يعد العصر العباسي ذهبيا للعلماء المسلمين، حيث برز فيه قامات كبيرة منهم في مختلف مجالات العلوم أدلى كل منهم بدلوه في مجاله وساهم بعلمه في إضافة لبنة جديدة إلى حضارة بنو العباس، واستفادت أوروبا بعد ذلك بهذا العلم واستخدمتها كلبنة أولى في بناء حضارتها، ونسلط الضوء على بعض العلماء الذين برز نجمهم في هذه الحقبة من التاريخ، تاركين إرثرًا فكريًا للأجيال التي قدمت بعدهم. جابر بن حيان أول من استخدم الكيمياء عمليًا في التاريخ لذلك أطلق عليه لقب أبو الكيمياء، وهو المؤسس الأول لعلم السموم، حيث اكتشف بعض السموم وقدم طرق مختلفة لحماية الإنسان منها، امتهن العطارة وخصص في منزله معمل صغير كان يقوم فيه بكل تجاربه الكيميائية وفيه اكتشف العديد من الأحماض واختراع آلات تساعده في العمل، فضلًا عن كتابة أغلب مؤلفاته به، وقال عنه الفيلسوف الإنجليزي "فرنسيس بيكون"، إن جابر بن حيان أول من علم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء، وبلغ عدد مؤلفات "بن حيان" التي وصلت إلينا 54 مؤلفًا. الحسن بن الهيثم يعتبر ابن الهيثم واحدا من أشهر علماء الفيزياء في عصره، حيث اكتشف ظاهرة انكسار الضوء وهي باختصار انحراف الصورة عن مكانها حال مرور الأشعة الضوئية من وسط معين إلى وسط غير متجانس معه، كما أنه مهد الطريق لاستخدام العدسات في معالجة عيوب الإبصار عن طريق بحوثه فيها، ويعد الأول في تقديم وصف دقيق لأجزاء العين والطريقة التي تتم بها عملية الرؤية عن طريق الضوء المنبعث من الأجسام إلى العين، ليدحض بها نظرية بطليموس التي اعتمدت على أن الرؤية تتم بواسطة الأشعة المنبعثة من العين على الأجسام المختلفة، ولابن الهيثم مؤلفات عديدة في مختلف العلوم منها المناظر، الجامع في أصول الحساب، حساب المعاملات، شرح أصول إقليدس في الهندسة. أبو الريحان البيروني صاحب إسهامات كبيرة في علوم الفلك والجغرافيا والرياضيات والفلسفة والصيدلة، وأطلق عليه المستشرقون لقب "بطليموس العرب"، وله الفضل في تحديد خطوط الطول والعرض بدقة متناهية، كما أنه سبق جاليليو في اكتشاف ما إذا كانت تدور الأرض حو محورها أو لا، وتوصل إلى أن القمر جسم معتم وعاكس للضوء وأن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت وله العديد من المؤلفات التي اعتمد عليها الغرب في بداية عصر نهضته الحديثة، وسنذكر منها على سبيل المثال لا الحصر في التاريخ كتاب تصحيح التواريخ، والآثار الباقية عن القرون الخالية، وفي الفلك قانون المسعودي في الهيئة والاستشهاد باختلاف الأرصاد، وفي الرياضيات كتاب الأرقام، وفي الفلسفة كتاب مفتاح علم الهند وجوامع الموجود في خواطر الهنود. أبو بكر الرازي له الفضل في تأليف كتب ذات قيمة كبيرة في مجال الطب، وتمكن من تقديم شرح مفصل لأمراض الأطفال والنساء والولادة والأمراض التناسلية وجراحة العيون وأمراضها، ومبتكرخيوط الجراحة المعروفة بالقصاب، وأول من صنع مراهم الزئبق، وأحد رواد البحث التجريبي في الطب، حيث أجرى التجارب على الحيوانات، كالقرود، فكان يجرب الدواء عليها، فإذا وجد تأثير إيجابي له طبقه على الإنسان، كما أنه اهتم بمتابعة المرض وتسجيل تطوراته، حتى يتمكن من ملاحظة الحالة، وتقديم العلاج الصحيح لها، واستفاد من تحليل الدم والبول والنبض لتشخيص المرض، كما أنه تبنى فكرة العلاج بالدواء المفرد "طب الاعشاب والغذاء" وعدم اللجوء إلى الدواء المركب إلا في الضرورة، وهو أول من فرق بشكل واضح بين الجدري والحصبة، وتمكن من وصف هذين المرضين وصفا دقيقًا مميزًا بالعلاجات الصحيحة. ابن سينا كان ابن سينا عالما وطبيبًا وفيلسوفا وشاعرا وأطلق عليه لقب أمير الأطباء وأرسطو الإسلام، وله العديد من الإنفرادات الخاصة به في مجال الطب فهو أوَّل من اكتشف الدودة المستديرة أو دودة الإنكلستوما قبل الطبيب الإيطالي روبنتي بأكثر من ثمانمائة سنة، أوَّل من وصف مرض الجمرة الخبيثة وسماها "النار المقدسة"، أول من وصف بدقة السكتة الدماغية، كما أنه اكتشف أنواع معينة من المخدرات تعطى للمريض قبل إجراء العلميات الجراحية له، فضلًا عن أنه اكتشف بعض العقاقير المنشطة لحركة القلب، وله اسهامات في علم النبات فقد أجرى مقارنات بين جذور النباتات وأوراقها وأزهارها، إلى جانب إسهامه في علم الفيزياء بوضعه القانون الأول للحركة وسبق في ذلك نيوتن بأكثر من 6 قرون وجاليلو بأكثر من 5 قرون. الشريف الإدريسي أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي الهاشمي القرشي يمتد نسبه إلى الإمام علي رضي الله عنه، مؤسس علم الجغرافيا وأول من رسم خريطة للأرض، حيث قضى 15 عاما في إنجازها، أول من حدد اتجاهات الأنهار والبحرات، ودرس المرتفعات والجبال، أول من حدد أيضًاً مصدر نهر النيل، وكان خبيرًا بالبحار وحركة تياراتها، ومن أشهر مؤلفات الإدريسي، كتاب "المشتاق في اختراق الآفاق" الذي استخدم كموسوعة جغرافية كانت مرجعاً لعلماء أوروبا طوال 3 قرون، وكرمته وكالة "ناسا" بإطلاق اسمه على سلسلة جبال في كوكب بلوتو الذي يبعد عن الأرض بحوالي 5 مليارات كيلو متر، وتدور حوله 5 أقمار. كما شهد العصر العباسي ظهور علماء أجلاء في اللغة والأدب والشعر منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي في علم النحو والعروض، وعمرو بن الجاحظ في الأدب والبلاغة والأصمعي في الأدب واللغة، بجانب الإمام بن ثابت الكوفي المعروف بأبي حنيفة والقاضي أبي يوسف في علم الفقه، ومن شعراء العصر أبو العتاهية والعباس بن الأحنف وأبو تمام الطائي والبحتري والمتنبي والشريف الرضي.