تستمر المملكة العربية السعودية الانخراط بشكل أعمق في مشاكل جديدة. بعد الغرق في حربهم السخيفة في اليمن، هم يعانون الآن من بيان استثنائي أصدره حوالي مائتي من قادة رجال الدين السنة يشير بشكل فعال إلى العقيدة الوهابية – التي تعتمدها السعودية – باعتبارها "تشويه خطير" لمذهب أهل السنة والجماعة. جاء البيان ختام مؤتمر بعنوان "أهل السنة والجماعة" عقد في العاصمة الشيشانية، جروزني. تضمن الاجتماع فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أهم مؤسسة دينية في العالم الإسلامي، والذي كان قبل عام فقط قد انتقد التأويلات الفاسدة للنصوص الدينية وأكد على ضرورة العودة إلى مدارس المعرفة الكبيرة خارج السعودية. تم تجاهل هذا الاجتماع اللافت للنظر لأسباب مجهولة من معظم وسائل الإعلام في العالم. هذا البيان يشير إلى أن رجال الدين السنة اتجهوا إلى إبعاد السعوديين عن القيادة الدينية لمذهب أهل السنة والجماعة. ورغم أنه لم يتم ذكر السعودية بالاسم، إلا أن هذا الإعلان يعد بمثابة إهانة مذهلة لبلد تنفق ملايين الدولارات كل عام على الآلاف من رجال الدين والمساجد والمدارس الوهابية في جميع أنحاء العالم. من وجهة نظر كبار أهل السنة الذين اجتمعوا في الشيشان، الخطر الأكبر للوهابية هي أنها تقر العنف كعقوبة ضد غير المؤمنين، بما في ذلك المسلمون الذين يرفضون التفسيرات الوهابية. كما أن داعش وتنظيم القاعدة وحركة طالبان هم أتباع هذه العقيدة خارج السعودية وقطر. يصر السعوديون مرارا وتكرارا أنهم ضد كل أشكال الإرهاب. كان رد فعلهم على إعلان جروزني مذهلا، حيث أعلن عادل الكلباني، إمام مسجد الملك خالد بن عبد العزيز في العاصمة السعودية الرياض، أن "العالم يستعد لحرقنا". وكما أشارت الباحثة بكلية سانت أنتونى بجامعة أكسفورد، شارمين نوراني، أن الأخبار السيئة لا تزال تتوالى، حيث نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية في بداية موسم الحج بيانات قالت إنها من وزارة الصحة السعودية تكشف أن حوالي 90 ألف حاج من جميع أنحاء العالم لقوا حتفهم خلال زيارتهم لعاصمة الحج مكةالمكرمة خلال ال14 عاما الماضية. ورغم نفى هذا الرقم رسميا، لكن يتم تصديقه في إيران الشيعية، التي فقدت المئات من مواطنيها في الحج من بينهم غضنفر ركن أبادي، السفير الإيراني السابق وضابط المخابرات في لبنان. وقد أطلق الزعيم الإيراني الأعلى، علي خامنئي، هجوما غير مسبوق على السعودية، متهما إياها بالقتل، قائلا: "السعوديون وضعوا المصابين مع الموتى في حاويات". على الجانب الآخر، رد وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الخارجي في السعودية، عبد المحسن الياس، واصفا اتهامات خامنئي بأنها "تدنيا جديدا لا أساس له من الصحة". ومع ذلك، قاطع الإيرانيون الحج هذا العام بعد قولهم أن إيران لم تتلق الضمانات الكافية من السعودية فيما يتعلق بأمن وسلامة الحجاج. من مؤتمر الشيشان وتصريحات خامنئي الأخيرة يتضح شيء واحد وهو: لأول مرة، السعودية تواجه هجوما من قبل زعماء السنة والشيعة على حد سواء في نفس الوقت تقريبا. تواجد شيخ الأزهر على وجه الخصوص في مؤتمر جروزني أثار غضب السعودية، حيث أنها ضخت ملايين الدولارات في الاقتصاد المصري منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة مصر. لذلك يجب على السعوديين أن يسألوا أنفسهم: "ماذا حدث لهؤلاء القادة الذين اعتادوا التودد للمملكة؟". كتبت الباحثة نوراني أنه "عام 2010، كانت السعودية تعبر الحدود بطريقة سلمية كقوة وسيطة تعمل مع إيران وسوريا وتركيا وقطر وغيرهم لاستكشاف وحل الأزمات الإقليمية الساخنة. لكن بحلول عام 2016، تجاهلت نهجها الموزون في السياسة الخارجية، وتبنت الجنون التكفيري". وهنا سؤال.. في حال تم دفع السعودية جانبا، من هو الممثل الحقيقي للإسلام السني؟ وما هو مستقبل السعودية؟ مثل هذه الأسئلة هي صانعة الثورات. الاندبندنت – روبرت فيسك