منذ عام 2012، انقسمت محافظة حلب السورية إلى شقين، أحدهما غربي يسيطر عليه الجيش العربي السوري، والآخر شرقي تحت هيمنة التنظيمات المسلحة، ونظرًا لأهميتها واستنادًا لاعتبارات كثيرة أبرزها أن مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية، أعلن الجيش السوري أنه يسعى جاهدًا إلى بذل قصارى جهده للوصول إلى لحظة تحريرها، ومع بداية المساندة العسكرية الروسية لسوريا، كان الهدف الأول والرئيس استعادة حلب بالكامل، مما يدفع إلى التساؤل عن أهمية المدينة الاستراتيجية والتاريخية، وتأثير سيطرة الجيش السوري على مسار الأزمة السورية. ضربات متتالية تفقد المسلحين توازنهم خلال الأسبوع الماضي، تمكن الجيش السوري بمساندة القوات الروسية من كسب أحد أهم المعارك في تاريخ الأزمة السورية، حيث استطاعت القوات تأمين الطريق إلى عدة مدن سورية شمال مدينة حلب، أبرزها مدينتا نبل والزهراء المحاصرتين منذ عام 2012، وجاء هذا التحرير ليمثل نجاحًا في عزل حلب عن ريفها الشمالي، بعد أن نجح بوقت سابق في السيطرة على المداخل الجنوبية للمدينة. وفي ريف حلب الشمالي، تقدم الجيش السوري وأحكم سيطرته على بلدتي رتيان وماير، لتكونان ركيزة أساسيةً في عملياته العسكرية نحو الحدود التركية، وتابع الجيش تقدمه باتجاه تل رفعت، مما مكّن الجيش من إيجاد اتصال بين قواته المتقدمة شرقًا والقوات المتقدمة من ناحية الشمال، وجعل القوات السورية على بُعد 13 كيلو مترًا من الحدود السورية التركية من ناحية مدينة الباب، فيما تفصلها مسافة تصل إلى 15 كيلو مترًا عن الحدود من ناحية أعزاز. أهمية حلب الاستراتيجية بجانب الأهمية الاستراتيجية والتاريخية والجغرافية، تشكل مدينة حلب أهمية كبيرة، فبالنسبة للحكومة السورية، التي تسعى إلى إحكام سيطرتها على المدن الرئيسة في البلاد، فإن السيطرة على حلب، يمكن أن تكون نقطة قوة في مسيرة الحرب السورية، تجعلها نقطة انطلاق للسيطرة على باقي المدن والقرى السورية التي لا تزال مُحاصرة. وعبر مراقبة تحركات الجيش السوري وخطته الاستراتيجية، نجد أنها لا تنصب في الوقت الحالي على تحرير المدن والقرى بشكل متصل ومتوال، بقدر ما تسعى إلى عزل المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة وقطع طرق الإمداد عنها، وهو ما اتضح بعد تحرير الجيش لمدينة سلمى في محافظة اللاذقية، حيث ذهبت جميع التوقعات إلى توجه الجيش نحو مدينتي إدلب وحماة، إلَّا أنه توجه إلى مدينة حلب. يرى بعض المراقبين أن الجيش السوري لن يتجه إلى إدلب وحماة إلَّا بعد أن يطمئن تمامًا إلى نجاحه في قطع خطوط الإمداد التركية عن المسلحين بحلب، وفي ذلك الوقت قد يفكر الجيش السوري في تأجيل خطة التقدم بالمدينة، ليركز على المناطق التي تركها سلفًا، وستكون إدلب التي تشكل منفذ آخر للمسلحين مع تركيا، على قائمة المدن المستهدفة في تلك الفترة. أما بالنسبة لتداعيات سيطرة الجيش السوري على المدينة بالنسبة للجماعات المسلحة، فإن مدينة حلب تمثل أحد أكبر معاقل المسلحين على الحدود الشمالية مع تركيا، كما يوجد بها معبر باب السلامة، الذي تعتمد عليه الجماعات المسلحة بشكل كبير في تأمين المساعدات والإمدادات عبر تركيا، ومع سيطرة الحكومة على المدينة والمعبر، فإن التنظيمات المسلحة الناشطة هناك قد تلفظ أنفاسها الأخيرة سياسيًّا ومعنويًّا؛ بسبب قطع طريق الإمدادات، خاصة أن معركة حلب تأتي في الوقت الذي تعاني فيه هذه الجماعات من نقص شديد في إمدادات الأسلحة، بعد أن ضيقت روسيا الخناق عليهم، وفي الوقت نفسه ستنهار معنويات هذه التنظيمات، وستكون النكسة الرابعة على التوالي بعد الخسائر التي تكبدوها في اللاذقية ودرعا وحمص وريفها. في السياق ذاته، تأتي الأنباء عن توقيع اتفاق بين داعش والجبهة الشامية في حلب، ليؤكد انهيار المعنويات والإمكانيات اللوجستية للجماعات المسلحة، حيث نص الاتفاق على التعاون لمواجهة تقدم الجيش السوري، ووقف إطلاق النار على كل المحاور بين الطرفين، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين، وفتح المعابر بين مناطق سيطرة داعش وغرفة عمليات حلب، لإيصال المحروقات للمسلحين، إضافة إلى نقل المعدات العسكرية لوقف تقدم الجيش السوري في شمال ريف حلب وشرقه. قلق إسرائيلي لم تقتصر تداعيات المعركة في حلب على المشهد الداخلي فقط، بل امتدت لتصل إلى تلك الدول التي تخشى تقدم الجيش السوري، على رأسها كيان الاحتلال، فرغم أن هذه التطورات الميدانية تحدث بعيدًا عن حدود الكيان، إلَّا أنها تجذب اهتمام أجهزة استخباراته، وتدفعها إلى البحث في تداعياته وتأثيراته، حيث تتابع الأوساط الإسرائيلية الإنجازات الواسعة التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه بريف حلب الشمالي عن كثب؛ نظرًا لأن هذه الجبهة باتت تشكل قلقًا بالنسبة له، وسط مخاوف من تعزيز المحور الراديكالي، كما تسميه، وهو التحالف الذي تقوده إيران وحزب الله، إلى جانب سوريا. المخاوف الإسرائيلية كشفتها صحيفة هآرتس الصهيونية، التي قالت: إن إسرائيل كانت تفضّل مواصلة السحق المتبادل في الساحة السورية، بلا غالب ولا مغلوب، الذي كان يولد شللًا بينهما، ويمنع في الغالب المعسكرات المتحاربة من المبادرة إلى خطوات ضد إسرائيل، وترى الصحيفة أن التطورات الميدانية في الساحة السورية باتت تميل بشكل واضح لمصلحة «المحور الراديكالي»، وتشير إلى أن الإنجاز البري الرئيس، الذي حققه النظام وحلفاؤه، يكمن في محاصرة المتمردين في مدينة حلب، مع شبه فصل بينهم وبين الحدود التركية، وقطع أغلبية مسارات الإمداد اللوجستي من هناك إلى المدينة. على صعيد متصل، فإن كيان الاحتلال يخشى أن تعزز السيطرة على حلب من موقف الحكومة السورية، وتمنحها الحماس لكي يواصل الجيش تقدمه باتجاه الجنوب أي في مدينة درعا، وإلى الغرب منها باتجاه الحدود بالجولان، مما يقود إلى تواجد مكثف لحزب الله والحرس الثوري الإيراني على مقربة من الأراضي الإسرائيلية، الأمر الذي أكده وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس قائلًا: إن ما يحدث في سوريا عملية خطيرة من شأنها أن تنتهي بأن تتواجد إيران على حدود الجولان.