يشهد الحال العربي في الذكرى ال 68 لنكبة 1948 تدهورًا مستمرًّا تجاه القضية الفلسطينية، فالمسؤولية التاريخية التي يتحملها العرب تجاه النكبة تبعتها مجموعة من الانتكاسات والأخطاء القاتلة التي زادت من فداحة النكبة. تاريخ النكبة حرب 1948 كانت نتيجة مباشرة لقرار الاستعمار البريطاني الانسحاب من فلسطين وإيكال أمرها إلى الأممالمتحدة، التي أصدرت بدورها تحت ضغط القوتين العظميين آنذاك الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي القرار رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947، والذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: "دولة فلسطينية" تستحوذ على (45%) من مساحة فلسطين، وتبلغ مساحتها 11,000 كم2، وتقع في الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوبًا حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.. و"دولة يهودية" تستحوذ على (54%) من مساحة فلسطين، وتبلغ مساحتها 15,000 كم2، وتقع في السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب، بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حاليًّا. ومنطقة دولية (1%) من المساحة الفلسطينية تضم القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، وتكون تحت الوصاية الدولية. عندما تم إعلان القرار الأممي بالتقسيم، انسحب المندوبون العرب من الاجتماع، وأعلنوا في بيان جماعي رفضهم للتقسيم واستنكروه، ورفضت الزعامات العربية، باستثناء زعماء الحزب الشيوعي، خطة التقسيم، ووصفتها بالمجحفة في حق الأكثرية العربية التي تمثّل 67% مقابل 33% من اليهود، بعدها اجتمعت الجامعة العربية الناشئة، وأخذت بعض القرارات كان منها إقامة معسكر لتدريب المتطوعين في سوريا؛ لتدريب الفلسطينيين على القتال، وتكوين جيش عربي "جيش الإنقاذ"، وجعلوا عليه فوزي القوقجي، كما تم رصد مليون جنيه لأغراض الدفاع عن فلسطين. في 30 نوفمبر 1947، أي بعد القرار الأممي بيوم واحد، صرّح مناحيم بيجن، أحد زعماء المعارضة في الحركة الصهيونية، عن بطلان شرعية التقسيم، وأن كل أرض فلسطين ملك لليهود، وستبقى كذلك إلى الأبد. وعندما ثار الشعب الفلسطيني بقيادة المفتي أمين الحسيني، رفض جيش الإنقاذ الضعيف التعاون مع الحسيني، وقتها دارت الشبهات حول القوقجي، الأمر الذي جعل الكفة تميل لصالح الصهاينة، خاصة مع فارق التسليح المهول من قِبَل أمريكا وبريطانيا. في بداية الأزمة الفلسطينية رفضت الحكومات العربية التدخل، ولكن بعد تحركات شعبية في الدول العربية كمصر وسوريا، رضخت للضغوط الشعبية، ويرى مراقبون أن الدور العربي وقتها كان ضعيفًا، فالبلاد العربية كانت إما مستقلة حديثًا، أو لا تزال تحت بعض أشكال النفوذ الاستعماري، والجيوش العربية كانت قليلة التدريب والخبرة، فضلًا عن العتاد، ولم تخض حربًا حقيقية قبل ذلك، ناهيك عن أن بلدانًا عربية شاركت في 48 لم تكن تمتلك معلومات كافية عن فلسطين، كالجيش العراقي، الذي جاء للحرب دون خرائط، فالمشاركة العربية وقتها أخذت طابع النزهة العسكرية بمساعدة بلد شقيق، أكثر من كونها معركة تقرير مصير في المنطقة. وعندما بدأت الحرب، أخذت الجيوش العربية في التقدم، الجيش المصري وصل لمنطقة بيت لحم، والأردني وصل اللد والرملة، والعراقي وصل لحيفا، والسوري استولى على عدد من المستوطنات في منطقة طبريا، وفجأة قبلت الأنظمة العربية الهدنة ووقف القتال، وخلال الهدنة التي استمرت شهرًا استقبل الصهاينة الكثير من الدعم من الدول الغربية، علمًا بأن الجيش الصهيوني في تلك الفترة كان عتاده 68 ألف صهيوني مقابل 24 ألف عربي، بالإضافة إلى كونه مدربًا ومنظمًا ومسلحًا. بعد شهر من بدء القتال انسحبت الجيوش العربية فجأة، كالجيش العراقي، والجيش الأردني الذي انسحب بأمر من الملك عبد الله، أما الجيش المصري فتم تزويده بأسلحة فاسدة، وحوصر في الفالوجة، حيث كان متمركزًا في قرية عراق المنشية، وصمد فيها حتى فبراير 1949, حينها سلم الفالوجة إلى الكيان الصهيوني بموجب اتفاقية الهدنة بينه والكيان الصهيوني، غير أن الأخير نقض نصوص الاتفاقية فور توقيعها تقريبًا, إذ أرغم السكان بالإرهاب على مغادرتها في تاريخ لا يتعدى 21 إبريل 1949. نكبة حرب 1967 سلسلة الخذلان العربي للقضية الفلسطينية تابعت تطورها السلبي عام 1967، فالحرب التي نشبت بين الكيان الصهيوني وكل من مصر وسوريا والأردن يونيو 1967 أدت إلى احتلال الكيان الصهيوني لقطاع غزة والضفة الغربية، بالإضافة لسيناء والجولان، وكان من نتائجها المتعلقة بالشأن الفلسطيني تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة، بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدسالشرقية والضفة الغربية. وحتى يومنا هذا لا يزال الكيان الصهيوني يحتلّ الضفة الغربية، كما أنه ضم القدس والجولان لحدوده، وكان من تبعاتها أيضًا نشوب حرب أكتوبر عام 1973 وفصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنيّة، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ «الأرض مقابل السلام» الذي ينصّ على العودة لما قبل حدود الحرب لقاء اعتراف العرب بإسرائيل، ومسالمتهم إياها، رغم أن دولًا عربيّة عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع إسرائيل سياسيّة أو اقتصادية. نكبة المبادرة العربية 2002 في نكبة 48 انسحبت الجيوش العربية من الميدان الفلسطيني، ولكن ظل هناك أمل في العودة وتحرير فلسطين. أما في "نكبة المبادرة العربية" التي أقرت في بيروت، فقد قضى حكام العرب بشكل رسمي على أي أمل لتحرير الأراضي التي اغتُصبت عام 1948م، وصار منتهى أملهم أن يمنحهم الصهاينة ما احتلوه في 5 يونيو 1967م، على أن يمنحهم العرب في مقابله الاعتراف الجماعي و"التطبيع"، واعتبر محللون سياسيون أن مجرد تبني القمة العربيّة المنعقدة في بيروت "مبادرة السلام العربيّة"، هو تقديم تنازل تاريخي مجاني من جانب واحد، فالعرب لم يملكوا القوة اللازمة لفرض المبادرة على الكيان الصهيوني، ما جعل المبادرة تقتصر على رسالة عربيّة جماعيّة للاستعداد للسلام الكامل، بما في ذلك الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني، مقابل الانسحاب الكامل إلى حدود 1967، وقبول حل عادل متفق عليه لقضيّة اللاجئين. فلسطين ونكبة الربيع العربي كثيرًا ما يظهر اختلاف في وجهات النظر حول الثورات التي ضربت بعض البلدان العربية بين مؤيد ومعارض لها، ولكن يتفق كثيرون على أن انعكاسات هذه الثورات عادت بالسلب على القضية الفلسطينية، خاصة أن بعض الدول العالمية والعربية استطاعت من خلال هذه الثورات تغيير مجرى القضية الفلسطينية من مركزية إلى هامشية، فالسعودية وقطر على سبيل المثال، أنفقتا مليارات الدولارات في الصراعات الأهلية في البلدان العربية، سواء في سوريا أو اليمن، وغذتاها بالمال الذي لو أنفقتاه على الصراع الفلسطيني الصهيوني، لتحررت فلسطين، ولكان الكيان الصهيوني في خبر كان. ومن جهة أخرى فإن التوغل الخليجي السعودي في سوريا لتسعير نار الحرب الأهلية ستكون له انعكاسات سلبية على مستقبل الصراع مع العدو الصهيوني، خاصة بعد تأثر الأطراف المقاومة للكيان الصهيوني بمجريات الأمور في سوريا، سواء المقاومة الفلسطينية "حماس"، أو المقاومة اللبنانية "حزب الله"، وذلك بعد نجاح الإعلام، الخليجي عامة والقطري بالتحديد، في إضافة البهارات الطائفية على الصراع السياسي في سوريا، الأمر الذي أجبر حركات المقاومة الفلسطينية على اتخاذ مواقف مصطنعة؛ حتى تماشي العناوين الطائفية التي فرضتها الآلة الإعلامية الضخمة لقطر، فلا تتهم بأنها تغرد خارج السرب، وبالتالي نجحت التدخلات السعودية والقطرية في الأزمة السورية في فصل التنسيق القائم بين حركات المقاومة، فلا يخفى على أحد أن حزب الله وحماس قبل الأزمة السورية عام 2011 كان التنسيق الأمني والاستخباري بينهما عاليًا، وكانت مقرات حماس في سوريا، كما أن مصادر دعم حماس المالية والعسكرية في حربها مع العدو الصهيوني كانت من إيران، الأمر الذي تعرض إلى انتكاسة بعد الأزمة السورية، ما قد أثر بالسلب على فاعلية الحركات المقاومة وزخمها ضد العدو الصهيوني، فحماس وباعترافاتها فقدت التمويل غير المشروط الذي كانت تتلقاه من طهران، وحزب الله كان يريد استثمار طاقته البشرية والمالية في المواجهة الحتمية مع العدو الصهيوني لا في سوريا. في المقابل لا يوحي مستقبل المعارضة السورية بأي نوع من المناهضة للكيان الصهيوني، فالمعارضة السورية وبمعظم أطيافها الساعية للسيطرة على الحكم في سوريا لم يخلُ سجلها من مختلف أنواع التطبيع مع الكيان الصهيوني، من لقاءات بينهما وعلاجات للجرحى، الأمر الذي يشير بأن للمعارضة السورية مخططات مسبقة بالاتجاه نحو الكيان الصهيوني في حال استتباب الوضع لها في سوريا. وبغض النظر عن المشهد المعقد في سوريا، فحتى القيادات العربية التي أفرزتها الثورات العربية والتي لم تتدهور فيها الأوضاع إلى حرب أهلية، لم تكن مآلات الأمور فيها على مستوى الصراع العربي الصهيوني، فلم تُلغِ اتفاقيات السلام، ولم تغلق أبواب السفارة الإسرائيلية، وبعضها مرر على استحياء قرارًا بإدراج حزب الله المقاوم على لوائح المنظمات الإرهابية. وبالابتعاد عن الدول التي طالها ما يسمى بالربيع العربي، نجد أن بلدًا كالسعودية ودول الخليج بدأت تظهر علاقاتها مع الكيان الصهيوني إلى العلن دون خجل، عبر التركيز على اللقاءات التي تجمع بينهما في المحافل الدولية. فقبل أيام جمع لقاء بين رئيس الأسبق للاستخبارات السعودية، تركي الفيصل، ومستشار الأمن الإسرائيلي السابق، الجنرال يعقوب عميدور، في واشنطن، كما أن بعض الدول الخليجية كقطر والإمارات وعمان استضافت أنشطة رياضية، شارك فيها رياضيون من الكيان الصهيوني. ويرى مراقبون أن الدول العربية ومنها الخليجية والتي تمتلك موارد اقتصادية ضخمة تستطيع بكل سهولة دعم القضية الفلسطينية بدلًا من إغراقها في سلسلة من النكبات المتلاحقة، شريطة فك ارتباط قرارها السياسي ببعض الدول الداعمة للكيان الصهيوني، كالولاياتالمتحدةالأمريكية، وتحديد الكيان الصهيوني كعدو يشكل الأخطر الأكبر والحقيقي على المنطقة العربية والإسلامية.