في الوقت الذي انهارت فيه كافة الجهود الدولية الداعمة للسلام، وفشل استئناف التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد أن ساد الإحباط أجواء المفاوضات في أبريل عام 2014، ومع تزايد التصعيد الصهيوني ضد الشعب والأراضي الفلسطينية، وعدم احترام الكيان لأي من التزاماته أو الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، طفت إلى السطح مرة جديدة المبادرة الفرنسية التي كانت قد اقترحتها لندن في يونيو الماضي؛ لإعادة عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الأمر الذي لاقى ترحيبًا فلسطينيًّا كبيرًا، وانتقادات إسرائيلية لاذعة، وسط تخوفات من أن تتحول المبادرة الفرنسية إلى مناورة سياسية لصالح الاحتلال. الدعوة الفرنسية تتجدد قال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، الجمعة الماضية: إن بلاده ستعترف بدولة فلسطينية، إذا أخفقت جهود تزعم القيام بها خلال الأسابيع المقبلة؛ لمحاولة إنهاء حالة الجمود بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأضاف فابيوس، في لقاء سنوي للدبلوماسيين الأجانب: لا يمكن أن نسمح بانهيار حل الدولتين، هذه مسؤوليتنا كعضو في مجلس الأمن وكقوة ساعية للسلام، وأوضح الوزير الفرنسي أن بلاده ستبدأ الإعداد خلال أسابيع لمؤتمر دولي لجمع الأطراف والشركاء الأساسيين الأمريكيين والأوروبيين والعرب خصوصًا، وتابع فابيوس أنه في حال فشل هذه المحاولة الأخيرة للوصول لحل الدولتين، سنحتاج لمواجهة مسؤولياتنا بالاعتراف بدولة فلسطينية. ترحيب فلسطيني الدعوة الفرنسية لاقت ترحيبًا فلسطينيًّا كبيرًا من رئيس السلطة محمود عباس، حيث شجع المبادرة الفرنسية بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا فشلت محادثات السلام، مطالبًا المجتمع الدولي بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني من الممارسات الإسرائيلية، كما طالب بعقد مؤتمر دولي للسلام لتفعيل المبادرة العربية وتطبيق حل الدولتين، فيما أعلنت الرئاسة الفلسطينية عن ترحيبها بإعلان وزير الخارجية الفرنسي، وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة: إن الرئاسة ترحب بالجهد الفرنسي وأي مبادرة على طريق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتؤكد موقفها الداعي لإنهائه، وأكد أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيساهم بلا شك في بناء السلام والاستقرار بالمنطقة، والقضاء على كل مظاهر التطرف. من جانبه رحب كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، بتصريحات وزير الخارجية الفرنسي، وقال عريقات: نرحب بتصريحات فابيوس، ونعتقد أنها تأتي في الوقت المناسب، إذ نرى أن منطقتنا تمر بواحدة من أكثر الفترات حرجًا في تاريخها، نؤمن بضرورة نجاح الحرب ضد الإرهاب وأن تكون لها الغلبة، لكن لا يمكن أن نضمن ذلك دون توازن، وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وأضاف: أعتقد أن ثمة حاجة لإطار جديد وجدول أعمال جديد ومشاركة جديدة في عملية السلام، أعتقد أن الفرنسيين يتشاورون مع أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا والدول العربية والفلسطينيين والإسرائيليين. امتعاض صهيوني كعادته رفض الكيان الصهيوني المشروع الفرنسي، معتبرًا أنه سيشجع الفلسطينيين على عدم المشاركة في حل الأزمة، وقال مسؤول بالحكومة الإسرائيلية، أمس السبت: إن إسرائيل ستنظر في دعوة فرنسية للمشاركة في محادثات سلام مع الفلسطينيين، لكنها تعتقد أن فرنسا أخطأت بالقول بأنها ستعترف بدولة فلسطينية إذا فشلت المحادثات، وأضاف المسؤول: إذا تلقينا دعوة لحضور المؤتمر فسندرسها ونرد عليها، رافضًا الربط بين نجاح المحادثات والاعتراف بفلسطين، حيث قال: ما الذي سيجعل الفلسطينيين يقدمون أي شيء في مؤتمر إذا علموا بالفعل أنهم سيحصلون على ما يريدونه منه دون إحراز تقدم. في الإطار ذاته، سخر مسؤول صهيوني آخر من إعلان وزير الخارجية الفرنسي قائلًا: أتساءل عما إذا كانت فرنسا ستدعو داعش التي تزرع الموت في كل مكان حتى في باريس، لمؤتمر دولي أيضًا من أجل المفاوضات أو حتى للمؤتمر ذاته. من جانبه قال زعيم حزب هناك مستقبل، يائير لابيد: إن إسرائيل لن تذهب للمفاوضات مع الفلسطينيين برعاية أي دولة تحت التهديدات، وأضاف أن التهديدات لن تقودنا إلى طاولة المفاوضات، يجب أن نذهب بشروطنا وليس بشروط الآخرين، وما وضعته فرنسا يشير لتدهور مكانتنا في العالم بسبب سياسات نتنياهو. طبيعة المبادرة المبادرة الفرنسية ليست جديدة على مسامع المجتمع الدولي، حيث إنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، نية بلاده العمل على عقد مؤتمر دولي لإخراج جهود التسوية من طريقها المسدود على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، ففي 20 مايو الماضي، أعلن وزير الخارجية الفرنسي عن مبادرة، عندما قال: إنه سيجري الشهر المقبل بزيارة مصر وإسرائيل ورام الله، في مسعى لاستئناف مفاوضات التسوية، وإقناع جميع الأطراف بقبول مشروع القرار، الذي تنوي فرنسا تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي لتحديد معايير عملية التفاوض. اقترح مشروع القرار الفرنسي الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ونهائية، وتحديد مهلة 18 شهرًا للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، تقوم على إنشاء دولة فلسطينية بالاستناد إلى حدود 1967، مع المقايضات اللازمة في الأراضي، وعلى الاعتراف بالقدس العاصمة المشتركة للدولتين، كما عالج المشروع الترتيبات الأمنية على طول الحدود الفاصلة بين الكيان وفلسطين، بما في ذلك تواجد طويل الأمد لقوات الجيش الإسرائيلي في منطقة الأغوار على الحدود الأردنية الفلسطينية مع نشر قوات دولية، وبحيث تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح تمامًا. مبادرة أم مناورة؟ تشير مجمل الأحداث إلى أن المشروع الفرنسي خطوة إيجابية للوصول إلى حل سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، ويعترف بحقوق الشعب الفلسطيني المنهوبة منذ قرون، لكن إذا نظرنا بتأنٍ إلى المبادرة الفرنسية وتاريخ التعامل الفرنسي مع القضية الفلسطينية، نجد احتمالية أن يكون هناك تنسيق من تحت الطاولة، مثلما كان التنسيق قائمًا بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل في جولات التفاوض السابقة، حيث عملت واشنطن على إشغال الفلسطينيين بالمفاوضات، لكنها في الوقت ذاته وفرت الظروف المواتية لمواصلة إسرائيل سياساتها في قضم المزيد من الأراضي الفلسطيني، وتبنت الرؤية الإسرائيلية وتهاونت مع التعنت الصهيوني، في مقابل الضغط على الطرف الفلسطيني، مما أفشل المفاوضات. المبادرة الفرنسية الحالية إذا تطابقت مع نظيرتها السابقة التي طرحتها لندن في مايو الماضي، فإنها تعني أن فرنسا تتبنى أو على الأقل تميل نحو الموقف الإسرائيلي، خاصة فيما يخص موقف القدس من الاحتلال وتقسيمها بين الطرفين، مما يعتبر تكريسًا للاحتلال الصهيوني للمدينة، كما تحدثت المبادرة بعبارات فضفاضة عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتجاهلت بالكامل موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين. في النهاية وعلى أسوأ الافتراضات، فإن المبادرة الفرنسية جيدة للشعب الفلسطيني وقيادته، فهي على الأقل ستظهر للعالم مجددًا أي الأطراف مسؤول عن عرقلة حل الدولتين، وأيهما يرفض الجلوس إلى الطاولة بحجج واهية، وأيهما يرفض إنهاء الاحتلال ويعرقل السلام. العالم يخرج عن صمته في الفترة الأخيرة ضاق العالم ذرعًا بممارسات وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد أن ازدادت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأربعة الماضية، والتي تزامنت مع اندلاع الهبّة الفلسطينية، حيث تصاعدت حدة الانتهاكات والاعتقالات وتصاعدت وتيرة الاستيطان، مما دفع المنظمات الحقوقية والإنسانية والهيئات الأممية وحكومات العالم إلى اتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيوني، حتى إن كانت صورية أو غير فعالة بالشكل المطلوب، وتمثلت بعض الإجراءات في المقاطعة الأكاديمية للعديد من المؤسسات التعليمية للاحتلال، ووسم منتجات المستوطنات من قِبَل الاتحاد الأوروبي، إلى جانب سحب العديد من الشركات في العالم استثماراتها من المستوطنات، وهو ما ردت عليه إسرائيل بانتقادات واتهامات لاذعة كان آخرها تلك التي خرجت عن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، ووجهها للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، متهمًا إياه بدعم الإرهاب، لمجرد انتقاد الاستيطان الذي تفشى في الأراضي الفلسطينية.