لم يمضِ يومان على تكليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لرئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلدرم البالغ من العمر 60 عاما بتشكيل الحكومة الجديدة، حتى أعلن الأخير عن تشكيل حكومته الجديدة، في خطوة سريعة تبدو وكأن التشكيلة الحكومية كانت معدة سلفًا، وجاء انتخاب يلدرم، الذي كان يشغل سابقا منصب وزير النقل، بعد استقالة رئيس الوزراء السابق داوود أحمد أوغلو من منصبه إثر خلاف مع أردوغان. التشكيلة الوزارية أعلن رئيس الحكومة التركية الجديدة بن يلدرم في مؤتمر صحفي بالقصر الجمهوري بالعاصمة أنقرة أمس الثلاثاء، عن أسماء التشكيلة الوزارية للحكومة الجديدة، بعد عرضها على رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وتصديقه عليها، حيث أوكل يلدريم حقيبة الخارجية لمولود جاويش أوغلو، وحقيبة الاقتصاد إلى نهاد زيبكشي، والدفاع لفكري أشيك، والداخلية إلى أفكان آلا، وشؤون الاتحاد الأوروبي لعمر شليك، وتسلم حقيبة الثقافة والسياحة،ناجي أوبي، وحقيبة وزارة التربية تسلمها عصمت يلماز، وحقيبة وزارة التنمية تسلمها لطفي ألوان، حقيبة وزارة البيئة والتطوير العمراني تسلمها محمد أوزهسكي، وأصبحت فاطمة بتول صيان، المرأة الوحيدة في الحكومة الجديدة، وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية. وبرغم موافقة أردوغاناليوم على الحكومة الجديدة، إلا أنها لن تتولى عملها مباشرة وإنما ستقوم بإعداد برنامجها التنفيذي وطرحه على البرلمان لتمريره، وغالبا سيتم تمرير برنامجها، حيث تحتاج الحكومة إلى تصويت نصف أعضاء البرلمان لتمريره، وهي الحصة التي يمتلكها الحزب الحاكم الذي سيمرر الحكومة دون الحاجة للحصول على دعم من أحزاب المعارضة المختلفة. توجهات الحكومة يرى مراقبون بأن الحكومة التركية الجديدة جاءت على مقاس أردوغان، فجميع وزرائها يعتبرون من الشخصيات المقربة منه وعملوا معه خلال السنوات الماضية، بل إن بعضهم عمل معه منذ أن كان رئيسا لبلدية إسطنبول. ولا يختلف كثيرون بأن الأجواء التي تم بموجبها تعيين يلدريم سيترتب عليها مسارات تحكم آلية عمله، فيلدريم يعلم جيدا أن تغريده خارج سرب أفكار ورغبات أوردغان قد يطيح به من رئاسة الوزراء، فهو ليس أفضل حالا من سلفه أوغلو الذي تم الإطاحة به من قبل أردوغان، على الرغم من المكانة التي يحظى بها أوغلو كفيلسوف ومنظر لحزب العدالة والتنمية، ويرى مراقبون أن أردوغان باختياره ليلدريم قطع الطريق لأي محاولة لتغريد خارج سربه، فيلدرم الحليف المقرب من اردوغان قد دعا عقب انتخابه رئيسا للحزب لتحول الحكم في بلاده إلى النظام الرئاسي، كما دعا يلدرم لوضع دستور جديد للبلاد قائلا، إنه الوقت قد حان "لتحويل الوضع القائم فعليا إلى وضع قانوني". أولويات وتحديات الحكومة الجديدة هناك ثلاثة ملفات مهمة تشكل أولوية وتحديًا في نفس الوقت للحكومة التركية الجديدة، وتتركز هذه الملفات تحث ثلاث عناوين عريضة، بدء العمل لصياغة دستور جديد يعتمد النظام الرئاسي، ومحاربة "الإرهاب"، والعمل على الإصلاحات الاقتصادية. صياغة الدستور الجديد ويبدو أن الملف الأول المتعلق بصياغة الدستور قد بدأ بالفعل بمجرد تعيين يلدرم في هذا المنصب، خاصة بعد الإطاحة بأوغلو الذي حامت الشكوك حوله بأنه كان رافضًا للتحول من النظام البرلماني للرئاسي، حيث وعد يلدرم بالعمل لإصلاح نظام الحكم في البلاد وإعادة صياغة الدستور، كما اعتبر أن انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب يعني أن النظام نصف الرئاسي قد تفعل في تركيا. الملف يحمل الكثير من التحديات في الداخل التركي، كموقف حزب «الحركة القومية» المعارض، الذي أشار النائب عنه عثمان شكير، إلى أنّ اعتماد النظام الرئاسي «سوف يخلق أوجاع رأس جديدة»، معرباً عن ثقته بأن أردوغان ليس جادّاً في طرحه. محاربة الإرهاب ملف الإرهاب يعد من الملفات الشائكة في تركيا، خاصة بأنه يضع الحكومة التركية في مواجهة مباشرة مع الأكراد من جهة، والتنظيمات الإرهابية كداعش التي تشير تقارير إعلامية أن أنقرة دعمتها لاستغلالها في الحرب الدائرة في سوريا. وفي السياق المتعلق بالشأن الكردي حدث تطور لافت في الحكومة الجديدة، حيث تم تغيير يالتشن أكدوغان مساعد رئيس الوزراء الذي كان مسؤولا عن ملف الأكراد، مما قد يشير إلى تغير السياسة التي ستتبعها الحكومة الجديدة في التعامل مع الملف الكردي والتطورات الأمنية في جنوب شرقي تركيا، يذكر أن حزب العمال الكردستاني يصنف كمنظمة إرهابية على لوائح التركية. الملف الاقتصادي حافظ الاقتصاديون على مقاعدهم في التشكيلة الوزارية الجديدة، حيث بقي محمد شيمشيك نائبا لرئيس الوزراء مكلفا بالاقتصاد، كما احتفظ وزير المالية ناجي أغبال بمنصبه أيضا، كما احتفظ بيرات البيرق صهر أردوغان بحقيبة الطاقة، في مخالفة للتوقعات التي أشارت إلى احتمال توليه حقيبة الاقتصاد الأكثر أهمية في البلاد، وذلك في مسعى للحفاظ على ثقة المستثمرين والأسواق، خاصة بعد الهبوط الذي عانت منه الليرة التركية أثر الهزة التي أحدثها تنحي داود أوغلو والمخاوف من الاضطراب السياسي في البلاد. ويرى مراقبون أن ملف الاقتصاد مرتبط بعدة متغيرات نتيجة لما تعانيه تركيا من أزمة أمنية وخاصة مع حزب العمال الكردستاني، وعدم وجود بوادر حقيقية للحل السياسي في سوريا، بالإضافة لخلافاتها الجانبية مع دول مؤثرة اقتصاديًا كروسيا، الأمر الذي سيلقي بظلاله الثقيلة على الاقتصاد التركي.