تشهد ليبيا مؤخرًا انقسامات طولية تشمل النظم السياسية والاقتصادية والعسكرية، وانقسامات عرضية تطال الشعب الليبي نفسه؛ بسبب تعدد الحكومات في ليبيا. وفي ظل هذه الانقسامات الحادة تم إطلاق عملية "البنيان المرصوص"، والتي تهدف للقضاء على داعش. عملية البنيان المرصوص بدأت القوات الموالية لحكومة الوفاق منتصف مايو الماضي عملية عسكرية، أطلقت عليها اسم "البنيان المرصوص" ضد تنظيم داعش الإرهابي في منطقة شمال وسط ليبيا، وجاء تنفيذ العملية بأوامر من غرفة العمليات العسكرية التي شكلها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس، وكان داعش قد سيطر على مدينة سرت، التي تقع شرقي العاصمة طرابلس بشكل كامل منذ يناير 2015. عقبات العملية العسكرية في ليبيا يبدو أن قرارات المجلس الرئاسي "المدعوم دوليًّا" المتعاقبة، وعلى رأسها إعلانه تأسيس "حرس رئاسي"، ستعيد البلاد لمرحلة الانقسام الأولى، خاصة أن تركيبة المجلس الرئاسي المؤلفة غالبيتها من موالي التيار الإسلامي الذي يصر على استبعاد القائد العام للجيش الفريق خليفة حفتر من المشهد السياسي، بالإضافة لوضوح مكونات "الحرس الرئاسي" من مقاتلي مجلس مصراتة العسكري (غرب ليبيا)، وهما عاملان يشيران بوضوح لبقاء الوضع في ليبيا على ما هو عليه من الانقسام، ناهيك عن دخول عامل جديد وهو دعم دول كبرى على رأسها بريطانيا وإيطاليا لأحد أطراف الصراع من خلال شرعية المجلس الرئاسي المعني من قِبَل الأممالمتحدة. كما أن محور الخلاف بين المجلس الرئاسي في طرابلس ومجلس النواب في طبرق لا يزال قائمًا حول وضع قيادة الجيش؛ فمجلس النواب علق موقفه إزاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، التي تعرض منصب القائد العام للجيش خليفة حفتر للزوال، وبالتالي يستمر رفض المجلس منح ثقته لحكومة المجلس الرئاسي، بل عرقلة الأخير عن العمل من خلال استمرار تعليق "علي القطراني وعمر الأسود" المواليين لمجلس نواب طبرق عضويتهما في المجلس الرئاسي. ومثلت تصريحات الفريق "حفتر" مؤخرًا إعلانًا صريحًا لرفض قرارات المجلس الرئاسي، بل وجوده من أصله، فقد اتهم "حفتر" المجلس الرئاسي بتعاونه مع "الميليشيات" التي يضعها في "سلة واحدة من الإرهابيين". يذكر أن حفتر رفض تعيين العقيد المهدي البرغثي، وهو أحد قادة عملية الكرامة، على رأس وزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني. ويقع مجلس النواب تحت ضغط المجتمع الذي لا يهمه بقاء "حفتر" أو مغادرته بقدر اهتمامه بمواصلة إنجاز الاتفاق، ومنح الحكومة كأحد أهم مخرجاته الثقة، وذلك للحصول على غطاء سياسي لمواجهة خطرين كبيرين في ليبيا، ممثلين في "الإرهاب" وأبرز مجموعات "داعش والقاعدة"، و"الهجرة غير الشرعية" التي باتت ليبيا أحد أهم منطلقاتها باتجاه الشواطئ الجنوبية لأوروبا. وحتى الآن يتمسك المجلس الرئاسي الليبي باستبعاد حفتر من أي عملية عسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يعمق الأزمة الليبية، وخاصة في الجزء المتعلق بالعملية العسكرية ضد داعش، ما يقلل من الزخم العسكري للعملية، حيث شددت غرفة عمليات البنيان المرصوص في وقت سابق على أنهم في غرفة العمليات يتبعون فقط المجلس الرئاسي ل "حكومة الوفاق"، ولا يعترفون بأي قيادات عسكرية غير منضوية تحته. المدنيون والألغام والقناصة على الرغم من وقوع مواجهات عنيفة بين القواتالموالية لحكومة الوفاق وداعش خلال اليومين الماضيين قرب البوابة الغربية لمدينةسرت، إلاأن الألغام التي يزرعها داعش تعوق تقدم القوات الموالية لحكومة الوفاق، حيث تسعى الكتائب العسكرية المشتركة في العملية إلى تطويق سرت، ثم دعوة السكان إلى مغادرة المدينة قبل أن تدخلها تلك القوات. كما لفت عضو المركز الإعلامي لغرفة عمليات "البنيان المرصوص" أبو بكر المصراتي إلى أن سبب التقدم البطيء لقوات عملية البنيان المرصوص "هو انتشار القناصة والمقاتلين التابعين لتنظيم داعش في أماكن عالية، والسيارات المفخخة التي تتعامل معها القوات في الميدان والسلاح الجوي. عقبات على الصعيد الخارجي طالبت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا المجتمع الدولي بالإسراع في تسليمها السلاح؛ لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث تعهدت الدول الكبرى بتقديم المساعدة في تدريب الجيش الليبي، ورفع حظر توريد السلاح المفروض على ليبيا منذ عام 2011. ونفى المتحدث باسم غرفة عمليات "البنيان المرصوص" المصراتية الليبية، التابعة للمجلس الرئاسي العميد محمد الغصري، وصول أي دعم دولي لقواتهم، سواء بالأسلحة أو المعدات، مشيرًا إلى أن أكبر العقبات التي تواجه المقاتلين في محاور القتال هي الألغام التي زرعها التنظيم على طول الطريق من سرت إلى أبوقرين. وقال الغصري إن دعمًا ماليًّا تم تقديمه من المجلس الرئاسي لغرفة العمليات يقدر ب 52 مليون دينار ليبي. إنجازات العملية العسكرية أحرزت قوات حكومة الوفاق الوطني، بمساندة كتائب الثوار الموالية لها، تقدمًا ملحوظًا في محاربة داعش، وتمكنت من تحرير الوشكة والهيشة وزمزم وأبونجيم ومدينة أبوقرين شرق مصراتة، كما استعادت مناطق ونقاط تفتيش ومراكز حدودية تابعة للتنظيم، وتحركت في اتجاه المعقل الرئيسي للتنظيم في مدينة سرت التي تقع على بعد 140 كيلومتر شرقي مدينة أبوقرين، وأعلن الجيش الليبي المدعوم من كتائب الثورة انتهاء المرحلة الأولى من عملية "البنيان المرصوص" بوصول قواته وتمركزها على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة سرت الساحلية مقر تنظيم داعش، حيث أعلنت قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية، الأربعاء الماضي، فرض سيطرتها على المحطة الكهربائية الواقعة على مسافة 23 كم غرب وسط مدينة سرت، وتعتبر المحطة الكهربائية أهم خطوط دفاعات "داعش" الاستراتيجية؛ لمنع قوات "البنيان المرصوص" من التقدم وتطويق مدينة سرت معقل التنظيم الرئيسي. وفي وقت سابق هذا الأسبوع تمكنت قوة حرس المنشآت النفطية، التي تحرس مرافئ نفط رئيسية في شرق ليبيا، من انتزاع السيطرة على بلدتين صغيرتين من يد تنظيم داعش الإرهابي. وأعلن المركز الإعلامي لعملية «البنيان المرصوص»، أمس الخميس، عن سقوط طائرة مقاتلة بعد تنفيذ سلسلة غارات جوية «ناجحة» على مواقع تمركز تنظيم «داعش» في سرت. كما قتل الأحد سبعة عناصر من قوات عملية البنيان المرصوص، وأصيب 25 آخرون، في اشتباكات قرب سرت، وتقدمت هذه القوات من محور وادي جارف نحو ثلاثين كيلومترًا جنوب سرت، وأكدت أن خسائر تنظيم داعش تقدر بعشرات القتلى والجرحى. ويرى مراقبون أن ما دفع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى استبعاد فرضية التدخل العسكري في ليبيا والوثوق في حكومة الوفاق الوطني هو إنجازات حكومة الوفاق في الميدان العسكري.