الجمعة العظيمة: محاكمة وصلب المسيح وختام أسبوع الآلام    محافظ شمال سيناء يفتتح المسجد الكبير في الشيخ زويد    السفيرة مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    «جولد بيليون»: سوق الذهب يترقب بيانات الوظائف الأمريكية.. والبنوك المركزية تشتري 16 طنا خلال مارس 2024    أسعار الفاكهة في الأسواق اليوم الجمعة 3-5-2024    محافظ المنوفية: 47 مليون جنيه جملة الاستثمارات بمركز بركة السبع    وزير التنمية المحلية يعلن بدء تلقى طلبات التصالح على مخالفات البناء اعتبارا من الثلاثاء المقبل    رئيس جهاز مدينة العبور يتفقد شوارع وأحياء المدينة ويوجه بالتواصل الدائم مع المواطنين    نائب وزير التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    الأمم المتحدة: التوغل في رفح الفلسطينية يمكن أن يكون "مذبحة"    مؤسسات الأسرى: الاحتلال اعتقل 53 صحفيا منهم 43 بعد السابع من أكتوبر    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    موعد مباراة الاتفاق والفيحاء اليوم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    بمشاركة متسابقين من 13 جنسية.. وزير الشباب والرياضة يطلق إشارة بدء فعاليات ماراثون دهب الرياضي للجري    ضبط 300 قضية مخدرات و 70 قطعة سلاح نارى    الأمن العام يضبط قضايا اتجار النقد الأجنبي ب 33 مليون جنيه    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    أحمد زايد يوقع أحدث كتبه فى جناح مؤسسة العويس بمعرض أبو ظبى    الشارقة القرائي للطفل.. تجربة واقعية لقصة ذات الرداء الأحمر    عبد السلام فاروق والاحتفاء بكتاب المسرح الشعري بالجناح المصري بمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    أستاذ أمراض القلب: الاكتشاف المبكر لضعف عضلة القلب يسهل العلاج    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    إطلاق مسابقة شبابية لدعم الابتكار وريادة الأعمال في مجال الصحة والسكان بالجامعات    أحمد السقا: التاريخ والدين مينفعش نهزر فيهم    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا وإصابة 6 أشخاص    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    المطران شامي يترأس خدمة الآلام الخلاصية ورتبة الصلب وقراءة الأناجيل الاثنى عشر بالإسكندرية    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    الليلة.. تامر حسني يحيي حفلا غنائيا بالعين السخنة    عاجل - المواد الداجنة: سعر الفراخ البيضاء والحمراء اليوم الجمعة "تراجع كبير".. لدينا اكتفاء ذاتي    «اللهم احفظنا من عذاب القبر وحلول الفقر وتقلُّب الدهر».. دعاء يوم الجمعة لطلب الرزق وفك الكرب    «أمانة العامل والصانع وإتقانهما».. تعرف على نص خطبة الجمعة اليوم    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    استشاري يكشف علامات ضعف عضلة القلب وأسبابه    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    رغم المقاطعة.. كوكاكولا ترفع أسعار شويبس جولد (صورة)    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا .. ماذا حدث و ماذا بعد محاولة الانقلاب؟
نشر في البديل يوم 26 - 07 - 2016

طويلة كانت ليلة الجمعة، التي وافقت الخامس عشر من يوليو الجاري، حين فوجئ العالم علي اخبار انقلاب عسكري يحدث في تركيا، دبابات تظهر في الشوارع، و اشتباكات بين الوحدات العسكرية المتمردة و بين نظائرها النظامية، و قصف للبرلمان و مقر المخابرات العامة، و مقاتلات حربية تحلق علي ارتفاعات منخفضة في العاصمة انقرة و مدينة اسطنبول، وعاصمة سيطر عليها المتمردون، و رئيس ظهر تلفزيونياً عبر رسالة وجهها للشعب التركي من تطبيق "فيس تايم" يدعوهم فيها للنزول الي الشوارع لدعم الشرعية و مواجهة الإنقلاب، كان ذلك قبل أن يعلن طلبه اللجوء إلي ألمانيا.
و لكن سرعان ما فشلت محاولة الإنقلاب لأسبابِ عدة سنفندها كلِ علي حِدَة، وعاد الرئيس التركي أردوغان إلي مطار إسطنبول لتظهر مئات التحليلات و تكثر التساؤولات حول حقيقة ما جري، و ماهية ما سيأتي، كيف ستبدوا تركيا من الداخل بعد الإنقلاب، و كيف ستؤثر دينامية تطوراتها السياسية و العسكرية علي الإقليم و صراعاته الدموية.
1. ما الذي كان يجري في تركيا قبل الإنقلاب؟
قبل الخوض في الإنقلاب كحدث، و استقراء توابعه علي الأصعدة المختلفة، يجب الوقوف أمام محطات زمنية هامة و التي مهدت بشكل كبير لما شهدته تركيا ليلة الجمعة الموافق الخامسر عشر من يوليو الماضي.كانت تشير تلك المحطات بوجود حراك ما على الساحة التركية، بلغ ذروته مع بدء تحرك الوحدات العسكرية المتمردة ليل الجمعة
تعطيل أردوغان تشكيل حكومة ائتلافية بعد فشله في تحقيق الغالبية لحزب " العدالة و التنمية" منتصف العام الماضي، ودعوته إلى انتخابات مبكرة في نوفمبر من العام ذاته، انتهت باستعادة "حزب العدالة والتنمية" السيطرة على الحكم و لكن النتائج لم تمنح أردوغان الغالبية الضرورية لتعديل دستوري يريد من خلاله فرض النظام الرئاسي.
التغيير الملحوظ في سياسة تركيا الخارجية التي ظهرت عبر ثلاثة مواقف
الاول : إعتذار تركيا الرسمي لروسيا علي اسقاط الأولي لقاذفة "سوخوي 24" في نوفمبر من العام الماضي، بعدما أصر أردوغان شخصياً علي عدم تقديمه لأية اعتذرات إلي روسيا حيال ما حدث.
الثاني: اتفاق التطبيع بين تركيا وإسرائيل دون رفع الحصار عن غزة بعد قطيعة دامت 6 أعوام، أعلنت تركيا تفاصيل توصلت إليه مع اسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما. و تضمن اتفاق التطبيع عدم رفع تركيا دعاوى ضد مسؤولين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية مقتل 9 أتراك في الهجوم الإسرائيلي على السفينة الإغاثية التركية آفي مرمرة في 31 مايو عام 2010 علي أن إسرائيل ستدفع نحو 20 مليون دولار تعويضات لضحايا "سفينة مرمرة" التركية، كما اتفق الجانبان على دخول قافلة مساعدات تركية إلى قطاع غزة الجمعة المقبلة، بحمولة 10 آلاف طن.
"تلتزم تركيا بألا تعمل حماس ضد دولة إسرائيل من أراضيها"، بالإضافة إلى أن تعود "الدولتان للتعاون الأمني والاستخباري".من بنود مسودة الاتفاق ايضاً : "تركيا تتنازل عن بند رفع الحصار عن قطاع غزة مقابل السماح لتركيا بإرسال معدات ومساعدات إنسانية عن طريق ميناء إسدود بعد الخضوع للفحص الأمني الإسرائيلي ويبدأ الاتفاق ببند: "تركيا وإسرائيل تعودان لعلاقات طبيعية بما فيها إعادة السفراء، زيارات ودية، وعدم عمل أي طرف ضد الآخر في المؤسسات الدولية". ويختتم ببند: "إسرائيل وتركيا تبدآن مفاوضات لمد خط غاز من آبار الغاز في إسرائيل، وتركيا مهتمة بشراء غاز إسرائيلي وبيعه في أوروبا. جاء التطبيع التركي الاسرائيلي متزامناً مع انتهاج الخارجية التركية انعطافة تجاة سوريا، عسكت رغبة تركيا في ترميم علاقاتها المنهارة كما عادت العلاقات المصرية التركية الي التوتر و التلاسن بعد تصريحات اردوغان الاخيرة عقب نجاته من الانقلاب و التي ناهض فيها النظام المصري، كما عرقلت مصر في الامم المتحدة ادانة الانقلاب الاخير.
انهيار نظرية "صفر مشاكل"
يؤمن بأن النجاح على الساحة الدولية يجب أن يستند إلى قوة مستمدة من سياسة داخلية ناجحة..يعتبر من القلائل الذين استطاعوا الجمع بين سيرة أكاديمية جامعية وتجربة سياسية ناجحة تقريبا.إنه البروفسور في العلاقات الدولية و وزير الخارجية التركي الاسبق احمد داوود اوغلو. تتلخص نظريته "صفر مشاكل" في السياسة الخارجية في مزج المبادئ بالبراغماتية، أي تبني خيارات مبدئية صحيحة دون أن يؤثر ذلك على السعي لتحقيق المصلحة العليا للبلاد، أي التوازن بين السياسة الخارجية القائمة على المبادئ وتحقيق المصالح الوطنية بشكل ذكي، أي تصفير المشاكل مع جيران تركيا.
رحبت تركيا بما يسمي "الربيع العربي"، ضد التسلط، وأشادت خصوصا بما حدث في مصر عام 2011 وإزاحة نظام الرئيس السابق حسني مبارك بوسائل سلمية، إلا أن الأحداث تسارعت على نحو مدمر في ليبيا وسوريا واليمن.وأصبحت سوريا العقدة الكبرى، خاصة أنها كانت من أولى الدول التي طبقت معها سياسة "صفر مشاكل"،.وبالأفكار نفسها، قدمت تركيا مباركتها لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا،أما في مصر لم ترفض تركيا فحسب الحراك الشعبي و العسكري في 3 يوليو من العام 2013، و الذي أطاح بجماعة الاخوان المسلمين من المشهد السياسي، وانتهجت تركيا سياسة عداء شديدة مع مصر، بدت واضحة في تصريحات المسؤولين الاتراك و في المحافل الدولية التي شاركوا فيها.
كما تصاعدت وتيرة الاحداث التركية الروسية بعد حادثة اسقاط قاذفة السوخوي، و من جانب اخري توترت الاوضاع مع جارة تركيا "أرمينيا" في حرب قرة باغ الاخيرة، و وصلت تركيا بذلك
بعد انفجار قوة داعش، تصاعد الحديث عن دعم تركيا للتنظيم، كما واجهت تركيا اختبارا صعبا بعد غزو داعش لمناطق واسعة من غرب وشمال العراق، وكشفت الأحداث النقاب عن هزال الموقف التركي من جرائم داعش، وخاصة بعد ان احتلت داعش مدينة تلعفر، وهي أكبر تجمع سكاني للتركمان في العراق، وقامت بطرد سكانها، وارتكبت الفظائع. وكذلك الحال بالنسبة لحصار بلدة آمرلي التركمانية لقد كتب وقيل الكثير حول علاقة تركيا بالمنظمات الارهابية وخاصة داعش، وتسربت أرقام عن عدد الذين مروا من تركيا لينضموا الى داعش، حوالي (10-12) الف مسلح، وبصرف النظر عن دقة هذا الرقم، فانه مؤشر على تواطئ كبير، ان لم يكن تعاونا منظما مع القوى المسلحة العاملة في كل من سورية والعراق. فقد أكدت مصادر عديدة بأن خمسون جهاديا أجنبياً يدخلون يومياً إلى سوريا والعراق عبر تركيا للانضمام إلى التنظيمات المسلحة، حتى باتت طرق محددة في تركيا تعرف باسم "طريق الجهاد، فضلاً عن الدور التركي في عمليات شراء و تهريب النفط العراقي و السوري من تنظيم داعش الارهابي و الذي اشارنا إليه في تقرير سابق لنا من هنا".
كان شعار تصفير المشاكل في الواقع خطابا دبلوماسيا نظريا اكثر مما هو برنامج عمل، ولقد تكشفت حقيقة هذه السياسة مع بدء انتفاضات الربيع العربي. لقد جنحت السياسة التركية الى جانب فصائل اسلامية محددة، وخاصة تلك التي تنتمي الى جماعة الإخوان المسلمين العالمية، مما وترت علاقتها مع مصر. فمنذ بدء انتفاضات الربيع العربي انتجت السياسة التركية مشاكل جديدة، فباتت على خلاف شديد مع أكبر دولتين عربيتين هما مصر والمملكة العربية السعودية، انهارت تلك النظرية التي لم تكن فقط عامود السياسة الخارجية التركية فحسب بل كانت النموذج الذي سوقه حزب العدالة و التنمية و فشل في تحقيقة و آل بالبلاد إلي مشاكل مع جميع الجيران. تنامي الحزام الكردي النامي بطول الشريط الحدودي الشمالي السوري مع تركيا، و دعم الروسي و الامريكي للكيانات الكردية المسلحة، و التي باتت قريبة من التركبية الكردية داخل تركيا، الامر الذي هدد الأمن القومي التركي في الصميم و دفع بتركيا إلي حد التهور و الذي بدا واضحاً عليها فيما يخص الصراع في حلب و القصف المتقطع للاكراد في شمال العراق و سوريا.
الصحافة التركية دأبت خلال الأسابيع الماضية على نشر لوائح تتضمن أسماء ضباط كبار مرتبطين بما يسمّى "الكيان الموازي"، والمقصود به الشبكة المرتبطة بالداعية الإسلامي فتح الله غولين، وسط حديث عن امكانية انعقاد مجلس الشورى العسكري لاتخاذ قرار بشأنهم.
كانت تلك ابرز المؤشرات التي زادت الاجواء اضطراباً حتي جائت محاولة الانقلاب الفاشلة الاخيرة .. ف كيف حدث الانقلاب؟
2. كيف حدثت محاولة الانقلاب الفاشلة؟
بداية، و قبل الخوض في دينامية محاولة الانقلاب الاخيرة، يجب أولا تسليط الضوء علي الجيش التركي ووضعه في الحياة السياسية التركية.ثاني أكبر جيش في الناتو بعد نظيره الأميركي، يبلغ عدد قواته نحو 670 ألفا، وتقدر ميزانيته بنحو 18 مليار دولار، ويحتل بذلك الرتبة 15 عالميا على مستوى الإنفاق العسكري.عرفت عقيدته العسكرية تحولا جذريا بعد مجيئ حكومة رجب طيب أردوغان، حيث تحول من حام للعلمانية إلى مدافع عن المواطنين الأتراك ضد التهديدات الخارجية.
حامي العلمانية
يعتبر الجيش التركي من أقدم الجيوش في العالم، عرف تحولا مفصليا في أدواره إبان فترة حكم مصطفى كمال أتاتوركالذي برز جنرالا قويا ومنتصرا مع رفاقه العسكر الذين صاغوا إطار الحياة السياسية للبلاد، بعقيدته الأتاتوركية، التي تعني حماية النظام العلماني ضد كافة أنواع المخاطر الداخلية والخارجية، وعلى أساس قوي من الشعور القومي الذي كان الجيش رمزا له. وقد التزم جنرالات الجيش بعد وفاة أتاتورك عام 1938 بنفس المبادئ، حيث كان لهم دور أساسي في مجمل المعادلات السياسية خلال فترة حكم عصمت إينونو الذي خلف أتاتورك في رئاسة الجمهورية حتى عام 1950، عندما انتقلت البلاد إلى التعددية الحزبية بإذن من جنرالات الجيش الذين كانوا يعرفون أنهم يملكون القوة الكافية للتدخل عند اللزوم، وضمن هذا السياق نفذ الجيش التركي عدة انقلابات عسكرية، في الأعوام 1960، و1971، و1980، وأخيراً في العام 1997.
القدرات العسكرية
يبلغ عدد جنود الجيش التركي نحو 670 ألفا، وتشكل القوات البرية عموده الفقري، وتضم حوالي 315 ألف فرد، ويعد بذلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو بعد الجيش الأميركي. تتوفر القوات البرية على نحو 4300 دبابة، وحوالي 7550 ناقلة حربية، إلى جانب أنظمة إطلاق صواريخ إلى جانب مجموعة من القواعد العسكرية الجوية التركية.وقد تأسست قواته الجوية عام 1911، وتضم حوالي ستين ألف جندي، ويصل عدد طائراتها إلى أكثر من 900 طائرة بينها طائرات قتال واعتراض، وطائرات هجومية، وطائرات نقل عسكري، وطائرات تدريب، إلى جانب مروحيات هجومية، وطائرات بدون طيار.أما القوات البحرية فتضم نحو 48600 فرد، ولديها 212 سفينة، و51 طائرة، إلى جانب فرقاطات وغواصات بحرية، إلى جانب كاسحات ألغام. يوجد مقر قيادتها قرب مدينة إزمير.
قوات موازية
لدى تركيا خفر للسواحل تأسس عام 1982 ويضم حوالي 5500 فرد، ولديه حوالي 14 طائرة هليكوبتر، وثلاث طائرات حربية.أما قوات الدرك فقد أنشئت عام 1846، وتضم حوالي 276 ألف عنصر، ولديها نحو 1500 عربة وتجهيزات مصفحة وحوالي ستين طائرة هليكوبتر.وحرص الجيش التركي على إنشاء قوات خاصة منذ 1992 وتتبع مباشرة لقائد الأركان العامة. وتضم تلك القوات نخبة الجنود. ويتلقى المرشحون لولوج صفوفها برنامجا تدريبيا قاسيا ومكثفا لمدة ثلاث سنوات.كما اشرنا سابقا عرفت عقيدته العسكرية تحولا جذريا بعد مجيئ حكومة رجب طيب أردوغان، حيث تحول من حام للعلمانية إلى مدافع عن المواطنين الأتراك ضد التهديدات الخارجية.
و تم ذلك من خلال اجراءات عدة جوهرية منها
في العام 2010 التعديلات الدستورية، التي استفتي عليها الشعب التركي في شهر أيلول من ذلك العام، أسقطت مادة الحصانة للانقلابيين "العسكريين"، في حين تم تعديل المادة 35 من قانون الخدمة الداخلية في دستور 81 والذي اطلق عليه اردوغان دستور الانقلابيين، لتنص على أن "مهمة القوات المسلحة تتمثّل فى الدفاع عن الوطن والجمهورية التركية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية، والسعى إلى الحفاظ على القوة العسكرية وتعزيزها، بحيث تشكل قوة رادعة للأعداء، والقيام بالمهمات الخارجية التى تسند إليها من قبل البرلمان التركي، والمساعدة على تأمين السلام العالمي.
– تقليص عدد العسكر داخل مجلس الأمن القومي إلى خمسة مقابل تسعة مدنيين.
– قرارات مجلس الأمن القومي لم تعد ملزمة.
– الأمين العام للمجلس مدني ويتبع لرئيس الوزراء.
– إخضاع تصرفات الجيش لمراقبة البرلمان.
وفي عام 2013، أقر البرلمان التركي تعديلا على عقيدة الجيش يقضي بأن الجيش يدافع عن المواطنين ضد التهديدات الخارجية، وذلك عوضا عن العقيدة السابقة التي تقول إن الجيش يحمي العلمانية في تركيا
إنقلاب تركيا مخطط لم يكتمل
جائت المحاولة الانقلابية ليلة الجمعة، و اتخذت من انقرة و اسطنبول مسرح عملياتي لها.بدأت المحاولة في مساء الجمعة الموافق 15 يوليو عندما أغلقت عناصر من الجيش التركي الخط المتجه من الشق الآسيوي إلى الأوروبي على جسر البوسفور، بينما سارع رئيس الوزراء بن علي يلدرم إلى وصف ما جرى بأنه محاولة انقلابية.بعدها تناقلت وكالات الأنباء أخبارا عن وجود مروحيات عسكرية تحلق في سماء أنقرة، ونقلت عن شهود سماعهم أصوات إطلاق نار بالعاصمة، تلاها تحذير أطلقه رئيس الوزراء من أن المحاولة الانقلابية فاشلة لا محالة، وأنه تم استدعاء كافة عناصر الشرطة، معلنا في تصريحات لمحطة (إن.تي.في) التلفزيونية الخاصة "بعض الأشخاص نفذوا أفعالا غير قانونية خارج إطار تسلسل القيادة.. الحكومة المنتخبة من الشعب لا تزال في موقع السلطة. هذه الحكومة لن ترحل إلا حين يقول الشعب ذلك". نقلت وسائل إعلامية تركية أن جماعة فتح الله غولن هي من تقف وراء المحاولة الانقلابية، بينما سيطر انقلابيون على القناة التركية الرسمية "تي.آر.تي" وأجبروا العاملين فيه على بث بيان تحدث عن تولي السلطة "للحفاظ على الديمقراطية" وأن جميع العلاقات الخارجية للدولة ستستمر وأن "السلطة الجديدة" ملتزمة بجميع المواثيق والالتزامات الرسمية. كما تعهد بإخراج دستور جديد في أٌقرب وقت. بعد ذلك أعلن مصدر بالرئاسة أن البيان الذي صدر باسم القوات المسلحة لم يكن مصرحا به من قيادة الجيش.
بتزامن مع بث بيان الحركة الانقلابية، وقع حدث مفصلي تمثل في خروج الرئيس على إحدى الفضائيات عبر تطبيق بالتواصل الاجتماعي دعا انصاره للنزول إلى الشوارع والميادين والمطارات رفضا للانقلاب العسكري وفي الوقت الذي كان الانقلابيون يعلنون نجاحهم في السيطرة على مفاصل الدولة، تناقلت وسائل الإعلام الدولية تصريحات لمسؤولين أتراك يؤكدون فيها أن الرئيس والحكومة المنتخبين ديمقراطيا لا يزالان على رأس السلطة. وكان لافتا التفاف القوى السياسية التركية المعارضة حول الحكومة في رفضها للانقلاب. وعلى سبيل المثال، ذكر زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كليجدار أوغلو أن تركيا عانت من الانقلابات "وسندافع عن الديمقراطية". وشكل وصول الرئيس أردوغان إلى إسطنبول فجر يوم 16 يوليو/تموز 2016 طيا لصفحة الانقلاب، حيث تجمع حوله الآلاف في المطار، وقال في مؤتمر صحفي بمطار أتاتورك إن منفذي المحاولة الانقلابية مجموعة ممن يكرهون تركيا ويتلقون أوامرهم من بنسلفانيا، في إشارة إلى زعيم الجماعة فتح الله غولن المقيم هنالك.وأكد أن المحاولة الانقلابية جاءت قبيل اجتماع لمجلس الشورى العسكري الذي كان مقرَّرًا أن يتخذ عددا من القرارات الحاسمة.وينعقد اجتماع مجلس الشورى العسكري مرتين سنويا، ويختص في الفصل بالترقيات والعزل في الجيش، وكانت تسريبات أشارت إلى أن الاجتماع سيعمل على عزل نحو أربعمئة ضابط متوسط الرتبة وإحالتهم إلى التقاعد.
كما أُعلن عن تحرير رئيس الأركان خلوصي آكار من قبضة الانقلابيين الذين اعتقلوه مع بداية الانقلاب.
لماذا فشل الانقلاب؟
كانت محاولة انقلاب غريبة تنتمي للقرن العشرين وانهزمت أمام تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين و بضع المئات من انصار الرئيس التركي. فعندما حاول "مجلس سلام" صممه عناصر من الجيش لأنفسهم الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته التي أخذت سلطويتها في التزايد مساء يوم الجمعة بدا أن الجنرالات والضباط المتمردين يقاتلون بعقلية حرب سابقة فغاب عن الإنقلاب اللتفاف المؤسسة العسكرية التركية حول رجل واحد، بارز و له شعبية كبيرة وسط الاوساط العسكرية و الشعبية. فالأمر اقتصر، على بعض الشخصيات العسكرية من الصف الثاني وما دون، مثل المستشار القانوني لرئيس الأركان العقيد محرم كوسا، الذي وصف بأنه العقل المدبر للانقلاب، والقائد السابق لسلاح الجو الجنرال آكين أوزتورك، وقائد الجيش الثاني أدم حدوتي، وقائد الجيش الثالث اردال اوزتورك.
غياب بنك الأهداف السياسي للانقلاب، و كان ذلك عبر فشل الانقلابيين في اعتقال أي شخصية سياسية بالبلاد، و خاصة شخصيات حزب العدالة و التنمية. كما ان الانقلابيين تصرفوا خارج تسلسل القيادة العسكرية وبالتالي افتقروا للموارد الكافية للسيطرة على مواقع السلطة الرئيسية، و منها الاستحواذ علي غالبية القوة المدرعة و التي تعد عصب تلك العمليات. حيث ظهر تأثير عدم الإستحواذ علي غالبيتها في تمركز هشّ و ضعيف، و قليل للوحدات العسكرية المتمردة. بيد أن اقتصر التحرك و ديناميته العسكرية في نزول بضع دبابات للسيطرة على مطار اسطنبول، واقفال جسري البوسفور، والاستيلاء محطة التلفزيون الرسمية، إلى جانب بعض التحركات الاستعراضية التقليدية في الشوارع، وتحليق طائرات ال"أف 16′′. علي علو منخفض.
انقلاب عقلية الحرب القديمة تغفل اهمية و ثورية الاتصالات الحديثة
استخدم إردوغان – الذي اتهم مرارا بالتدخل في وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزيون – تكنولوجيا الاتصالات الحديثة بفطنة لإيصال رسالته للجماهير البالغ عددهم نحو 80 مليونا ليتفوق على تحرك المتآمرين. واستخدم فيس تايم وهو تطبيق فيديو كان على الهاتف الذكي لمراسلة لبث رسالة حية على الهواء على محطة سي.إن.إن ترك وهي محطة تلفزيونية خاصة حاول المتآمرون إسكاتها وفشلوا. وقال في رسالته "دعونا نحتشد كأمة في الميادين… أعتقد أننا سنتخلص من هذا الاحتلال الذي وقع في فترة وجيزة. أنا أدعو شعبنا الآن للنزول للميادين وسنعطيهم الرد الضروري."وقال الرئيس إن المتمردين حاولوا تفجير الفندق الذي كان مقيما فيه في منتجع مرمريس جنوب غرب البلاد. كما دار تبادل لإطلاق النار هناك بين الجنود والشرطة الموالية للحكومة بعد مغادرته.وخلال 20 دقيقة من إذاعة بيان الانقلاب كتب رئيس الوزراء بن علي يلدريم رسائل تدين الانقلاب على تويتر وتؤكد للأتراك أن القيادة العليا للقوات المسلحة لم تساند التمرد. وكانوا بدورهم يحذون حذو العديد من الشخصيات الثورية التي استخدمت تقنيات الاتصال الحديثة وقتها ليكونوا أوسع حيلة من أعدائهم. فمن القس البروتستانتي مارتن لوثر الذي استخدم الصحف المطبوعة في عام 1517 لنشر أطروحاته التي تنتقد الكنيسة الكاثوليكية وصولا إلى آية الله روح الله الخميني الذي سجل أشرطة صوتية نسخت ووزعت في أنحاء إيران لهزيمة الشاه عام 1979.
وفي تركيا تمكن مساعدو إردوغان من إبلاغ وسائل الإعلام التركية والعالمية بأن الرئيس الذي يتولى السلطة منذ 2003 آمن ولم يعتقل حتى في الوقت الذي كان يستولى فيه جنود على محطة تي.آر.تي التلفزيونية.
واستخدم عبد الله جول سلف إردوغان في المنصب تطبيق "فيس تايم" لإعلان تحديه لمدبري الانقلاب على محطة "سي.إن.إن تورك" وتحدث رئيس الوزراء السابق احمد داود أوغلو إلى تلفزيون الجزيرة عبر الهاتف ليصف محاولة الاستيلاء على السلطة بالفشل.
وشابهت الأحداث التركية محاولة الانقلاب ضد الديمقراطية الناشئة في اسبانيا عام 1981 التي دبرها مجموعة من الضباط المتمردين الذين اقتحموا البرلمان لكنهم فشلوا في الفوز بدعم عسكري كاف بعدما خطب الملك خوان كارلوس في شعبه بالزي العسكري وحث الناس على تأييد الدستور.
وكما حدث في الانقلاب السوفيتي الفاشل عام 1991 اعتمد زعماء الانقلاب التركي على مجندين قليلي الخبرة ربما لم يبلغوا بالحقيقة بشأن مهمتهم أو لم يتوقعوا مواجهة مقاومة شعبية واختفوا سريعا أو استسلموا.
كما فشل الانقلابيين في السيطرة علي دور الاعلام او قطع الاتصالات و عزل باقي شخصيات الحكومة عن سائر الشعب و اتخاذ القرار
غياب تنسيق الانقلابيين مع اي من القوي السياسية لخلق الظهير السياسي و الشعبي لاتمام عملية الانقلاب
وهو ما اتضح في الموقف الملفت من قبل أحزاب المعارضة الثلاثة – "حزب الشعب الجمهوري" (علماني)، "الحركة القومية" (قومي)، و"حزب الشعوب الديموقراطي" (كردي) – التي أجمعت على رفض الانقلاب على الديموقراطية
لم يهيء الانقلابيون الإخراج الإعلامي المناسب لتحرّك على هذا القدر من الخطورة، فلم يحضّروا على سبيل المثال، وكما درجت العادة، ضابطاً، ولو برتبة متدنّية، لقراءة البيان رقم واحد عبر التلفزيون الرسمي، بل تركوا الأمر لمذيعة تبيّن لاحقاً أنها قرأت بيان الانقلاب مرتجفة تحت تهديد السلاح.
بدا البيان رقم واحد نفسه باهتاً، إذ لم يحو أي طابع ايديولوجي واضح، برغم استحضاره العبارات الانقلابية التقليدية، وهو ربما يعكس تسرّعاً في إعداده، أو رغبة من قبل الانقلابيين في عدم صبغ تحركهم بأي هوية محددة، سواء علمانية أو دينية.
عدم القبض او تصفية الرئيس التركي و الذي بحسب الاندبندت البريطانية تعرضت طائرة إلي الاقفال الرادراي من قبل مقاتلات تابعة للنقلابيين، و الاقفال الرداري هنا مفاده في العلوم العسكرية قدرة المقاتلات علي تدمير الطائرة تماماً و مرافقيها من باقي المقاتلات و هو ما يتم بصورة مربكة عاظمت من حجم التساؤولات حول حقيقة الانقلاب الاخير.
كان الأمر أشبه بما حدث في تشيلي في عام 1973 أو أنقرة في عام 1980 أكثر منه أمر يحدث في دولة غربية حديثة عام 2016.
هذا فضلاً عن اعتماد اردوغان علي ثلاثة عوامل اخري كانت في صفه و عطلت إلي حد كبير عمليات تمكين الانقلابيين
الاعتماد على الفرق الخاصة من الشرطة التركية وقوات مكافحة الشغب لحماية النظام، بدلاً من الاتكال حصراً على المؤسسة العسكرية، وهو تبدّى بالفعل ليلة الانقلاب الفاشل، حين أخذت قوات الأمن على عاتقها مهمة اعتقال الضباط والجنود المتمردين.
بناء ظهير شعبي قوي، أمّن له سلسلة انتصارات انتخابية طوال فترة حكمه، التي صار فيها المجتمع التركي منقسماً بشكل حاد بين نصف مؤيد لأردوغان ونصف آخر معارض له، وهو ما سمح له ليل الانقلاب بتحريك الحشود بغرض التصدي للتمرد العسكري.
تشكيل فرق شبه عسكرية Paramilitary، على الطريقة "الإخوانية" المعروفة، كميليشيات شعبية يمكن الاعتماد عليها لمواجهة أي عمل انقلابي، أو على الأقل تأخير مفاعيله.
وهو ما ظهر في الصور التي وضحت اشخاص ب "لحي" يرتدون زي الشرطة و يقومون بالقبض علي الجنود و قادة الجيش المتورطين.
3. شخصيات محورية في الانقلاب
هاكان فيدان:
في اليوم التالي ل "ليلة الانقلاب التركي" الفاشل سطع نجم شخصية يفترض أن تبقى في الظل رغم دورها الرئيسي والمحوري في تركيا، فبعيد الإعلان عن إحباط الانقلاب بدأ المهتمون بنبش تاريخ الرجل الذي وصفه "إيمري أوسلو"، الخبير في شؤون الاستخبارات بأنه "أقوى كثيرا من أي وزير" في تركيا، والحديث عن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان".
ف "هاكان" الذي يصفه البعض ب "ثعلب تركيا"، نسبت إليه جهات عدة فضل إحباط الانقلاب ليلة الجمعة 15 تموز يوليو، ووصفته تقارير إعلامية بأنه "الجندي المجهول"، الذي تمكّن بحنكته من إفشال الانقلاب ضد الرئيس أردوغان، وادعت وسائل إعلامية أنه صاحب فكرة توجه أردوغان بالحديث إلى الشعب التركي بشكل مباشرا مطالبا إياه بمقاومة الانقلاب عندما "اتصل في اللحظات الأولى للانقلاب بأردوغان ليقول له: سنقاتلهم حتى الموت أنت أنزل إلى الشارع وابق مع الشعب". إلا أن مأخذا كبيرا يمكن أن يؤخذ على رئيس الاستخبارات التركية، وهو أن حجم الاعتقالات التي نفذت بشبه الانقلاب تشير إلى خلل في عمل جهاز الاستخبارات التركية، علما أن معارضين لأردوغان يعتبرون أن الرجل استغل الإنقلاب الفاشل ليكتم أنفاس جميع معارضيه مرة واحدة وإلى الأبد، وهو ما يبرر حملة الاعتقالات الواسعة خصوصا بين القضاء والمدعين العامين، ويضعون "فيدان" ملفاته الاستخباراتية الجاهزة وراء الفعالية العالية في تنفيذ الاعتقالات و "اختيار معارضي أردوغان.
وتشير الألقاب التي أطلقها الأتراك على هاكان إلى أهمية وخطورة دوره في هذا البلد، فالرجل يحمل لقب "حافظ أسرار أردوغان"، وقد أطلق أردوغان بنفسه هذا الوصف أو اللقب على الرجل.وبالإضافة إلى "حافظ أسرار أردوغان" يلقب "فيدان" ب "يد أردوغان الضاربة"، كما يلقبه الأتراك أحيانا ب "السكين"، واكتسب في اليومني الماضيين لقبا جديدا وهو "منقذ أردوغان".وتعتبر تقارير إعلامية الرجل رائد إصلاح جهاز المخابرات التركية، وأن وجهاز الاستخبارات التركية شهد في عهده نقلة نوعية كبيرة، فانتقل من جهاز مترهّل محاط بالخلافات الداخلية من كل اتجاه، إلى أحد "أقوى" وأنجح أجهزة المخابرات في الاقليم.
تفيد التقارير الإعلامية التركية إلى أن "فيدان" تمكن من إدخال تعديلات كبيرة في تكوين جهاز المخابرات، وأقنع أردوغان بتجميع جميع أجهزة المخابرات في الخارجية والأمن والجيش تحت جهاز المخابرات العامة تحت قيادة مركزية بإدارته، الأمر الذي أزعج الأوساط في الأمن والجيش.وربما يرجع لقب "يد أردوغان الضاربة" إلى كون "فيدان" عنصراً أساسيا في معركة أردوغان ضد "الكيان الموازي" ولدوره في تنفيذ الأجندة السياسية والإقليمية التي يتبناها أردوغان.كما كان "السكين" رأس حربة أردوغان في سعيه إلى اتفاق مع حزب "العمال الكردستاني"، وإنهاء عقود من الحرب مع الأكراد في جنوب شرقي البلاد.
رئيس الاركان التركية خلوصي آكار
"طلبوا مني خلال تواجدي في قاعدة أقنجي الجوية، أن أوقّع على بيان الانقلاب وأتلوه، لكنني رفضت ذلك، ثمّ بدؤوا بقراءته أمامي، فاستمعت على البيان بسخرية."بهذه الكلمات تحدث رئيس الاركان التركي لوكالة الاناضول التركية، و الذي احتجزه الانقلابيون اثناء محاولتهم الاخيرة.ولفت آكار وفقا للوكالة التركية إلى "ثقته بأن منفذي محاولة الانقلاب الفاشلة ينتمون إلى منظمة الكيان الموازي الإرهابية، مشيراً أن محاولتهم هذه، جاءت عقب إدراكهم بعزم مجلس الشورى العسكري الأعلى في اجتماعه المقبل، على تطهير بنية الجيش من وجودهم."منذ عام 2015، اختار مجلس الشورى العسكري التركي الأعلى، برئاسة رئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو، قائد القوات البرية الفريق الأول خلوصي آكار رئيسا لأركان الجيش التركي، خلفا لرئيس الأركان السابق نجدت أوزال.
ويعتقد بعض المحللين أن رفض رئيس هيئة الأركان في الجيش التركي، خلوصي آكار (64 عاما) للانقلاب ساهم في تقليم أظافر الانقلابيين ووأد العملية في مهدها، ومنع معها بذلك تأييد الرتب العسكرية الأخرى الحاسم عادة في الانقلابات العسكرية.وبحسب مصادر تركية، يعد آكار أحد أهم الجنرالات المقربين والموثوقين بالنسبة للحكومة التركية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.ولطالما انتدب لحضور أهم الاجتماعات العليا على المستوى العسكري مع الحلفاء، وكان آخرها اجتماعات قيادات التحالف الدولي ضد "داعش"، سواء التي أجريت مع أصدقاء تركيا الإقليميين، أو مع القيادات العسكرية الأميركية.
4. تركيا .. ماذا بعد الانقلاب
لعل محاولة الانقلاب الاخيرة التي قام بها المتمردون اظهرت التناقضات و الاستقطابات الحادة و العميقة داخل المجتمع و الجيش في تركيا و التي لم تمنع تركيا من الدفع بتأثيراتها في التفاعلات المركبة للشرق الاوسط و تطوراته.
كما يجب الوقوف ملياً امام حصيلة اجراءات الحكومة التركية الحالية و السياسات الاردوغانية ان صح التعبير بعد محاولة الانقلاب الاخيرة و التي يمكن من خلال استقراء ملامح تركيا
عزل 9 آلآف شرطي
عزل 3آلآف من القضاة و اللقاء القبض علي بعضهم منهم قضاة في المحكمة الدستورية العليا
عزل 1500 موظف من وزارة المالية
اعتقال 9آلآف فرد من الجيش التركي من بينهم ثلث قادة الجيش، بإجمالي مائة جنرال و اميرال
ابعاد 257 من العاملين في رئاسة الوزراء
اغلاق 24 محطة راديو و تلفزيون
تسريح أكثر من 15 الف من العاملين في وزارة التعليم
إغلاق اكثر من 1500 جامعة و أكاديمية تعليمية
بدا واضحاً أن فشل محاولة الانقلاب العسكري على حكم الرئيس رجب طيب أردوغان ليلة الجمعة 15 يوليو سوى مقدمة لتسريع عملية الانقلاب المدنى التى بدأها أردوغان نفسه قبل عامين منذ أن قرر ترك رئاسة الوزراء ليتم انتخابه رئيسا فى نظام سياسى مازال يعطى لرئيس الوزراء فى مقابل رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة!
منذ ذلك الحين أي عامين واصل أردوغان إجراءاته غير الديموقراطية وعزز ذلك نجاح حزبه فى تشكيل الحكومة بعد إعادة الانتخابات العام الماضى ليمضى الرجل غير مباليا بالانتقادات الحادة التى تعرض لها داخليا وخارجيا، كما تمكن من استخدام ورقة اللاجئين بنجاح فى مناورة دول الاتحاد الأوروبي وهو ماجعل بعض المراقبين يتوقعون إنقلابا عسكريا قريبا
إن محاولة الانقلاب الفاشلة ألزمت تركيا إلي الارتداد إلي الداخل، و حسم العديد من التناقضات و الامور الخاصة بالعلاقات المدنية العسكرية و سيطرة كلامهما علي المؤسسات.
بالعودة إلى الحالة التركية فقد فشلت المحاولة الانقلابية لكن لايعنى هذا سوى أن تركيا إما دخلت فى حلقة مفرغة من الانقلابات العسكرية المتوالية والعنف السياسى والاغتيالات التي قد تطال كبار مسئوليها وعلى رأسهم أردوغان نفسه أو أنها دخلت فى مرحلة سيطرة مدنية ولكنها غير ديمقراطية من خلال تأسيس ديكتاتورية أرودغانية تجهز تماما على مستقبل الديموقراطية والتعددية.
الاحتفاء المبالغ فيه بسرديات من قبيل "وعى الشعب التركى الذى رفض الانقلاب" أو "تعلم أردوغان الدرس للعودة إلى الديمقراطية" أو "نهاية عصر الانقلابات العسكرية فى تركيا" غير دقيق وقد يعبر عن أمنيات طيبة ولكنها تتجاهل طبيعة الصراعات السياسية الصفرية والتي لا مجال فيها لحلول وسط أو تفاهمات وتعتمد بشكل أساسى على التخلص من الخصم بأسرع وقت وبلا هوادة لأن هذا الخصم لو نجا سيقوم بدوره من الانتقام وهكذا
فرص نجاة الديمقراطية تصبح ضئيلة للغاية طالما تحرك الجيش من ثكناته بهدف السيطرة على السلطة بغض النظر عن فشل أو نجاح هذا التحرك، وهذه خبرة مهمة للمنشغلين بمستقبل الديمقراطية نظريا أو عمليا ليعرفوا أن العلاقات المدنية المدنية تكون فى الكثير من الأحيان أهم بكثير من الانشغال بالعلاقات المدنية العسكرية، لأن نجاح الأولى شرط لنجاح الثانية، أما فشل الأولى فلا يعنى سوى المزيد من التدهور الديمقراطى سواء كان ذلك على يد مدنيين أو عسكريين لأن النتيجة فى النهاية واحدة ألا وهى انفتاح باب الصراعات الصفرية الانتقامية.
اما خارجياً فتتمثل توابع محاولة الانقلاب الفاشلة في شئ واحد " تأجيل مشروع العثمانية الجديدة"، الذي ورط تركيا في مستنقع من الصراعات الدبلوماسية و المناوشات العسكرية مع الجيران.
كما أن الحديث عن امكانية طرد تركيا من حلف الناتو يبدوا غير واقعياً، إذ تشكل تركيا عقدة استراتيجية بالنسبة للادبيات الجيوسياسية الروسية، و طردها يعني هزيمة للمعسكر الاوروبي و الغربي عامة في واحدة من اعقد و اهم النقاط الاستراتيجية في جنوب اوروبا و منطقة الشرق الاوسط. و سيحصد الروسي ثمار نصر استراتيجياً بلا حرب فعلية.
التطورات الإقليمية وحالة السيولة السياسية في المنطقة، ودخول روسيا على خط الأزمة السورية، قد تدفع أنقرة للحفاظ على وتوثيق علاقاتها مع محيطها الإقليمي. فبعد الشروع في تطبيع العلاقة مع روسيا، وإنهاء الخلاف مع إسرائيل، وقبل ذلك وقف تدهور العلاقة مع إيران التي رغم اتساع البون بينهما سياسيا، فثمة ما يجمعهما في الملف السوري، أهمها منع تأسيس دولة كردية.
و هذا يدفعنا الي الاعتبار ان تركيا قد تشهد تقارباً مع المحور الشرقي "الروسي الايراني"، بالتزامن مع التوتر الشديد بينها و بين الولايات المتحدة الامريكية لعدة اسباب اهمها " غولن". و اوروبا لعدة اسباب منها سلطوية الحكومة التركية ومسألة اللاجئين
فيما يخص العلاقة مع حماس، فقد تحافظ تركيا على دعمها المعنوي للقضية الفلسطينية، لكن دون أن يثير ذلك حساسية إسرائيل، خاصة بعد توقيع المصالحة، والتي تضمنت التزام إسرائيل بدفع 21 مليون دولار تعويضات لأسر ضحايا السفينة مرمرة، وتخفيف الحصار عن غزة وليس كسره أو رفعه تماماً مقابل السماح لأنقرة باستكمال مشروعات بنية تحتية في قطاع غزة – محطة لمعالجة المياه ومحطة لتوليد الكهرباء وبناء مستشفى-.
في هذا السياق العام تبدو السياسة الخارجية التركية مرشحة للتغير، وبخاصة ما يتعلق بالأزمة في سوريا فضلا عن إعادة قراءة طبيعة العلاقة المصلحية والتاريخية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، بعد خذلانهما أنقرة، والذي ظهر في دعم الأولي لأكراد سوريا، واعتراف ألمانيا بالإبادة الأرمينية وتمرير البرلمان الفرنسي مقترح قانون يعاقب من ينكر هذه الإبادة. في المقابل تسعى أنقرة إلى توظيف تصالحها مع موسكو وتل أبيب لاستعادة التبادل التجاري المميز مع البلدين وضخ النشاط في قطاع السياحة فضلا عن إدراك أنقرة أهمية التعاون مع موسكو لحل الأزمة في سوريا والتلاقي مع إسرائيل لترميم العلاقة مع واشنطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.