تعتبر ثورة يوليو واحدة من الثورات التي غيرت شكل التاريخ المصري، وحولت مصر من دولة ملكية إلى جمهورية، لكن المتتبع لتاريخ الثورة يجد دائمًا أن هناك جنودًا مجهولين ساهموا بشكل أو بآخر في نجاحها، لكنهم لم يلقوا نصيبهم من التقدير، سواء الإعلامي أو حتى التاريخي، رغم أنهم لعبوا دورًا لا يقل خطورة عن دور قائد الثورة جمال عبد الناصر. وسنسرد هنا مثالين فقط لضابطين شاركا في الثورة، لكنهما لم ينالا حقهما في التقدير على دورهما المشرف، وهما جمال حماد ويوسف صديق. جمال حماد "كاتب بيان الثورة" واحد من الذين لعبوا دورًا هامًّا في نجاح ثورة يوليو، وهو من كتب بيان الثورة الذي ألقاه السادات عبر الإذاعة، حيث كان شاهدًا على أحداث الثورة الأولى منذ بدايتها. ولد حماد بالقاهرة في العاشر من مايو عام 1921. تخرج في الكلية الحربية عام 1939، دفعة المشير عبد الحكيم عامر وصلاح سالم وصلاح نصر النجومى. ذاع صيته قبل الثورة بما كان ينشره من مقالات ودراسات عسكرية وإبداع شعري، كما أنه كان تواقًا إلى التعليم؛ لذلك التحق بكلية أركان الحرب، وحصل على ماجستير العلوم العسكرية عام 1950، ثم حصل على بعثة قادة الألوية من كلية أركان الحرب بالاتحاد السوفييتي عام 1959. وذكر حماد في مذكراته عن ثورة يوليو أن عبد الناصر طلب منه كتابة بيان الثورة؛ نظرًا لأنه كان صاحب إنتاج أدبي ولديه قدرة على توصيل ما يريده الضباط الأحرار إلى الشعب والجيش، موضحًا أنه كتب بيان الثورة في نصف ساعة فقط، وعرضه على عبد الحكيم عامر وعبد الناصر، فوافقا عليه، إلا أن نجيب عدل فيه جزءًا بسيطًا، ثم ألقى السادات البيان. وأوضح أن الفترة التي دب فيها الخلاف بين مجلس قيادة الثورة والرئيس محمد نجيب، والتي كان من نتائجها تقديم نجيب لاستقالته وتراجعه عنها؛ نتيجة الضغط الشعبي، ثم سحب جميع صلاحياته، كانت فترة غير مستقرة غلب عليها طابع الشك تجاه أي شخص، مشيرًا إلى أنه كان من المؤيدين لاتجاه "نجيب" لعودة الجيش إلى ثكناته؛ مما جعله ضمن القائمة السوداء لعبد الناصر؛ لتتوالى الأحداث بعد ذلك، ويتم الإطاحة بنجيب وكافة المؤيدين لذلك، وعلى رأسهم حماد. تولى "حماد" بعد ذلك عدة مناصب مختلفة، فعين ملحقًا عسكريًّا في سوريا، لبنان، الأردن، العراق، فمديرًا للقيادة المصرية السورية المشتركة، ثم قائدًا لمنطقة العريش العسكرية، بعدها محافظًا لكفر الشيخ والمنوفية، كما أنه ألف العديد من الكتب، منها "23 يوليو أطول يوم في تاريخ مصر"، "الحكومة الخفية في عهد عبد الناصر"، "من سيناء إلى الجولان"، المعارك الحربية على الجبهة المصرية". يوسف صديق "البكباشي المنسي" ولد في 3 يناير عام 1910 بقرية زاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطي في بني سويف. تخرج في الكلية الحربية عام 1933, وشارك في الحرب العالمية الثانية أثناء معاركها القائمة بالصحراء الغربية بجانب حرب 1948، حيث نجح في احتلال نقطة مراقبة بين المجدل وأسدود، وأطلق على المنطقة التي احتلها شريط يوسف صديق. يعتبر "صديق" أحد العناصر الرئيسية في نجاح ثورة يوليو، فلولاه لفشلت حركة الضباط الأحرار، حيث اتفق مجلس قيادة الثورة على القيام بحركته في الساعات الأولى من صباح 23 يوليو، وتحديدًا في الثانية عشرة صباحًا، ثم عاد عبد الناصر، وعدل موعد الانطلاق؛ ليكون في الواحدة، ولم يتم إخباره بهذ الموعد، وفضل عبد الناصر انتظاره في الطريق العام هو وعبد الحكيم عامر لإخباره، وما إن خرج يوسف صديق من معسكره "الهايكستب"، حتى فوجئ باللواء عبد الرحمن مكي قائد الفرقة باقترابه من المعسكر فاعتقله. كما اعتقل الأميرالاي عبد الرؤوف عابدين قائد ثاني الفرقة الذي كان في طريقه للسيطرة على معسكر الهايكست، بعد كشف خطة حركة الضباط الأحرار، فاعتقله هو الآخر، وفي طريقه قبض رجاله أيضًا على عبد الناصر وعامر وهما يرتديان زيًّا مدنيًّا، فعرفهما صديق، وهنا أخبره عبد الناصر بموعد التحرك الحقيقي، لكنه لم يلتزم بأوامره؛ لأنه خرج من مقر كتيبته، ولم يعد أمامه سوى إكمال طريقه واحتلال مبنى قيادة الجيش، حيث لم يعلم أحد من الضباط الأحرار في هذا الوقت أنهم انكشفوا، وأن الملك فاروق كلف قيادة الجيش باتخاذ الإجراءات المضادة لإجهاض الحركة. أكمل "صديق" طريقه إلى مبنى القيادة، وأعد خطة لاقتحامها، وهناك دارت معارك بسيطة، سقط خلالها 2 من جنود الثورة وحارسان للمبني، وهناك ألقي القبض على الفريق حسين فريد قائد الجيش, والأميرالاي حمدي هيبة وضباط آخرين أحدهم برتبة عقيد وآخر غير معروف، رافعين منديلًا أبيض؛ ليصبح صديق صاحب الفضل في نجاح حركة الضباط وثورة يوليو 1952. الضابطان سالفا الذكر هما مثالان بسطان لشخصين لعبا دورًا محوريًّا في أحداث الثورة، لكن التاريخ لم يعطهما حقهما، ولم يعلم أي شخص دورهما، وإذا نقبنا في التاريخ سنجد أن هناك أحداثًا كان وراءها شخصيات اختارت أن تؤدي دورها في صمت، ولم تبحث عن مجد أو شهرة، واختاروا لقب "أبطال في طي النسيان".