في خطوة تؤكد العجز المالي الواسع الذي ضرب الدولة القطرية، واتباعها سياسة خفض النفقات، لمحاولة تدارك العجز الموازنة العامة، أعلنت الدوحة عن تحرير أسعار الوقود في السوق المحلية، وربطها بأسعار السوق العالمية للمشتقات النفطية. وأوضح مشعل بن جبر آل ثاني، رئيس لجنة دراسة أسعار الوقود بالسوق القطرية، أن أسعار الوقود المستقبلية ستحددها عوامل عالمية وإقليمية، إضافة إلى التكاليف المرتبطة بإنتاج وتوزيع الوقود، مضيفًا أن هذه الخطوة تهدف إلى رفع كفاءة استخدام الطاقة في الدولة، وزيادة الوعي لدى المستهلكين بضرورة الاقتصاد في استهلاك الوقود، خاصة أن الفروقات بين الأسعار في السوق المحلية والأسواق العالمية أسفرت عن العديد من الآثار الاقتصادية والبيئية غير المرغوبة، في إشارة إلى العجز المالي الذي أثر على الموازنة العامة لقطر العام الماضي. وكانت الحكومة القطرية قد رفعت أسعار البنزين في يناير الماضي، بنحو 30% و35%، بعد أن كانت تدعم أسعار البنزين والديزل بشكل كبير، كما كان الانخفاض الكبير في عائدات الغاز مع تدهور أسعار الطاقة العالمية أحد أسباب توقعات الحكومة عجزًا في الميزانية، حيث انكمشت صادرات الغازات النفطية وأنواع الغاز الأخرى بنسبة 40% عنها قبل عام إلى 13.18 مليار ريال، أي ما يعادل 3.6 مليار دولار في سبتمبر، وهو ما توقعته وكالة التصنيف الائتمانية «موديز»، حيث قالت في تقرير سابق لها: إن انخفاض أسعار النفط منذ منتصف 2014 سيضر بالنمو الاقتصادي لدول الخليج كافة، مشيرة إلى تراجع أرصدة الحسابات الجارية والموازنات العامة، لكن بدرجات متفاوتة. وتوقعت «موديز» أن يصل العجز المالي في دول الخليج 10% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2015/2016، وهو ما حدث في قطر، حيث جاء العجز فيها بأكثر من 12 مليار دولار في 2016، وهو أول انخفاض منذ 15 عامًا. ولم تكن تصريحات رئيس لجنة دراسة أسعار الوقود في السوق القطرية مفاجئة، حيث سبقها تلويح وتمهيد من قِبَل الأمير تميم بن حمد آل ثاني قبل شهور بأنه يوجد عجز في الموازنة، حيث أفاد أمير قطر بأن بلاده ستضع موازنة الدولة للعام 2016 دون عجز كبير، رغم تأثر الإيرادات بأسعار النفط والغاز المنخفضة، في إشارة إلى أن الإنفاق سيكون أكثر حذرًا. وبحسب تميم ستأخذ موازنة عام 2016 انخفاض أسعار النفط بعين الاعتبار، بحيث لا يؤدي إلى عجز كبير في الموازنة، مما من شأنه أن يلحق ضررًا يتجاوز ميزان المدفوعات إلى الاقتصاد الكلي. ويرى مراقبون أن تصريحات الحكومة القطرية تشير بوضوح إلى أن بلادها تتجه إلى موجة من التقشف، حيث إن الأمير لوح أثناء حديثه بأن قطر ستبتعد عن زيادات الإنفاق التي دأبت عليها خلال السنوات العشر الماضية. وأثار قرار تحرير أسعار الوقود في قطر حفيظة كثيرين، لاسيما أنه صاحبه ازدحام وطوابير طويلة من السيارات في محطات البترول بالدوحة، فور تداول النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي الخبر، الأمر الذي أثار اندهاش البعض وتخوفهم. ويرى مراقبون أن هذه المؤشرات القوية تؤكد أن قطر بدأت تشعر بتأثير انخفاض أسعار النفط على ماليتها العامة، من خلال تقليصها منظومة الدعم الحكومية، كما أنها ستتجه إلى تقليص عدد من المشروعات البارزة، وهو ما ظهر في الفترة الأخيرة على مشاريع طالتها إجراءات خفض النفقات، كمشروعات في مجالات التنمية وبرامج ثقافية ومخصصات للتعليم والمواصلات والمشاريع الخاصة باستضافة نهائيات كأس العالم 2022، كما ستعكف على دراسات تعديل في نظامها الضريبي. وبدا واضحًا أيضًا أن الدولة الخليجية التي اعتادت الإنفاق بسخاء، والتي توسعت في مجال الاستثمارات الخارجية وشراء عقارات في لندن وغيرها، تتجه إلى الضغط على نفقاتها من خلال إجراءات أخرى، حيث كان لافتًا في الفترة الأخيرة أيضًا عمليات تسريح الموظفين والعمال في عدد من شركاتها ومؤسساتها، وعلى رأسها ذراعها الإعلامية والدعائية قناة الجزيرة. ويرى متابعون أن توجه قطر إلى تقليص نفقاتها جاء بعد إهدار الكثير من ميزانتها في تمويل عدد كبير من الجماعات المسلحة في العديد من الدول العربية، لاسيما سوريا وليبيا، حيث لم تدرك الإدارة المالية القطرية توابع هذه الأموال المهدرة، فأخذت في إنفاق المليارات على اعتبار أنه سيرتد عليها بتوسيع نفوذها في الإقليم، وهو ما سيعود على حجم مشاريعها الاقتصادية، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فارتد الأمر عليها بعجز وتقشف ووضع اقتصادي مقلق.