انفراجة جديدة يشهدها ملف الأزمة اللبنانية المتعلق بمسألة الفراغ الرئاسي، من شأنها أن تؤدي إلى حل هذا الملف المعقد، خاصة بعد مرور قرابة سنتين ونصف على فراغ كرسي الرئاسة اللبنانية، وفشل مجلس النواب للمرة الخامسة والأربعين في توفير النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية. الحريري والتغيير المفاجئ تعود الحلحلة في الملف الرئاسي في لبنان بالأساس إلى تغير موقف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري من المرشح للرئاسة اللبنانية الجنرال ميشال عون، فبعد رفض الحريري القاطع ترشيح عون للرئاسة اللبنانية، لدرجة أنه راوغ بابتداع فكرة للحيلولة دون ذلك عبر الاتفاق مع رئيس تيار مردة، سليمان فرنجية، لترشيح نفسه أمام ميشال عون، رغم علاقة الصداقة التي كانت تجمع بين عون وفرنجية، فكلاهما في نفس تكتل 8 آذار، الذي ينتمي له حزب الله أيضًا، حيث قام رئيس تيار المستقبل مؤخرًا بالاستدارة باتجاه عون، وأبلغ أعضاء كتلته النيابية بإمكانية دعمه انتخاب عون زعيم التيار الوطني الحر رئيسًا للجمهورية، وشدد الحريري على أنه عندما يُتخذُ قرارٌ في القيادة على الجميع الالتزام به في تياره السياسي. سيناريوهات التغير سيناريوهات كثيرة مطروحة تحاول أن تفسر هذا التحول المفاجئ في موقف الحريري، فوفق مصادر مقربة من المحور السياسي للحريري، فإن رئيس تيار المستقبل لن يتنازل عن دعم ترشيحه لسليمان فرنجية، إلَّا إذا تنازل فرنجية عن ترشيحه لصالح مرشح آخر. وتؤكد المصادر أن فرنجية لا يمكن أن يتنازل لصالح عون، لكن التنازل قد يكون ممكنًا لمرشح آخر. وتستند المصادر على موقف الوزير فرنجية القائل بأن «الرئيس الحريري إذا تبنى ترشيح عون، فإنه سيصل إلى نفس النتيجة التي وصل إليها الرئيس أمين الجميل حينما سعى عون لرئاسة الحكومة عام 1988». موقف فرنجية السلبي من ترشيح الحريري لعون قد يكون مبررًا سلبيًّا، ففرنجية كان قد اشترط على الحريري أنه إذا قرّر العزوف عن ترشيحه والذهاب نحو ترشيح آخر، ألَّا يعود إلى خيار ترشيح عون، فضلًا عن أن عون قابل ترشيح الحريري لسليمان بالرفض، ومن ثمّ شنّت وسائل إعلام التيار الوطني الحرّ حملة إعلامية على رئيس تيار المردة، قبل أن يتوّج انفصال فرنجية عن عون بالتحالف الجديد بين الأخير ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وترشيح جعجع لعون، وهو الأمر الذي أغضب بعض أطراف فريق 8 آذار، وقلل من حماستهم لعون، بعد أن بات الجنرال مرشّح جعجع. سمير جعجع قال: إن خطوة الحريري باتجاه عون تأتي لإحراج حزب الله، فالحريري يكون بذلك قد تبنى مرشح حزب الله للرئاسة، وبالتالي لا عثرات أمام الجميع الآن نحو الكرسي الرئاسي، لكن في المقابل أشارت مصادر من قوى الثامن من آذار إلى أن الصفقة التي يعمل عليها الحريري تأتي ضمن سلة متكاملة، تتضمن انتخاب عون رئيسًا فيما يترأس الحريري الحكومة الجديدة، على أن يعزز حضور تيار المردة في تشكيلته الحكومية. ومن ضمن السيناريوهات المطروحة للموقف المفاجئ للحريري أنه لجأ لهذا بعد رفع الدعم والغطاء السعودي عنه، خاصة بعد أن قصد الحريري السعودية، ليحصل على إذن من السلطات المختصة يخوّله العودة إلى الحكم في لبنان، غير أنه عاد خالي الوفاض، وقد رُفض طلبه للقاء الملك سلمان لموعد لا يتخطى ال10 دقائق فقط، حسبما كشفت جهات دبلوماسية مطلعة على المشاورات الآيلة لحل الأزمة الرئاسية، مؤكدة أن الحريري لم يعد مرغوبًا فيه لدى «المحمَّدين»، فولي ولي العهد لم يُبدِ مرونة في التعاطي مع الحريري حول شركة «سعودي أوجيه». وكان الحريري يريد من سلمان أن يأخذ نسبة من الشركة مقابل أن يسدد ديونها، إلَّا أن محمد بن سلمان أراد أن يستحوذ على الشركة كلها، وبالتالي لم يعد أمام الحريري إلَّا تحريك الملف الرئاسي داخليًّا؛ لأنه وبكل الأحوال فقد الرعاية السعودية، كما أنه تلقّى تقريرًا من «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي يفيد بأن «الجو السُّني العام» بات موزَّعًا على ستة أطراف أساسية، هم: نجيب ميقاتي، وأشرف ريفي، وسعد الحريري، وتمام سلام، وفؤاد السنيورة، وعبد الرحيم مراد، حسبما تؤكد مصادر سياسية واسعة الاطلاع. ويبدو أن المملكة ليست على علم بالخطوة الحريرية، فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أوفد وائل أبو فاعور، وزير الشؤون الاجتماعية، إلى السعودية، حيث نقلت مصادر صحفية أن الرياض لم تقدم جوابًا عن الاستحقاق واسم الرئيس. جدير بالذكر أن الحريري المدعوم من السعودية كان يراهن على إزاحة النظام السوري والمتمثل في شخص الرئيس السوري بشار الأسد من قِبَل المملكة، وبعدها يحلل الملفات السياسية في لبنان، ويفرض شروطه على حزب الله وحلفائه، لكن بقاء النظام السوري المدعوم روسيًّا في سوريا قد يفرض على الحريري خيارات لم يكن يرغب حتى في مناقشتها.