«عندما توليت السلطة كنا نبحث عن المصريين ولكنهم لا يأتون.. حكامهم لم يهتموا بإفريقيا وبنهر النيل أو بزيارة دول المنبع بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر» كانت هذه التصريحات لرئيس أوغندا يوويري موسيفيني، في منتصف عام 2013 والتي عبرت عن ما بداخل شعوب القارة السمراء، من استياء تجاه الفراغ المصري الواضح وعدم الاهتمام بإفريقيا، وهو ما استغلته دول إقليمية أخرى لترسم خطوات مستقبلية لتنمية القارة، وتأخذ منها انطلاقة استثمارية في ضوء مساعي هذه الدول لتعزيز تواجدها ونفوذها الإقليمي؛ نظرًا لكون القارة منطقة استراتيجية مهمة، بها الكثير من الثورات الطبيعية، وتعتبر من أهم مصادر الطاقة في العالم قديمًا وحديثًا، فضلًا عن خصوصيتها الجغرافية، التي تحاول القوى الدولية الاستفادة منها لتحقيق أهدافها السياسية. وفقًا للأرقام والتقارير، فتعد القارة السمراء واجهة أغلب الدول الاقتصادية والسياسية في الفترة الراهنة، حيث تخطى حجم الاستثمار الأجنبي في إفريقيا والمساعدات الأجنبية التي تلقتها من تلك الدول منذ عام 2005، وأصبحت الاستثمارات قوة دافعة جديدة للقارة، علاوة على ذلك انخفض عدد الإفريقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بشكل متواصل في السنوات الثلاث الماضية، بينما تنمو الطبقة المتوسطة، مما يجعل القارة تشكل سوقًا استهلاكيًّا واعدًا. تركيا تغزو القارة السمراء هذا الاستغلال كان واضحًا في جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى إفريقيا، التي تعد الثالثة في أقل من عامين وشملت أوغنداوكينياوالصومال، بعدما قام في أواخر فبراير وأوائل مارس، بجولة شملت ساحل العاج وغانا ونيجيريا وغينيا، وكذلك زار إثيوبيا وجيبوتي والصومال في عام 2015. الجولة التي اندرجت ضمن سياسة تركيا لتعزيز تواجدها ونفوذها الاقتصادي بالقرة السمراء، وقعت خلالها اتفاقيات عديدة، حيث وقَّعت الصومال مع تركيا تسع اتفاقيات تتعلق بمشاريع تنمية، كما افتتح أردوغان المبنى الجديد لسفارة بلاده، كما وقع ثلاث اتفاقيات ثنائية مع كينيا بغرض تعزيز التعاون والتبادل التجاري، كما وقَّع اتفاقيات مع أوغندا أيضًا في مجالات السياحة والدفاع والتربية. غزو القارة الإفريقية من قِبَل انقرة بتعهدات التنمية ومزيد من الاستثمار، كان له تأثير إيجابي على الملف السياسي والأمني أيضًا، حيث بدا واضحًا أن التحركات التركية في القارة الإفريقية، لا تستهدف التعاون الاقتصادي فقط، بل استهدفت أيضًا توسيع نفوذ أنقرة السياسي على الصعيد الدولي، ومحاولة البحث عن دور جديد في مناطق إقليمية أخرى، وذلك بعد الخسائر التي لحقت بأنقرة في العامين الماضين إثر توتر العلاقات مع روسيا وباقي جيرانها، مثل مصر وسوريا وأرمنيا وقبرص واليونان، واعتمدت أنقرة في تحركاتها على عدد من الدول الإفريقية ذات الأهمية الاستراتيجية، كان أبرزها الصومال وإثيوبيا وجيبوتي، إذ عمدت أنقرة بالفترة الأخيرة إلى التوقيع على اتفاقيات أمنية مع أديس أبابا وجيبوتي ومقديشو. الكيان الصهيوني يقتحم القارة الإفريقية باستثمارته وتتزامن تحركات تركيا ورئيسها على الصعيد الإفريقي مع نشاط مواز من قِبَل الكيان الصهيوني في إفريقيا، حيث يخوض رئيس وزراء الاحتلال بينامين نتنياهو جولة إفريقية تشمل دول حوض النيل «إثيوبيا ورواندا وأوغنداوكينيا» في مسعى للكيان لتوطيد علاقاته بالقارة السمراء. وقال نتنياهو في وقت سابق: إن الجولة الإفريقية تهدف إلى تحسين العلاقات مع القارة الإفريقية، خاصة في القضايا الأمنية، مؤكدًا أن هناك اهتمامات وقضايا وتحديات مشتركة، معربًا عن رغبته في التعاون في إطار المنظمات الدولية لا سيما الأممالمتحدة، كما عرض التعاون في مواجهة ما يصفه ب«الإرهاب». وتهتم إسرائيل بصورة واضحة بزيارة نتنياهو لإثيوبيا، حيث تصف العلاقات بين الكيان الصهيوني وأديس أبابا بإنها استراتيجية بفضل العدد الهائل من المستثمرين الإسرائيليين في مجالات الزراعة والري والأمن والسياحة، حيث يحظى هؤلاء بدعم وحماية النظام الحاكم هناك، فيما يتواجد جالية يهودية كبيرة في إثيوبيا «يهود الفلاشا». ووصفت سفيرة إسرائيل بأديس أبابا بيلاينش زفاديا، زيارة رئيس وزراء الاحتلال إلى أديس أبابا بالأولى من نوعها على هذا المستوى، وقالت: إنها «ستوسع علاقة البلدين القديمة في التجارة والاستثمار»، مضيفة أن وفدًا تجاريًّا واستثماريًّا إسرائيليًّا كبيرًا سيرافق نتنياهو، واصفة أديس أبابا «بالشريكة الاستراتيجية» لتل أبيب، مشيرة إلى أن السفارة الإسرائيلية بإثيوبية «ظلت ولا تزال تبذل جهودًا لجعل رجال الأعمال يشاركون في الاستثمار بإثيوبيا في الزراعة والعلوم والتكنولوجيا والصحة، وغيرها من القطاعات»، زاعمة أن 140 ألف إسرائيلي من أصل إثيوبي. من جانبه قال المدير العام لشؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإثيوبية سراج رشيدك إن زيارة رئيس الوزارء الإسرائيلي إلى بلاده، ستبحث سبل تعزيز التجارة والاستثمار والقضايا الإقليمية والدولية، ورجح أن ترافق نتنياهو حوالي 40 شركة «ضخمة عابرة للحدود» مشيرًا إلى أن الزيارة «ستعزز روابط البلدين الاقتصادية». على صعيد آخر تشمل الجولة الإفريقية ثلاث دول أخرى من حوض النيل، الذي تمثل دوله بشكل عام أهمية استراتيجية بالنسبة للكيان، بحسب الصحف العبرية، حيث يلعب دورًا غير مباشرًا في صراع المياه بين تلك الدول استفادة من نفوذه الكبير في دول مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا. وتأتي هذه الجولة في ظل مساعى إسرائيلية للانضمام للاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، حيث ستقوم رواندا باستضافة القمة الإفريقية المقبلة، التي ستعقد خلال شهر يوليو المقبل، التي قال عنها رؤوفين ريفلين: إنه يرغب في أن يحصل الكيان الصهيوني خلالها على عضوية «الاتحاد الإفريقي» بصفة «مراقب» من أجل تعميق الحوار والعلاقات بينها وبين دول القارة الإفريقية.