عيّن رئيس جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، الثلاثاء، زعيم المعارضة تابانت دينج جاي، في منصب نائب الرئيس، بعد أقل من 24 ساعة من إقالته لرياك مشار، وتلك هي المرة الثانية التي يطيح فيها سلفا كير بنائبه، حيث أعاد رئيس جنوب السودان تعيين منافسه وزعيم المتمردين السابق رياك مشار نائبًا له، في فبراير من العام الجاري، وفقًا لاتفاقية المصالحة، بعد أن عزله عن المنصب في 2013، عندما اندلع اشتباك بين قوات موالية لسلفا كير وجنود يؤيدون مشار، والتي أخذت طابعًا قبليًّا بسبب الصراع بين قبيلتي الدينكا التي ينحدر منها الرئيس وقبيلة النوير التي تدعم مشار. جنوب السودان على صفيح ساخن حتى الآن يتوارى مشار عن المشهد السياسي، منذ المواجهات التي شهدتها جوبا ولقائه الأخير مع سلفا كير في 8 يوليو الجاري، بعده قرر مشار عدم العودة إلى جوبا رغم تهديد سلفا كير له بالعزل في حال عدم عودته، وهو ما حدث بالفعل. ويبدو أن هذا التواري يمثل الهدوء الذي يسبق العاصفة، فأمس اتهم مشار، رئيس بلاده سلفا كير، بالتخطيط لتصفيته، حيث جاء ذلك على لسان المتحدث باسم مشار، العقيد نيارجي رومان، الذي قال: «المعارضة حصلت على وثيقة صادرة من رئيس أركان الجيش الشعبي لحكومة جنوب السودان، يأمر فيها جميع قوات الحكومة بتعقب مشار وتصفيته على الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية»، واعتبر رومان أن هذه الوثيقة «دليل واضح على سعي الرئيس سلفا كير على قتل زعيم المعارضة»، حيث تطالب الوثيقة المزعومة، القوات الحكومية بالقبض على مشار حيًّا أو ميتًا. كما قال جيمس قديت داك، المتحدث باسم مشار، الثلاثاء: «الخطوة التي أقدم عليها سلفا كير بإقالة رئيس الحركة الشعبية في المعارضة، مشار والقائد الأعلى لقواتها، لا تعتبر فقط انتهاكًا لاتفاقية السلام، لكنها جاءت بمثابة المسمار الأخير في نعش عملية السلام برمتها». تصريحات المعارضة المسلحة أثارت الكثير من المخاوف من مغبة عودة العنف من جديد إلى جنوب السودان، خاصة أنها جاءت في توقيت يتعرض فيه اتفاق السلام في جوبا لخطر الانهيار، فدينج النائب الجديد لسلفاكير، الذي كان يشغل حتى وقت قريب منصب وزير التعدين في الدولة، كان كبير مفوضي المعارضة التابعة لمشار أثناء محادثات السلام العسيرة مع حكومة جنوب السودان، الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى تجدد القتال في البلاد، بل قد تمتد نيران الحرب هذه المرة إلى صفوف المعارضة المسلحة نفسها، التي انقسمت بشأن القرار الجديد، خاصة بعد رفض أنصار مشار خلافة تعبان دينج قاي له، ولو بصفة مؤقتة، فيما ذهب قسم آخر من المعارضة المسلحة للقول إنه من المفترض أن يتنحى دينج عن منصب نائب رئيس الوزراء بمجرد عودة مشار، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لانقسام المعارضة المسلحة إلى جناحين، الأول تابع لنائب الرئيس المعين حديثًا دينج، والثاني موالي لمشار، الرئيس المؤسس للمعارضة المسلحة، وهو ما سيقود إلى تجدد المواجهات المسلحة بين الأخيرة والقوات الحكومية في ولاية أعالي النيل «شرق»، وولاية الاستوائية «جنوب»، خاصة أن تمزق المعارضة المسلحة سيصعب من تنفيذ اتفاقية السلام. من جهة أخرى، تعد آلية اختيار سلفا كير لنائبه الجديد مثيرة للنزاعات بحد ذاتها، حيث ينص اتفاق السلام، الذي وقع في أغسطس من العام الماضي، على ضرورة اختيار المعارضة المسلحة في جنوب السودان لنائب الرئيس، بيد أن كير هو من عين الجنرال دينج الذي سبق أن شغل منصب كبير مفاوضي المعارضة وانشق على مشار بعد أن كان حليفًا له، حيث استند سلفا كير على اختفاء مشار لدفع المعارضة لاختيار نائب رئيس جديد، رغم أن اتفاقية السلام لا تمنح الحق في تعيين نائب جديد إلَّا في حال خلو المنصب بسبب الوفاة أو تغيير الانتماء السياسي أو عدم الأهلية، وهي أسباب لا تتوفر في مشار. خطوة رئيس جنوب السودان ينظر إليها كثيرون باعتبارها محاولة من الحكومة لإقصاء مشار الخصم الرئيس لسلفا كير من منصبه، حتى تخلو الساحة السياسية من وجود معارضة حقيقية، ليتسنى للحكومة تنفيذ ما تراه مناسبًا من اتفاق السلام. ويرى مراقبون أن سلفا كير قد ينجح في تقسيم المعارضة المسلحة من خلال هذا التعيين، لكنه من الصعب عليه تحقيق السلام خاصة أن غالبية مسلحي المعارضة موالون لغريمه مشار، مما قد يرجع جنوب السودان إلى المربع الأول وتجدد اشتعال الحروب القبلية فيها، خاصة أن هناك أنباء تتردد عن ازدياد الضغط الداخلي على الرئيس سلفا كير للتنازل عن منصب رئاسة الدولة، وهو أمر يقف خلفه بقوة أبناء سلفا كير نفسه، خصوصًا بعد تدهور حالته الصحية أخيرا، ونصيحة الأطباء له بالتزام الراحة التامة وعدم التعرض لأي ضغوط، الأمر الذي قد يبقي جنوب السودان في حالة من الفراغ السياسي، مما يصعب من مهمة السيطرة على الأجنحة المسلحة فيه.