لم تعرف جماعة الإخوان أقدم التنظيمات الحركية الإسلامية عبر تاريخها أزمة كالتى تعيشها اليوم، على مستوى التنظيم والأفكار والمنهج، فالجماعة فعليا انقسمت إلى قسمين، كل منهما يدعى أنه الأمين على خط الجماعة، ودخلا فى صراع مكشوف في الإعلام وعلى التمويل وحراك الشاع أهم ساحاته. الانقسام الذى جاء على خلفية فشل قيادة الجماعة فى إدارة الصراع مع الدولة المصرية، بعد خروج الإخوان من الحكم، حيث اتجهت الاتهامات من قبل قطاع واسع من شباب الجماعة للقيادات التاريخية، أنها هى من تسبب فى وصول الجماعة لهذا المربع، الذى دفعها بعيدا عن التأثير الدعوى أو السياسى، بل وتعريض قطاعات واسعة من الأعضاء للسجن والقتل والتشريد. مقاربة هذا القطاع دفعته إلى إبعاد القيادات التاريخية التى زعمت أنها نالت فرصتها كاملة، وعليها أن تتنحى لجيل جديد قد يكون أقدر على قيادة الجماعة وانتشالها من أزمتها، لكن القيادات التاريخية لم تسلم وبدأت سلسلة من الإجراءات، التى اتخذها كل فريق فى مواجهة الآخر، من قبيل إعلان متحدث جديد وإقالة آخر ثم إحالة البعض للتحقيق، فى مسلسل من التلاسن والصراع تابعته وسائل الإعلام، والذى نجح فى كشف هشاشة الغطاء الأخلاقى الذى تقنعت به الجماعة عبر تاريخها. دخل على خط الأزمة الدكتور يوسف القرضاوى ، الذى يوسم فى الإعلام بأنه المرجع الروحى للجماعة وهو وصف غير صحيح لمن يعرف الإخوان جيدا، فلا فصل فى الجماعة بين المرجعية الروحية والتنظيمية حيث تترتب الأولى على الثانية، وبالرغم من ذلك حاول الرجل توظيف علاقاته ببعض الأطراف فى الجهتين مطلقا مبادرة للإصلاح بين الجبهتين، داعيا الى كتابة لائحة جديدة تجرى على أساسها إنتخابات تفرز هيكل تنظيمى جديد، قد يكون أقدر على قيادة الجماعة. بداية اللوائح داخل الجماعة لها قصة، فأعلن الإخوان أول لائحة تنظم شؤون جماعتهم بعد عامين فقط من نشأتهم، وكتبها بالكامل وصاغها حسن البنا، الذى كان يملك المهارات الحركية والتنظيمية والفكرية التى مكنته من إعدادها، لتتوائم مع أهدفه، وظل الأمر خاضعا لإرادة الرجل وأهدافه، فأضاف عليها تعديلات جديدة فى العام 1948، وعندما مات أجرى الإخوان تعديلا جديدا فى العام 1951 لتقنين أوضاع غياب المرشد المؤسس، مع إبقاء الصلاحيات كاملة بيد المرشد أيضا، حيث كان الإخوان يؤمنون بأن الشورى معلمة وليست ملزمة على سنة مرشدهم الأول، وظلت اللائحة قرآنا يحكم الجماعة بالرغم من مخالفتهم لأحكامه، خاص إذا ما تعارضت مع أهداف النظام الخاص، الذى أدار الجماعة ثم المجموعة القطبية من بعدهم، ظلت اللائحة دون تعديل حتى العام 1982 عندما أقدم مصطفى مشهور على تأسيس التنظيم الدولى وإعلان لائحته من إسطنبول، ليجرى تعديل أخر على اللائحة فى العام 1994 بيد نفس المجموعة التى أقدمت على تعديل جديد فى العام 2009 يساعد على تدعيم سيطرة المجموعة القطبية من خلال زيادة عدد المعينين فى مجلس الشورى العام. هذا السياق الذى لم ينضبط برغبات وتطلعات الأعضاء، بل كان أداة بيد قيادات الإخوان ساعد فى بسط هيمنة مجموعة على حساب أخرى، مؤجلا فقط أعراض غياب الديمقراطية الداخلية التى لم يؤمن بها الإخوان يوما، والتى تعد أحد أهم أسباب أزمتهم الداخلية اليوم، بعد ان جرت تحت الجسر مياه، وأصبحت سفينة الإخوان مليئة بالثقوب. هل تحل المشكلة لائحة جديدة وهيكل جديد يمضى وفق نفس السياق الملتبس بين الدعوة والسياسة، الذى تعرف الجماعة نفسها عبره بلغة البنا أنها هيئة إسلامية جامعة، وهى التى لم تعد لا هيئة ولا إسلامية ولا جامعة، بل أشلاء جماعة وسفينة غارقة يتنازع على قمرة القيادة فيها السفهاء دون أن يسألوا أنفسهم السؤال الإجبارى: من فعل بنا ذلك وكيف نخرج مما نحن فيه؟ وهو ما لا يمر سوى عبر حل التنظيم، والإقدام على مراجعة جملة أفكار الجماعة وأدبياتها، والإجابة بشجاعة على هل نحن جماعة دعوية أم حزب سياسى؟ فلكل لغته وفضائه ولائحته أما استبدال "الضو " " بشاهين " فلن يحل المشكلة ولن يخرج الجماعة من أزمتها.