأ بعدما اتهم الأول في محادثات مغلقة نجلي الرئيس عباس بالفساد الاقتصادي، ووصل الخلاف ذروته بطرد دحلان من صفوف فتح ومحاكمته غيابيًّا بتهمة الفساد، وتبادلت الاتهامات بينه وبين عباس بشأن التورط الشخصي في اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات. واغضب المؤتمر الرئيس عباس، لتخوفه من أن يكون محطة جديدة لمحمد دحلان للرجوع إلى حركة فتح، ومن ثم الوصول إلى الرئاسة الفلسطينية، وذلك بعد فشل انعقاد المؤتمر الذي كانت ترعاه القاهرة لعقد مصالحة بين قيادات الحركة، ومنح الفرصة لإعادة المفصولين، حيث أعلن دحلان من قبل أنه تم تأجيله. وفي هذا الإطار لم تنتظر الكتلة المركزية لحركة فتح وخاصة المحسوبين على عباس نتائج المؤتمر لتشن عليه هجومًا واسعًا، وترفض ما قد يصل إليه، معتبرة هذا المؤتمر تدخلًا في شؤونها الداخلية، خاصة وأنه وفقًا لجدوله يناقش ملف القضية الفلسطينية بكل أبعادها، وإعادة هيكلة الحركة بشكل صحيح، وهو الأمر الذي دفع إلى قيام حركة بفتح بتحركات عديدة في مسعى تهدف من خلاله للطلب بعدم إشراك مسؤولين مصريين رسميين، إضافة للأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، في المناقشات التي سيشهدها هذا المؤتمر. وعلى لسان المتحدث الرسمي باسم الحركة في الضفة الغربية أسامة القواسمي، شنت حركة فتح هجومًا غاضبًا على المؤتمر، قائلة إن أي لقاءات أو مؤتمرات تناقش القضية الفلسطينية وإعادة بناء حركة فتح يجب أن يتم الترتيب لها مع "المؤسسات الرسمية للشعب الفلسطيني" والمتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، مؤكدة أن أي مناقشات ستقام لإعادة بناء حركة فتح يجب أن تمر عبر قيادة الحركة وأطرها الرسمية فقط، مؤكدة "لم نخول أحدًا بالحديث نيابة عنا، الأمر الذي نرفضه تمامًا، وما يحاول أن يقوم به المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط أمر مرفوض، وتدخل في شؤوننا الداخلية، وما ينتج عنه باطل وغير شرعي". وبالإضافة إلى النظر في هيكلة حركة فتح، يناقش المؤتمر عدة ملفات، منها الإرهاب والوضع الإقليمي والدولي، وسيخصص أحد أيامه للقاء بين المشاركين والأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي قال إن الترتيبات تشير إلى أن اللقاء سيتم في مقر الجامعة العربية بالقاهرة. وفي هذا السياق دفعت حركة فتح والسلطة الفلسطينية بالطيب عبد الرحيم، أمين عام الرئاسة الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمعروف عنه بخصومته الشديدة لدحلان، لزيارة القاهرة قادمًا من رام الله عن طريق الأردن، وما أعلن رسميًّا عن الزيارة يشير إلى أنها تستغرق عدة أيام، يبحث خلالها آخر التطورات في المنطقة وعلى الساحة الفلسطينية ودعم علاقات التعاون الفلسطينية المصرية، غير أن ما يتردد عن خفايا الزيارة يشير إلى أن عبد الرحيم سينقل رسالة احتجاج على عقد المؤتمر الذي يناقش القضية الفلسطينية من قبل المركز القومي؛ لبعده عن الموافقة الرسمية الفلسطينية، كما سينقل رسالة احتجاج على موافقة الأمين العام للجامعة العربية على المشاركة في المؤتمر، وسيطالب بإلغاء أي حضور للأمين العام، أو أي مسؤول مصري رسمي، في سبيل إضعاف مخرجات المؤتمر. وثمة مؤشرات تتحدث أن كافة هذه التحركات المصرية والعربية، بما فيها مطالبة عباس بالنظر إلى مستقبل السلطة، أو إجراء أي مؤتمرات بالقاهرة، أو في أي دول عربية أخرى تناقش القضية الفلسطينية بمنأى عن الرئاسة الفلسطينية، تدخل في إطار الضغوط على أبو مازن لإجراء مصالحة مع دحلان، تقضي بعودته إلى حركة فتح ومشاركته في السياسية الفلسطينية المستقبلية للسلطة، وهو أمر يرفضه عباس شكلًا وموضوعًا، وهو ما أظهره في خطاب الشهر الماضي، الذي حذر فيه من أسماهم "المستهينين باستقلالية القرار الفلسطيني" من مغبة التدخل في القرار الفلسطيني، والتلاعب بحق تقرير المصير، وقال "على كل من له خيوط من هنا وهناك الأفضل له أن يقطعها، وإذا لم يقطعها نحن سنقطعها، فلا أحد يملي علينا موقفًا.. لنتكلم كفلسطينيين وكفى الامتدادات من هنا وهناك". وفي الفترة الأخيرة أشارت صحف خليجية إلى أن هناك رغبة عربية في إبعاد محمود عباس عن المشهد الفلسطيني في المرحلة المقبلة، حيث كتب موقع الخليج أون لاين العربية الشهر الماضي تقريرًا عنوانه "دحلان يعود لفتح في خطوة أولى.. والرئاسة خطوة ثانية"، وذكرت أن الأمر لا يتعدى كونه مصالحة بين الفرقاء، وهو ما يمثل صدمة لعباس، وما أظهره في رفض أي مؤتمرات واجتماعات لبحث المصالحة الداخلية في فتح.