من الجائز والمقبول أن تدعو شعبك إلى التقشف و"ربط الحزام"، وتحمل "كل القرارات الصعبة التي تردد كثيرون في أخذها من قبل"، لكن ليس من المقبول بل من السفَّهَ، أن تأتي بما يستفز الناس، ويدفعهم إلى الكفر بكل ما سمعوه وحلموا به خلال سنوات الثورة الخمس. أثناء كلمته في افتتاح مجمع البتروكيماويات، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع الأسبوع الجاري إنه: ملتزم بالمضي قدما في الإصلاحات الضرورية لتحويل دفة الاقتصاد في البلاد وخفض الدين العام. وأضاف أن "أول محاولة للإصلاح كانت سنة 77 ولما حصل عدم قبول من المواطنين كل الحكومات تحسبت من محاولات الإصلاح وخافت من ردود الأفعال"، مشددا على أن «كل القرارات الصعبة التي تردد كتير على مدى سنوات طويلة إنهم ياخدوها..أنا لن أتردد ثانية في أن آخذها». وحمل السيسي في كلمته بالمصنع الذي بدأ العمل فيه قبل سنوات، الحروب التي انتهت قبل 45 عام مسئولية الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. ورغم اعترافه بثورة يناير، وتعهده بتحقيق أهدافها في أكثر من مناسبة، إلا أنه "نكزها" في تلك الكلمة، قائلا" ثورة يناير التي أطاحت بحسني مبارك تسببت في هزة اقتصادية". كما ألقى باللائمة على الهجمات الإرهابية في ضرب السياحة وقال "إن هناك حاجة للقضاء على الفساد". وبعد أن غسل الرئيس يديه من "التخريب" الذي حل على المحروسة، خلال العامين الماضيين، طلب من الشعب أن يقف إلى جانبه قبل أن تشرع حكومته وتمد سكينها "التلم" وتقطع في لحم الغلابة الحي، لتنفذ أجندة أسيادنا في صندوق النقد، قائلا "أنتم هتقفوا جنبي.. ليس من أجلي ولكن من أجل مصر". بعد ثلاث أيام من خطاب السيسي الذي تقمص فيه شخصية كبير العائلة المصرية الرئيس الراحل أنور السادات، كشفت صحيفة "لا تريبون" الفرنسية، عن أن شركة "داسون للطيران" الفرنسية، وقعت عقدا لبيع أربع طائرات فاخرة من طراز "فالكون 7 إكس" لمصر لتستخدمها الحكومة، بقيمة 300 مليون يورو. وبحسب الصحيفة، تمثل الصفقة خبراً ساراً للشركة التي باعت من قبل 24 طائرة مقاتلة "رافال" لمصر، في وقت يعاني فيه سوق الطائرات التجارية الفاخرة من خسارة بلغت ذروتها خلال الأشهر الأخيرة. ورغم التصريح الذي سربه "مصدر رئاسي" إلى بعض المواقع الاخبارية، وأكد فيه إن "رئاسة الجمهورية ليست طرفا في أي تعاقد من هذا النوع"، إلا أن هذا المصدر لم ينف اتفاق الحكومة مع الشركة الفرنسية لشراء الطائرات الأربع، وذكرت مصادر أخرى أن تلك الطائرات التي تستخدم في أغراض "مدنية حكومية"، سيتم تخصيصها ل4 مسئولين مصريين منهم الرئيس السيسي، وأن الاتفاق سيبرم مع جهة حكومية أخرى "حيث لا تبرم الرئاسة اتفاقات من هذا النوع"، مشيرة إلى أن المفاوضات بدأت مع توقيع صفقة الأسلحة بين مصر وشركات فرنسية بقرض فرنسي قبل شهور. وطائرات فالكون 7 إكس، لا يركبها إلا ملياردرات العالم وزعماء الدول الغنية، أما الدول التي تأكل ب"ثديها" فيركب زعمائها الطائرات العادية، بل تبيع طائرات الرئاسة لتطعم شعوبها، كما فعلت جويس باندا رئيسة مالاوي قبل أيام، حيث باعت طائرة الرئاسة الوحيدة ب15 مليون دولار تم تخصيصها لإطعام مليون شخص يعاني من النقص المزمن في الغذاء. لكن السفه المصري المتوارث والذي لم يتوقف حتى هذه اللحظة، يجعل السلطة السنية التي تدعو إلى ربط الأحزمة حول رقاب الفقراء، ترفع من أعداد سرب الطائرات الرئاسية الذي يتكون من 24 طائرة، بحسب تحقيق استقصائي أجرته جريدة الوطن في 2012. السرب الرئاسي الذي ورثه نظام مبارك للأنظمة التي أعقبته، لم يقنع نظام مصر الجديدة، الذي يبيع أرضه للكفلاء الخلايجة، وينفذ خطة الأسياد برفع الدعم وتزويد الأعباء على الفقراء، لينقذ اقتصاده ونفسه قبل الانهيار المتوقع، فشرع في الاتفاق على ضم 4 طائرات جديدة للخدمة. لو تمادى النظام في سفهه، "سيتم تبديد المليارات التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد، كما تم تبديد حزم المساعدات الخليجية التي حصل عليها "المنقذ" خلال العامين الماضيين"، على حد ما جاء في تقرير وكالة بلومبرج الاقتصادية المنشور أول أمس الثلاثاء. "السفيه هو من يسرف في إنفاق ماله، ويضيعه على خلاف مقتضى العقل فيما لا مصلحة له فيه، وباعثه خفة تعتري الإنسان من الفرح والغضب، فتحمله على الإنفاق من غير ملاحظة النفع".. من تعريف السفيه في معاجم اللغة.