من جديد عاد مخيم عين الحلوة إلى واجهة المشهد السياسي والأمني اللبناني، حيث تجددت الاشتباكات في المخيم، الذي عادة ما يشهد عمليات اغتيال وتصفية حسابات بين مجموعات متنافسة على السلطة، أو مختلفة في الموقف السياسي، لكن يبدو أن ثمة من يحرك الأحداث من خلف الستار. تجدد الاشتباكات شهد مخيم عين الحلوة اشتباكات عنيفة بدأت منذ أيام، واندلعت بعد اشتباك فردي وقع في الشارع الفوقاني، إثر إطلاق عنصر من مجموعة بلال بدر المتشددة المنضوية في تجمع الشباب المسلم يدعى عمر الناطور، النار على عنصر من حركة فتح يدعى عبد الله قبلاوي، وعلى الفور جرى تبادل لإطلاق النار بين الأحياء التي يتواجد فيها الطرفان، الصفصاف والبركسات، وبعد ساعات تزايدت حدة الاشتباكات خاصة بعد أن أقدمت عائلة قبلاوي على قتل شقيق عمر الناطور. في اليوم الثاني جرى تشييع جثمان القتيلين، وعقب الجنازة تجددت الاشتباكات بشكل أعنف، وتركزت في منطقة الصفصاف والبركسات في الشارع الفوقاني، وصولًا إلى سوق الخضار، وأسفرت عن تضرر العديد من المنازل واحتراق عدد من السيارات وتشريد العشرات من العائلات الفلسطينية باتجاه مدينة صيدا، كما أدت إلى مقتل شخص وإصابة ستة آخرين على الأقل في الاشتباكات، ناهيك عن إصابة شخصين آخرين من القوة الأمنية الفلسطينية أثناء محاولتهم فض الإشتباكات. التوصل إلى اتفاق مع بزوغ فجر الجمعة الماضية، توصلت القوى المتصارعة هناك إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد مساع واتصالات لبنانية وفلسطينية، وقد شارك في الاتفاق السفير الفلسطيني في لبنان، أشرف دبور، وقائد الأمن الوطني اللبناني، صبحي أبو عرب، وقائد القوة الأمنية اللبنانية، منير المقدح، ورئيس التيار الإصلاحي في حركة فتح، العميد محمود عيسى «اللينو»، إضافة إلى كتيبة أبو حسن سلامة «العرموشي»، وبدأت على أثره القوة الأمنية الانتشار في حي البركسات وعكبره، فيما نفذت عصبة الأنصار انتشارًا في حي الصفصاف. اتفاق هش بعد التوصل إلى الاتفاق تراجعت حدة الاشتباك في المخيم وتوقف إطلاق النار الكثيف، لكن ذلك لم يمنع من إطلاق بعض رصاصات القنص وإلقاء بعض القنابل بين الحين والآخر، لكن الوضع الأمني سريعًا ما انتكس من جديد وانهار الاتفاق نهائيًّا وتجددت الاشتباكات في صباح السبت، حيث تم خرق الاتفاق عندما جرى اشتباك بين عناصر من حركة فتح من جهة وآخرين من جند الشام وفتح الإسلام، اللتين تطلقان على نفسيهما «الشباب المسلم» في منطقة الصفصاف، وامتد الاشتباك إلى أحياء طيطبا وعكبرة والبركسات، وصولًا إلى سوق الخضار في الشارع الفوقاني، حيث استخدمت القذائف الصاروخية، إضافة إلى الأسلحة الرشاشة وعمليات القنص والقنابل اليدوية، التي سمعت أصداؤها في أجواء مدينة صيدا، وهو ما دفع عشرات العائلات الفلسطينية إلى النزوح. أثناء المواجهات تم إطلاق النار على المبادرة الشعبية الفلسطينية والمدنيين مباشرة، عند مفرق بستان القدس الشارع الفوقاني، أثناء محاولاتهم طمأنة المواطنين هناك، وحدث ذلك رغم وجود أعضاء اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا في منطقتي الاشتباك بحيي الصفصاف والبركسات في الشارع الفوقاني من المخيم، الأمر الذي يوضح مدى هشاشة الاتفاق الذي لم يصمد طويلًا، وهو ما أدى إلى تدهور الأوضاع في المخيم وعودة التوتر من جديد. وأدى إطلاق النار إلى إصابة ضابط وعسكري من القوة الأمنية، هما الملازم محمود مروة، والعسكري أحمد إبراهيم، أثناء انتشار قوة أمنية في حي عكبرة في الشارع الفوقاني، لتأمين مسيرة من المبادرة الشعبية، تجوب المنطقة الممتدة من البركسات إلى الصفصاف. تهدئة وتنديدات انطلقت محاولات لتهدئة الاشتباكات، حيث تزايدت الاتصالات الفلسطينية اللبنانية بين قيادتي حركة فتح والقوى الإسلامية وباقي الفصائل، وواكبتها اتصالات سياسية لبنانية من النائب السابق أسامة سعد، والشيخ ماهر حمود، للتهدئة إضافة إلى اجتماع عقد في منزل قائد القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في لبنان اللواء منير المقدح، فضلًا عن انتشار عناصر عصبة الأنصار الإسلامية في منطقة الصفصاف لسحب المسلحين وضبط الأوضاع، كما عقدت اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا في لبنان السبت اجتماعًا لمتابعة تطورات الوضع في مخيم عين الحلوة، ووضع حد لما يحدث ووقف الاقتتال الدائر هناك. في الوقت ذاته انطلقت ردود فعل فلسطينية ولبنانية داعية إلى التهدئة ووقف إطلاق النار، حيث دعا ممثل حركة حماس، علي بركة، جميع العناصر المسلحة في مخيم عين الحلوة، إلى وقف إطلاق النار والالتزام بقرار اللجنة الأمنية العليا وقيادة القوى الأمنية المشتركة، لجهة الالتزام بوقف إطلاق النار والانسحاب من الشوارع وإفساح المجال للقوى الأمنية المشتركة، لتقوم بدورها في حفظ الأمن والاستقرار في المخيم، وأدان بركة عمليات إطلاق النار والانفلات الأمني الذي حصل أمس واليوم في المخيم، وأدى إلى سقوط ضحايا أبرياء وترويع سكان المخيم وتهجير عدد منهم، ولفت إلى أن هذا الانفلات يسيء إلى سمعة المخيم ولا يخدم إلَّا العدو الصهيوني. من جانبه حث رئيس التيار الإصلاحي في حركة فتح العميد، محمود عبد الحميد عيسى «اللينو»، القيادات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة على اعتماد الحل الأمني، بالتعاطي مع المجموعات المتطرفة المشبوهة، بدلًا من العلاج بالتراضي الذي أثبت أنه غير مجدٍ، مشددًا على وجوب اتخاذ قرار حازم بمواجهة هذه المجموعات المعروفة الهوية ومواقع تواجدها، وأشار العميد اللينو إلى أن معظم هذه المجموعات منضوية بإطار ما يُعرف بتجمع الشباب المسلم، وهم من المتطرفين، حتى إن بعضهم مقرب من تنظيمي داعش والنصرة، ومتعاطف معهما ويحمل فكرهما، موضحًا أن للتنظيمين المتطرفين هيكلية غير مكتملة داخل المخيم. مَنْ وراء عودة الاشتباكات؟ لا شك أن الاشتباكات في مخيم عين الحلوة لن يستفيد منها سوى الاحتلال الصهيوني وأعوانه، وهو ما اتفقت عليه الفصائل الفلسطينية كافة، التي قالت: إن الهدف من هذه الأحداث هو تفجير الوضع الأمني داخل المخيم، بما يخدم تنفيذ مشروع التهجير والتوطين وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين؛ لأن الفلسطيني في ظل وضع أمني متفجر ومأزوم سيرضخ لأي حل يفرض عليه. فيما ترى جهات أخرى أن الهدف من تفجر الوضع الأمني في المخيم، الذي يضم نازحين فلسطينيين وسوريين، هو إجهاض التحركات الشعبية العارمة ضد الأونروا، وصرف الأنظار عن الإجراءات والتدابير القاسية التي اتخذتها الأونروا، التي كان أهمها تنصلها والدول المانحة لها من التزاماتها تجاه قضية اللاجئين، وتحميل هذه المسؤولية للدولة المضيفة بما يسهم في تسهيل عملية التوطين والتهجير. في الإطار ذاته قالت بعض الجهات الفلسطينية المتواجدة داخل أو بالقرب من المخيم: إن غرباء دخلوا خلال الفترة الأخيرة إلى المخيم ووزعوا أموالًا على بعض المجموعات المتشددة؛ بهدف تغذية الصراع وإشعال الأوضاع الأمنية فيه، الأمر الذي اتفق معه مسؤول الجبهة الديمقراطية في مدينة صيدا، فؤاد عثمان، الذي اتهم جهات أمريكية وأوروبية وعربية بدفع أموال لجماعة «الشباب المسلم» المعروفة بتوجهها المتشدد قبل 15 يومًا من بدء الاشتباكات.