الغرب روج صورة بطولية ل"داعش" جذبت عشرات الآلاف من الشباب العربي والغربي الفلسطينيون يعانون الأمرين: قمع السلطة ووحشية الاحتلال نادية حرحش كاتبة وباحثة فلسطينية تعمل محاضرة بجامعة القدس، حصلت على ماجستير الفلسفة الإسلامية من جامعة برلين الحرة – المانيا، ولها العديد من الأبحاث والمقالات المنشورة بالعربية والإنجليزية التي تتناول التراث العربي والاسلامي. في زيارتها الأخيرة لمصر، دار معها هذا الحوار عن رؤيتها لقضايا تجديد الخطاب الديني والهوية وإنعكاس ثورات الربيع على القضية الفلسطينية وإلى نص الحوار. ظهرت في العامين الماضيين العديد من دعوات تجديد الخطاب الديني، ثم ما لبثت أن خفتت ، كيف ترين صعود مثل تلك الدعوات ثم تراجعها؟ لا أعتقد أن الخطاب الديني تراجع، قد تكون دعوات تجديد الخطاب الديني التي تروجها السلطة تراجعت، لكن بشكل عام اليوم يتحول الخطاب العربي والعالمي لخطاب ديني، فبمجرد أن تفتح التلفاز أو الجرائد ستجد أن جميع الخطابات حولنا محورها الدين، وهذه أزمة كبيرة؛ لأن الدين صار سجن كبير وشبكة عنكبوتية تحاصرنا في كل مكان، فانا كإنسانة أصبحتُ أحتاج لفتوى دينية لأفعل أي شىء في حياتي، في حين أن الدين جاء ليحرر البشر، وليس ليجعلهم سجناء للفتاوي ورجال الدين، فضلًا عن كون الدين علاقة بين العبد وربه، ومتى خرج عن هذا الإطار تحول لأدة سلطوية، وهذا خطر على الإنسان وعلى الدين أيضًا. ما السبب في هذا الهوس والحديث الدائم عن الدين في هذه اللحظات كما أشرتِ؟ أعتقد أن صعود الإخوان في مصر ووصولهم لمقعد الحكم، المتزامن مع ظهور داعش، بالإضافة لصعود التيارات اليمينية في الغرب، مع تزايد أعداد المهاجرين، والأزمات الضخمة التي تواجه المنظومة الرأسمالية، كل هذه عوامل دفعت الناس للدين، وللبحث عن مصالحهم الضيقة وللتعصب، والإحساس بالعجز عن تغيير الواقع في ظل هيمنة كبيرة للقوى العسكرية والمخابراتية في كل مكان، بالإضافة لنقطة مهمة وهى دعم الغرب لداعش ولغيرها من الجماعات المتطرفة من خلال الصورة البطولية التي تروجها القنوات الفضائية الغربية عن بطولات التنظيم وقوته .. الخ، وقد ساهم ذلك في هجرة عشرات الآلاف من الشباب الغربي والعربي إلى سورياوالعراق للانضمام إلى تنظيم داعش وهم يحلمون بالبطولة والنصر والقوة وسيادة العالم، في حين عجز معظم هؤلاء الشباب عن تغيير واقعه الشخصي في وطنه وايجاد فرصة عمل أو حياة كريمة، لذلك أصبحت داعش وغيرها من التنظيمات مغرية لكثير من الشباب لأنها تمنحهم التحقق والصورة البطولية، فالتطرف الديني أصبح مساحة للهروب من الانهيارات الاجتماعية والاحساس بالفشل والعجز. ما السبيل لايجاد إسلام عصري وكيف نتعامل مع التراث والموروث العقائدي بكل ما يحمله من تناقضات؟ صلاح الدين من صلاح الإنسان، للأسف نحن لا نعمل على إنتاج جيل صالح كأفراد، البداية من البيت من أبناءنا وتربيتهم على التعددية والاختلاف وقبول الآخر، وعلى كون الإنسانية هى القيمة الأهم التي يجب أن نحترمها، فنحن طوال الوقت نتحدث عن الدين والمال والسلطة والثورة والتكنولوجيا وكل شىء وننسى الإنسان، مع إن الغرض من كل ذلك هو خدمة الإنسان وتحسين حياته، وليس تدميرها. لذلك علينا أن نفكر في الأديان بطريقة شخصية وليست عامة، فهناك فطرة إنسانية تُرجعك دائما الى أنه يُوجد خالق، لكن السؤال هنا يبقى في علاقتنا بالله هل هى علاقة نفعية أم هى علاقة روحية؟، هل هى علاقة خوف وسلطة أم علاقة حب ورحمة؟. وللأسف الأديان حُملت بكثير من المصالح السياسة والاجتماعية مما أفقدها جوهرها، فالأديان ليس هدفها التبعية بل الدعوة للتفكير وتأمل وتعمير الكون. في ظل انتقال عمليات داعش من الدول العربية للعواصم الغربية ، كيف ترين وضع الإسلام في الغرب الآن؟ الغرب لديه المقدرة على الفصل بين ما تفعله "داعش" وبين الإسلام والملسمين بشكل عام، وجرائم داعش تجاه الغرب والمختلفين معهم دينيًا تبدو مفهومة إذا ما تأملنا ما تفعله "داعش" مع المسلمين السنة والشيعة من دبح وقتل وحرق، "داعش" باختصار هى الوجه الآخر للهمينة والتوحش العسكري الغربي، لك أن تشاهد آلة القتل الإسرائيلية والأمريكية وهى تقتل آلاف البشر بالطائرة الحربية في لحظات، أليست هذه أفعال داعشية وإرهابية. وللأسف أشعر في كثير من الأحيان أن "داعش" صارت تعيش بيننا، فأسهل شىء الآن هو القتل، برامج الأطفال والألعاب الإلكترونية تشكل عقلية الأطفال على القتل والعنف، ثم يكبر الطفل ليجد نفسه يعيش في مجتمع عنصري واقصائي المسلم يرفض المسيحي، والغربي يحتقر العربي، والأبيض يمارس العنف تجاه الأسود.. الخ، كل ما سبق هو تمثلات للأفكار الداعشية ومع ذلك لا أحد يواجهها. ولو نظرنا للقرآن سنجد أكثر الأشياء حرمة هو قتل النفس، ولكن ستجد من يأتي لك بآيات من القرآن تحض على القتل، ويتنزعها من سياقها، والغريب أنه يتمسك بهذه الآيات ويترك مئات الآيات التي تحرم القتل والعنف، فالقتل جريمة بشعة واستخدام الله في القتل جريمة أبشع بكثير، لأنه يحولها من جريمة إلى فعل مبارك من السماء. كيف ترين التفاوت بين الخطاب القرآني والخطاب الفقهي ؟ إذا تدبرنا القرآن بصورة صحيحة، سوف نرى روح الخطاب المتجاوزة للتعامل السطحي مع الأمور باعتبارها معادلات رياضية، فالقرآن كتاب حكيم وممتع ومدهش وقادر على طرح معاني وصور جديدة يكتشفها كل قارىء، وبالتالي اختزال القرآن وتحوليه لإطار إجتماعي ضيق وفقًا لفهم مجموعة من المسلمين، تسبب في أزمات عديدة، وأهدر قيمة القرآن الحقيقة، ولكي ندرك روح القرآن ومعانيه الثرية، لنأخذ الآية التي يقول فيها جبريل للنبي محمد "إقرأ"، والنبي بالأساس أمي، ولكن هنا القراءة ليس بمعنى الهجاء فقط، فكلمة إقرأ هنا معناها واسع وتشير إلى معاني متعددة منها "التفكر، والتأمل، والتدبر وغيرها". المساحة التي كان يعطيها الخطاب القرآني من التفكر والتأمل، في رأيك لماذا تحولت إلى منطق تلقين سلطوي أحادي الفكر والرؤية؟ السياسة، منذ استخدام رجال الدين من قبل الخليفة للتشريع لأمور الدولة، تحول الدين إلى سلطة الخليفة وتطورت الأمور حتى تلاشى الدين ومعانيه الكبرى عن الحرية والعدل والتفكير والمساواة والزهد وتحول الدين إلى قضبان وسجون وقوانين تحقق مصالح الطبقة والسلطة الحاكمة. كيف ترين انعكاس ثورات الربيع العربي على القضية الفلسطينية، وإلى أي مدى يدفع الفلسطينون ثمن دعوات التطبيع التي تقوم بها السعودية ومصر مع العدو الصهيوني؟ موضوع الربيع العربي وتحولاته، بالتأكيد شغل الشعوب العربية، وأبعدهم عن القضية الفلسطينية، فمصر دخلت في صراع مع حركة حماس لفترة طويلة، وفي سوريا الناس تُهجر وتُذبح وغير ذلك مع كمية القتل والموت وفي العراق واليمن والبحرين يحدث ذات الأمر. لكن على الجانب الآخر فالقضية الفلسطينية تعاني من خلل داخل الشعب الفلسطيني، بسبب الإنقسام والفساد في السلطة والقمع والقهر والفقر، وفي النهاية الشعب الفلسطيني يدفع ثمن كل هذه المآسي من متاجرة دول مختلفة بقضيته، ومن قمع السلطة الداخلية ووحشية الإحتلال. الفلسطينيون يعيشون فوق فوهات من البراكين التي لا يعلم أحد متى أو في من ستنفجر. هناك حالة من التمرد على المنظومة الدينية والعقائدية لدى الشباب في السنوات الماضية، كيف تري هذه الظاهرة وكيف تتأملين سؤال الهوية؟ الديني واللاديني في مجتمعتنا واحد لأنهم تابعون، المؤمن والملحد في الدول العربية وجهين لعملة واحدة، لأنهم يعيدون إنتاج خطابات لم يصنعوها، علينا نحن أن نفكر فيما يناسبنا، ويعبر عنا، علينا أن نتجاوز أزمة النظام الأبوى الذي حول الإنسان لتابع، وأفقده فرديته وحريته وإستقلاليته. للإجابة عن سؤال الهوية علينا أن نسال أنفسنا عن الإنسان وليس عن الماضي والتاريخ، الهوية هى الأخلاق والمعرفة والسلوك وليست الأديان ولا المورثات الإجتماعية، الهوية هى نحن وليس هم، الهوية هى الآن وليس أمس.