صفعة جديدة على وجه المملكة العربية السعودية، ربما تكون الأقوى في تاريخ العلاقات الأمريكية السعودية، فبتصويت نادر، بل والأول من نوعه في عهد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ألغى الكونجرس الفيتو الرئاسي ليكمل طريقه في اتجاه محاسبة الرياض على خلفية أحداث 11 سبتمبر عام 2001. وبتحليل هذا الموقف نجد أنه يعبر عن دهاء شديد وخطة مُحكمة من الرئيس الأمريكي، يرمي بموجبها الكرة في ملعب الكونجرس، وفي نفس الوقت يحفظ ماء وجهه أمام الحليفة السعودية. نقض الكونجرس وصفعة المملكة صوت 97 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، أمس الأربعاء، لتجاوز فيتو الرئيس "أوباما" على قانون يسمح لضحايا هجمات 11 سبتمبر بملاحقة السعودية قضائيًّا، مقابل صوت واحد مؤيد لأوباما، هو زعيم الأقلية الديمقراطية في المجلس السناتور "هاري ريد". وتأكيدًا على قرار مجلس الشيوخ، رفض مجلس النواب الأمريكي بأغلبية كاسحة الفيتو الرئاسي أيضًا، حيث جاءت نتيجة التصويت برفض 338 نائبًا للفيتو مقابل 74، وهو أكثر من أغلبية الثلثين التي يحتاجها مجلس النواب لإسقاط الفيتو، الأمر الذي يعني أن تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أصبح قانونًا نافذًا. هل يتلاعب "أوباما" بالمملكة؟ من أجل الإجابة عن هذا التساؤل يجب التعرف أكثر على الدستور الأمريكي، وما هو حق الفيتو؟ وهل كان في استطاعه الرئيس أوباما إخراج المملكة من هذه الورطة ولم يفعل؟ أم أنه لم يكن بإمكانه إخراجها؟ ينص الدستور الأمريكي على أن القرارات التي يتم اتخاذها في المملكة لا تتركز في يد شخص واحد، فهناك ثلاث جهات تتحكم في القرارات والقوانين، أولها الرئيس، وثانيها الكونجرس، وثالثها المحكمة العليا، وفيما يخص مسألة الفيتو فإن لدى الرئيس الأمريكي طريقتين لاستخدامه، إما الفيتو العادي أو النافذ، ففي حالة الفيتو العادي فإن الرئيس يستخدمه بعد تصويت الكونجرس، وليس معنى ذلك أن قرار الرئيس أصبح نافذًا، حيث يستطيع الكونجرس أن يصوت مجددًا على نقض فيتو الرئيس إذا صوت بأغلبية الثلثين، أما الفيتو النافذ فإن الرئيس يمكن أن يستخدمه دون أن يتمكن الكونجرس من نقضه، لكن هذا يحمل شروطًا، أولها أن يكون الكونجرس حينها قد انفض في إجازة، أو انتهت فترته النيابية، فهنا يصبح فيتو الرئيس نافذًا. يأتي هنا السؤال: إذا كان الرئيس أوباما يريد حقًّا أن يُخرج المملكة السعودية من هذا الفخ الذي ستتورط بموجبه في دفع مليارات كتعويض لأهالي ضحايا 11 سبتمبر، فلماذا لم يستخدم الفيتو النافذ؛ حتى لا يتمكن الكونجرس من نقضه؟ وفي هذا الشأن يرى بعض المراقبين أن أوباما لم يستخدم الفيتو النافذ ضد قانون "العدالة" لأن الدستور يلزمه أن يعيد للكونجرس القرار خلال 10 أيام من تسلمه، وقد حدث ذلك دون أن ينفض الكونجرس في إجازة أو تنتهي فترته النيابية، لأن الكونجرس قد أخذ احتياطاته كافة كي لا يستخدم أوباما الفيتو النافذ، أي أن الكونجرس أعد الخطة المُحكمة ليحاصر أوباما وحليفته السعودية بهذا القانون، ولا يتمكنا من الهرب منه. في المقابل يرى آخرون أن "أوباما" كان بإمكانه اتخاذ الفيتو النافذ بأن يترك ورقة القرار على طاولته ولا يوقعها لمدة 10 أيام، حينها يتم رفض الورقة، ولن ترجع إلى الكونجرس من جديد، وهذا حدث قليل جدًّا في تاريخ أمريكا، ويثير جدلًا كبيرًا كونه يجعل سلطة الرئيس أعلى من السلطات الأخرى حتى لو كانت هناك أغلبية، لكن في قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" اختار أوباما ألا يخاطر بحزبه الديمقراطي لأجل السعودية، فقرر أن يوقع الورقة بالفيتو العادي في غضون العشرة أيام المتفق عليها في الدستور؛ لترجع الورقة من جديد إلى الكونجرس، ويصوت على نقض الفيتو العادي الرئاسي، ليكون بذلك "أوباما" قد رمى الكرة في ملعب الكونجرس، وحفظ ماء وجهه أمام السعودية، بأنه فعل كل ما بإمكانه من أجل وقف القانون، لكن الكونجرس أصر على تمريره. "أوباما" والحبكة السياسية لم يسبق للرئيس "أوباما" أن يرفض له الكونجرس أي فيتو منذ توليه مهام منصبه، حيث استخدم "أوباما" حق الفيتو 12 مرة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، الأمر الذي يعني أن خطوة رفض الكونجرس فيتو الرئيس تدل على إصرار أمريكي غير مسبوق. في الوقت نفسه حاول "أوباما" أن يحبك المسلسل الدرامي، حيث اعتبر نقض التصويت "خطأ وسابقة خطيرة"، وحذر أوباما في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية من أن هذا القرار من شأنه أن يعرض الولاياتالمتحدةالأمريكية لدعوات قضائية من دول متضررة من سياستها الخارجية، وقال أوباما: إنها سابقة خطيرة وهي مثال على السبب الذي يجعلك في بعض الأحيان تختار الأمور الصعبة، مضيفًا: قلقي الأساسي هو ليس في علاقتي مع المملكة العربية السعودية وتعاطفي مع عوائل ضحايا 11 سبتمبر، وإنما في قراري عدم السماح لأي ظرف بأن يخل بالتزاماتنا في العالم، أو يجعلنا معرضين لدعاوى قضائية. عواقب اقتصادية.. أمريكية وسعودية منذ الحديث عن محاولات إقرار التشريع الأمريكي، تحدثت السعودية عن العواقب المحتملة من جراء تمرير هذا التشريع وجعله قانونًا، حيث هددت واشنطن بانهيار اقتصادي جراء هذا القانون من خلال بيع الأصول الأمريكية التي تمتلكها المملكة في أمريكا، والتي تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات، وهنا ناقش المشرعون والمسؤولون في وزارة الخارجية والبنتاجون التهديدات السعودية بشكل مكثف، وحذر بعض أعضاء مجلس الشيوخ من التداعيات الدبلوماسية والاقتصادية التي قد تنجم عن تمرير هذا القانون. أثناء تهديد الرياضواشنطن بانهيار اقتصادها، تغافلت عن أن هذا القانون سيهدد اقتصاد المملكة أيضًا، حيث إن بيع الأصول الأمريكية التي تملكها السعودية في واشنطن من شأنه أن يجعل سعر الدولار ينهار، مما يعني انهيار اقتصاد المملكة أيضًا في نفس الوقت، خاصة أن الاحتياطي النقدي لدى المملكة بالدولار، كما أنه سيؤدي إلى انهيار البورصة السعودية، وهو ما حدث بالفعل عقب تصويت الكونجرس لصالح السماح لأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية، حيث هبط الريال السعودي مقابل الدولار، اليوم الخميس، وفي الوقت نفسه شكك العديد من الاقتصاديين الخارجيين في قدرة السعودية على تنفيذ تهديدها، مشيرين إلى صعوبة تنفيذ عمليات البيع وتأثيرها المحطم على الاقتصاد السعودي. السعودية.. في موقف لا تحسد عليه يبدو أن أيام السعودية القادمة ستكون الأصعب على الإطلاق، حيث أرادت الولاياتالأمريكية أن ترسل رسالة للمملكة من خلال هذا المسلسل الدرامي الذي حبكته جيدًا، بأنه لا حصانة للحلفاء وخاصة السعودية التي تغيرت سياساتها الخارجية منذ تولي العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، قيادة المملكة، خاصة أن هذا القانون يأتي في الوقت الذي تعاني فيه المملكة كثيرًا من أزمة اقتصادية عاصفة، فرضت بموجبها الرياض سياسة تقشفية على حكومتها وشعبها، وتقلصت بموجبها أيضًا الميزانية والاحتياطات المالية، إلى جانب توغلها في المستنقع اليمني بطريقة لم يعد بإمكانها الخروج منه.