تطور جديد تشهده الأزمة الليبية، بعد أن وصل أعضاء من حكومة الوفاق الوطني الجديدة، برئاسة فائز السراج إلى طرابلس؛ لمباشرة أعمالهم، في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة المؤقتة، التي تتخذ طبرق مقرًّا لها، بينما رحب المجتمع الدولي بهذه التطورات، وأكد أنه سيساعد الحكومة الجديدة في مباشرة أعمالها دون النظر إلى الرافضين لهذه الخطوة. وبدخول أعضاء حكومة الوفاق الوطني أمس إلى العاصمة الليبية طرابلس برئاسة فايز السراج، تكون هي الحكومة العاشرة بعد سقوط نظام الرئيس معمر القذافي في عام 2011. وتكونت حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج بموجب اتفاق سلام وقعه برلمانيون ليبيون في مدينة الصخيرات بالمغرب برعاية الأممالمتحدة، واختار تشكيلها المجلس الرئاسي الليبي، وهو مجلس منبثق عن الاتفاق ذاته، ويضم تسعة أعضاء يمثلون مختلف المناطق الليبية. ورفضت حكومة شرق ليبيا (طبرق) الاعتراف بالحكومة الجديدة ومباشرة أعمالها في طرابلس، وقالت إن فرض حكومة مدعومة من الأممالمتحدة دون موافقة برلمانية يزيد الأزمة تعقيدًا، الأمر الذي يراه كثيرون تعزيزًا للانقسام المتواجد منذ عام 2014 في البلاد بوجود حكومتين متناحرتين، واحدة في طرابلس، والثانية في الشرق، فضلًا عن برلمانين متنافسين. من جانبه قال مارتن كوبلر، مبعوث الأممالمتحدة لليبيا، إن وصول المجلس الرئاسي لطرابلس بعد محاولتين فاشلتين سابقتين خطوة هامة في طريق تحقيق المصالحة. وفي بيان أصدره أضاف كوبلر أنه «يناشد كل الأشخاص والهيئات في ليبيا بما فيها الإدارات المالية تسهيل مهمة الانتقال الفوري والسلمي للسلطة للمجلس الرئاسي». أما مفوضةالعلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موجريني فقالت إن وصول المجلس الرئاسي إلى العاصمة طرابلس يمثل فرصة نادرة للمواطنين الليبيين للعودة إلى الوحدة والتصالح الوطني. وفي أول رد فعل داخلي، قال خليفة الغويل، رئيس حكومة المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، إن حكومته ترفض حكومة الوفاق التي وصفها بأنها "مفروضة من أطراف دولية، ولا تحظى بإجماع من الليبيين"، مضيفًا «على الذين دخلوا عن طريق البحر إما أن يسلموا أنفسهم، وإما العودة من حيث أتوا، وإلا سيواجهون عواقب وخيمة»، وطالب الغويل من وصفهم بالثوار في العاصمة إلى التصدي ل "الحكومة المتسللة غير الشرعية". وطالب المفتى المدعوم من المؤتمر منتهي الولاية المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق "بالعودة من حيث جاء"، مشيرًا إلى أن الدماء ليست دائمًا معصومة، وأن باب الجهاد ضد الحكومة قد يُفتَح ربما لعشر سنين"، على حد وصفه، معتبرًا أن دخول الحكومة للعاصمة ليس شرعيًّا ويُعَدُّ انقلابًا على السلطة. وعلى الرغم من الترحيب الدولي المتمثل في الاتحاد الأوروبي الذي اعتبره "فرصة وحيدة للاتحاد والمصالحة" وترحيب فرنسا وأمريكا وإيطاليا والأممالمتحدة بوصول سراج لطرابلس، إلا أن رفض الحكومة الجديدة من برلمان طبرق وحكومته وبرلمان طرابلس وحكومته يجعل ليبيا بها ثلاث حكومات متصارعة. فبوصول حكومة السراج إلى طربلس، تشهد ليبيا ولأول مرة حكومة ترعاها الأممالمتحدة في طرابلس، بالإضافة إلى المؤتمر الوطني العام المشكل أغلبه من الإسلاميين، والذي يتواجد في طرابلس أيضًا، ثم حكومة طبرق المؤقتة، والتي يرأسها عبد الله الثني، والتي تعرف بالليبرالية. هذا الرفض يضع خيارات محدودة أمام الأطراف الدولية لفرض وجود الحكومة الجديدة على الأرض، حيث استبعد وزير الخارجية الفرنسي جون مارك آيرو أي تدخل عسكري في ليبيا بهدف تثبيت حكومة السراج، قائلًا إن العالم لا يريد تكرار ما حدث 2011. ومع استبعاد الخيار العسكري يسعى العالم إلى تسليط العقوبات على الأطراف التي ترفض ما تسميه فرض حكومة من الخارج؛ أملًا في ثنيها عن هذا الموقف، حيث صعد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من لهجته تجاه المعرقلين، قائلًا إنه يجب على العالم محاسبتهم؛ لمنعهم الشعب الليبي حقه في السلام والأمن في ظل حكومة قوية وموحدة. ويبدو من اليوم الأول لحكومة الوفاق الوطني أنها تواجه مصيرًا مجهولًا في ظل التجاذبات القوية والتوتر المتصاعد، فبينما لا تمتلك هذه الحكومة وحدات عسكرية قوية لفرض قراراتها وتوسيع دائرة نفوذها، تقف الحكومتان المناهضتان لها خلف التفوق العسكري. ورغم الدعم الدولي الواسع، إلا أن الفيصل قد يكون في النهاية للكلمة العسكرية، كما أن اتفاق الصخيرات ينص على أن الحكومة تبدأ مزاولة عملها بعد تصويت البرلمان المعترف به دوليًّا على منحها الثقة، وهو ما لم يحدث خلال الأسابيع الماضية؛ بسبب عدم اكتمال نصاب جلسات برلمان طبرق.