انطلقت اليوم محادثات جنيف3 السورية، لكنها انطلاقة غير مكتملة، وبداية مذبذبة تشير إلى مفاوضات متعثرة منذ أيامها الأولي، حيث لا يوجد جدول أعمال محدد، والمفاوضون لا يبذلون أي جهود للوصول إلى نقطة تلاقٍ. حيث بدأت المحادثات السورية السورية دون الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض، ووسط انتصارات ميدانية كبيرة يحققها الجيش السوري المدعوم من المقاتلات الروسية، وفي ظل حالة من الإحباط تسود الجماعات المسلحة هناك، وتلقي بظلالها على الدول الداعمة لهم، وبالتالي تؤثر على وفد الرياض المفترض أن يمثل المعارضة السورية في المفاوضات أمام الحكومة السورية. "لن نذهب إلى جنيف"، هي الجملة التي اختصر بها المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية مصير الاجتماعات، وأنهى بها التكهنات التي انطلقت حول حضور الوفد من عدمه، ولخص بها نية الوفد التابع للسعودية والذي يهدف إلى إفشال المفاوضات قبل بدايتها، حيث كان رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، قد قال أمس إن المعارضة المجتمعة في الرياض لن تدخل قاعة المفاوضات في جنيف ما لم تتحقق مطالبها الإنسانية، وأضاف: قد نذهب إلى جنيف، لكن لن ندخل قاعة الاجتماعات قبل تحقيق المطالب الإنسانية. المتحدث باسم الوفد، منذر ماخوس، أنهى الحديث والهواجس بقوله: نعم، اجتماعات جنيف ستبدأ الجمعة، ولن نكون هناك باعتبار أننا لم نتخذ قرارًا بعد فيما يتعلق بالمشاركة، وأضاف: سنواصل اجتماعاتنا في الرياض، مبررًا موقف الهيئة بقوله إن الهيئة لم تجد أن هناك معطيات لنجاح العملية التفاوضية؛ لأن أي عملية تفاوضية تحتاج إلى بيئة ملائمة. إعلان وفد الرياض عدم حضوره للمفاوضات أربك الحسابات وقلب الموازين وهدد بعدم فتح أبواب جنيف لعقد المؤتمر، وأثار بلبلة وأحاديث عدة حول تأجيل الاجتماع للمرة الثانية، فقد كان مقررًا عقده في 25 من الشهر الجاري، وتم تأجيله إلى 29 بسبب إشكاليات في تركيبة المعارضة السورية، حيث ألمحت مصادر في الأممالمتحدة إلى احتمال تأجيل محادثات جنيف إلى يوم الاثنين المقبل لأسباب تقنية، لكن المتحدثة باسم المبعوث الخاص إلى الأممالمتحدة في جنيف خرجت لتنهي كافة المزاعم والتكهنات، وتؤكد عدم إرجاء المفاوضات المقرر انطلاقها اليوم في مقر الأممالمتحدة في جنيف. استبقت الهيئة العليا للمفاوضات التي تنعقد بشكل متواصل في الرياض دعوة الأممالمتحدة لعقد اجتماع جنيف3 برفع سقف مطالبها ووضع شروط، على أمل أن يكون حضورها من عدمه هو ورقة الضغط على المجتمع الدولي والقوى الكبرى لتحقيق أهدافها، وكانت الأزمة الإنسانية هي الوتر الذي عزفت عليه المعارضة هذه المرة، حيث اشترطت الهيئة تنفيذ القرار 2254 الصادر في ديسمبر 2015 عن مجلس الأمن، والذي ينص على رفع الحصار ووقف القصف بشكل فوري وإجراء مفاوضات، وتنفيذ الفقرتين 12 و13 اللتين تنصان على إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة في سوريا. بعيدًا عن المطالب الإنسانية التي ربطت بها المعارضة مسألة مشاركتها في المؤتمر من عدمه، يأتي تعنت وفد الرياض وتأكيده على أنه الجهة الوحيدة المخوّلة بالتفاوض مع الوفد الحكومي السوري، رافضًا حضور أي وفد آخر يمثل المعارضة السورية، حيث أكد رئيس الهيئة، رياض حجاب، أن هناك وفدًا واحدًا لتمثيل المعارضة هو الهيئة العليا للمفاوضات، وأي كلام غير هذا سيدفع الهيئة إلى عدم المشاركة في مفاوضات جنيف. ومع ذلك لا يزال الرفض الروسي الإيراني لحصر المعارضة السورية في وفد الرياض مستمرًّا، حيث قال نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إن بلاده تعارض بشدة تحركات السعودية للسماح لإرهابيين في قناع جديد بالجلوس إلى مائدة المحادثات، فيما أكد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، مجددًا ضرورة أن يشارك في محادثات جنيف أوسع طيف من ممثلي الأطر السياسية والاجتماعية الحكومية والمعارضة من داخل سوريا وخارجها، وشدد على أن موسكو تعارض مشاركة تنظيمي جيش الإسلام وأحرار الشام في المحادثات؛ لأنهما تنظيمان إرهابيان، مشيرًا إلى أن موسكووواشنطن متفقتان حول انعدام أي آفاق للمحادثات دون تمثيل للأكراد السوريين. تعنت المعارضة السورية وعدم حرصها على حضور الاجتماع ورفضها تقديم أي تنازلات للوصول إلى حل سياسي، أثارا امتعاض الأممالمتحدة والقوى الدولية والإقليمية، وأرجعت ذلك إلى محاولة هروب المعارضة من المشاكل التي تعيشها، ومن سيناريوهات الحل السياسي للأزمة السورية؛ لأن أحلاهما سيكون مرًّا بالنسبة لها، وهو ما دفعها إلى عدم الاكتراث بنقص المفاوضين السوريين وإصرارها على فتح أبوابها في المدينة السويسرية أمام الحوار لمن حضر؛ على أمل وصول شخصيات إضافية من هيئة الرياض أو غيرها في الأيام القليلة المقبلة. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد دعت وفد الرياض إلى الاستفادة من الفرصة التاريخية وحضور محادثات جنيف دون شروط مسبقة، وقال المتحدث باسم الوزارة، مارك تونر، إن بلاده تأمل ألا تؤثر انتصارات الجيش السوري الأخيرة في الشيخ مسكين ومناطق أخرى في سير المفاوضات الجارية في جنيف، وأكد تونر أن واشنطن تشجّع وفد الرياض على التفاعل الإيجابي مع دعوة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، وعلى التوجه إلى جنيف دون شروط مسبقة، وأشار المسؤول الأمريكي إلى أن المعارضة أمامها فرصة ذهبية لاقتراح سبل جادة وعملية لتنفيذ وقف لإطلاق النار وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية. على الجهة الأخرى، وفي الوقت الذي تحاول فيه المعارضة المشتتة لملمة أوراقها وتنسيق حضورها وترتيب وفدها ومطالبها التي لا تزال تخضع للفوضى والارتباك، كان وفد الحكومة السورية قد تَحضّر جيدًا للمفاوضات، واستطاع أن يأخذ الفرصة الكاملة لتنسيق أوراقه، حيث قالت مصادر مواكبة للوفد إن السلطات السورية تحضرت جيدًا سواء على المستوى اللوجستي أو السياسي التفاوضي، إضافة للملفات الأمنية، حيث يتشكل الوفد من خمسة عشر عضوًا، أربعة منهم خبراء في القانون العام والدستوري، وثلاثة برلمانيون أحدهم ممثل عن الأكراد والثاني مستقل والثالث من الحزب القومي السوري الاجتماعي، إضافة إلى خبير في ملف الإغاثة، وشخص من الرئاسة السورية ودبلوماسيين من وزارة الخارجية السورية، ومندوب سوريا لدى الأممالمتحدة السفير بشار الجعفري، وثلاثة أشخاص تقنيين للملفات الساخنة. المعطيات السابقة دفعت المحللين إلى التقليل من أهمية الاجتماع المقرر عقده اليوم، وأشارت التوقعات إلى أن مفاوضات جنيف3 لن تخرج بأي نتائج مثمرة، على الأقل في المرحلة الأولى، كما استبعدت أن يعيد وفد الرياض النظر في موقفه من حضور المؤتمر، وأن ينضم إلى المفاوضات في الأيام المقبلة؛ وذلك نظرًا للتعنت السعودي على تنفيذ الشروط مسبقًا، ومن جانب آخر يأتي عدم دعوة ممثلي الأكراد لحضور المفاوضات ليؤكد فشل نتائج المؤتمر إن خرج بنتائج، حيث يُعتبَر أكراد سوريا فصيلًا كبيرًا وواسعًا في المجتمع السوري، وفي الوقت ذاته ترفض تركيا مشاركته، وتصر على تهميشه وضرب أي دور له في مستقبل سوريا.