بعد 3 أعوام من القطيعة بين إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية، قام مسعود بارزاني، رئيس الإقليم بزيارة لبغداد، الخميس الماضي، التقى خلالها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وعددا من كبار المسؤولين بالدولة، للتباحث بشأن الملفات والمسائل العالقة بين الجانبين، في خطوة تشير بوجود تقارب وتفاهم مشترك بينهما. واتسمت العلاقة بين العراق والإقليم خلال فترة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بالفتور الشديد، حيث كانت توجد قضايا خلافية على رأسها مسألة النفط وأخرى تتعلق بحدود النفوذ الكردي في العراق، لكن يأتي التقارب الراهن في ظل رؤية مختلفة نسبيًا للعبادي، تتمحور حول إزالة التوترات مع الإقليم لإنشاء قاعدة مهمة لمحاربة الإرهاب والقضاء على سرطان داعش. ملفات للنقاش تأتي هذه الزيارة في وقت تتردد فيه أنباء عن قرب دخول الجيش العراقي معركة الموصل بمشاركة القوات الكردية، مع انتشار دعوات لعدم استغلال هذا الأمر لتثبيت القوات الكردية في هذه المنطقة، وخلال الزيارة فتح الجانبان ملف معركة الموصل على الصعيدين العسكري والإنساني، فضلًا عن حصة الإقليم في تصدير النفط، وملفات أخرى عالقة. وفي مؤتمر صحفي مشترك بين بارزاني والعبادي، أكد الأخير أن العراق سينتصر في معركة تحرير الموصل، مؤكدًا أن الأكراد ليس لهم أطماع في هذ المنطقة قائلًا: "البارازني أبلغه أن الكرد ليسوا طامعين بمحافظة نينوى". وقال مسعود بارزاني في المؤتمر: "إننا جئنا لنعبر عن دعمنا ومساندتنا للعبادي وحكومته ولجهود عمليات التحرير والتعاون لتذليل كافة العقبات والتحديات"، مضيفًا "نؤيد دعوة رئيس الوزراء العبادي لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية من أجل مصلحة البلاد". وأكد أن "هناك تنسيقًا جيدًا بين القوات المسلحة والبيشمركة لتحرير الموصل"؛ مطمئنًا بأن "مستقبل الموصل سيكون آمنا"، وأن "جميع المشاكل والمسائل يجب أن يتم التفاهم عليها مع بغداد". من الملفات المطروحة أيضًا على طاولة النقاش مسألة "استقلال إقليم كردستان"، وهو ما عبر عنه رئيس الإقليم في المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء العراقي، حيث أكد أن "إقليم كردستان طلب الاستقلال وليس الانفصال وهو حق طبيعي"؛ مؤكداً أن "هذا الموضوع لا يمكن أن يتم دون الاتفاق مع بغداد"، منوهًا ب"وجود جدية لدى الحكومة الاتحادية لحل كافة المشاكل". فعلى الرغم من أن اجتماعات البارزاني شهدت نوعًا من النقاش حول هذا الموضوع، إلا أن المراقبين يقولون إن الزيارة جاءت بالأساس لترميم ما تصدع من العلاقة بين المركز والإقليم على خلفية تقلص مساحة الرغبة بالانفصال بسبب الرفض العراقي والدولي لهذا المشروع أخيرًا، وهو ما يتضح من تصريحات بارزاني بأن هذا الأمر لا يمكن أن يتم بعيدًا عن بغداد. وفيما يخص الملف النفطي، بحث المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، اتفاقا جديدا لتصدير نفط الإقليم خلال زيارته إلى العاصمة بغداد، مشيرًا إلى أن "حصة إقليم كردستان من الموازنة الاتحادية لعام 2017 وفق ما نص عليه القانون هي 17%". وأضاف المستشار الاقتصادي أن "رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، بحث خلال زيارته إلى بغداد الكميات المصدرة من نفط الإقليم والكميات المنتجة والجهة التي يتم التصدير إليها"، مشددا على ضرورة أن "تخضع عملية التصدير لمعايير دولية وجهة تدقيقية مستقلة تبلغ حكومة الاتحادية بالنسب". ما بعد الزيارة تأتي زيارة بارزاني لبغداد في إطار ما يمكن تسميته ترتيب أوراق مرحلة ما بعد "داعش"، خاصة وأنه قد أعلن من طرف رئيس وزراء إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، عن الاتفاق مع الحكومة الاتحادية على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة بين أربيل وبغداد للتباحث بشأن معركة الموصل المرتقبة، كما أعلن عن قيام وفد من إقليم كردستان لزيارة بغداد للوصول إلى اتفاق شامل يحدد موضوع "الاستقلال" وملف النفط". ومن زوايا متعددة تم النظر إلى هذه الزيارة، فمعارضو بارزاني، يرونها حزبية أكثر منها رسمية تمثل غالبية الطيف الكردي، أما المؤيدون فيرونها خطوة في الاتجاه الصحيح، فيما يرى المراقبون العراقيون أن بارزاني انتبه في الوقت الضائع إلى أن التعويل على الشريك الدولي والأجنبي أصبح موضع خسارة، وهو أمر سيؤثر عليه سلبًا في الحياة السياسية، لذا أراد أن يعيد لملمة جراح المكون الكردي وذلك بالعودة إلى الحكومة الاتحادية.