استطاع الجيش السوري إعادة ترتيب أوراقه وتموضعه في كافة المحافظات السورية خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، بدعم من القوات الروسية. فبعد تراجعه في محافظة إدلب ومعركة جسر الشغور وسيطرة الفصائل المسلحة على مدينة تدمر الأثرية واقتراب المسلحين من العاصمة دمشق في منطقة اليرموك والحجر الأسود، استطاع أن يقلب الموازين في عدة محاور وجبهات، كان أبرزها النصر الذي تحقق في ريف شرق حلب، مع فك حصار مطار كويرس، بالتزامن مع الانهيار الكبير في ريف حلب الجنوبي، ومؤخرًا انتصاراته الحاسمة في ريف اللاذقية. اللاذقية وريفها تابع الجيش السوري تقدّمه في ريف اللاذقيّة الشمالي المطل على تركيا. فبعد مرور أسبوعين على استعادة بلدة سلمى الاستراتيجيّة، تمكَّن الجيش السوري من السيطرة على بلدتَي ربيعة والريحانيّة الاستراتيجيّتين، بعد معارك عنيفة مع الفصائل المسلحة. وهذا يعني أنَّ معظم ريف اللاذقية الشمالي أصبح تحت سيطرة الجيش السوري. تمكن الجيش السوري من محاصرة المسلحين الموجودين في البلدتين؛ لتبدأ بعدها عمليّة اقتحام البلدة والسيطرة عليها، وكان الجيش قد سيطر على قرى: الروضة، دروشان، طوروس، قبل أن يقتحم ربيعة، بالتزامن مع عاصفة ثلجيّة تشهدها المنطقة. وتعني سيطرة الجيش السوري على ربيعة وضع لمساته الأخيرة قبل إعلان محافظة اللاذقيّة خالية تمامًا من المسلحين، حيث بات ينحصر وجودهم، في الوقت الحالي، في بعض الجيوب، وعدّة نقاط صغيرة، من المتوقّع إنهاؤها خلال فترة وجيزة. تقدُّم الجيش السوري في ريف اللاذقية جاء بعد أقل من أربعة أشهر على بدء العملية العسكرية في ريفها الشمالي، مصحوبًا بغطاء جوي روسي، خاض خلالها الجيش السوري معارك عنيفة على محاور عدة في الريف الممتد نحو حدود تركيا، حيث كانت تتمركز عدة فصائل مسلحة، يقاتل في صفوفها عناصر من مختلف الجنسيات، ينتمون إلى الشيشان ودول شرق آسيا، بالإضافة إلى فصائل محلية صغيرة، جميعها كانت تتلقى دعمًا دائمًا عبر الحدود التركيّة. الأمر الذي يعني إنهاء أحد أبرز معابر المسلحين من تركيا إلى الداخل السوري، بعد إنهاء الجيش السوري عملياته في اللاذقية. بلدة ربيعة لا تقل أهمية عن سلمى. فعلى الرغم من صغر حجمها، إلا أنها تُعَدُّ أهمّ منطقة في جبل التركمان؛ فهي تشكل قاعدة تدريبية للمجموعات المسلحة ومنطقة دعم لوجستي لهم، حيث تنتشر في محيطها معسكرات التدريب ومخازن الأسلحة وأماكن الاجتماعات. وبسقوط البلدة يكون جبل التركمان قد سقط كليًّا، وخسرت المجموعات المسلحة أفضلية جغرافية من الصعب جدًّا تعويضها في تلك المنطقة خلال الفترة المقبلة. الطيران الحربي الروسي كان له الأثر الأكبر في هذه العملية، حيث استطاع قطع طرق الإمداد، وأفسح المجال أمام مشاة الجيش السوري للتقدم والسيطرة على مناطق الريف. وتزامن تقدُّم الجيش السوري مع إغلاق السلطات التركية حدودها في وجه المسلحين الفارين من جبهات القتال، وفسَّر مراقبون هذه الخطوة على أنها اعتراف تركي بخسارة هذه المنطقة بشكل نهائي. ريف دمشق بعد التقدم الواسع والسريع الذي حققه الجيش العربي السوري في الأيام القليلة الماضية في منطقة المرج بغوطة دمشقالشرقية على حساب التنظيمات المسلحة، لم تجد الأخيرة ضالتها سوى في سكان دمشق الذين أمطرتهم بقذائفها. الإنجاز الأبرز للجيش السوري في دمشق وريفها كان عبر تنفيذ سلاح الجو السوري غارة في ريف دمشق ديسمبر الماضي، استطاع من خلالها قتل الإرهابي زهران علوش قائد "جيش الإسلام"، وتبع ذلك عدة عمليات نوعية تمكن الجيش السوري من خلالها اغتيال قادة بارزين بالتنظيمات المسلحة، منهم القائد الميداني لجبهة النصرة "أبو حمزة المعاني"، ومقتل قائد "شهداء لواء الإسلام" جمال النقيب في الغوطة الشرقية برصاص جنود الجيش. وفي 20 يناير عاد آلاف المواطنين إلى منازلهم في حي القدم جنوبدمشق، ضمن إطار المصالحات الوطنية التي تجري في البلاد، في وقت تتجه الأنظار فيه إلى تنفيذ اتفاق ترحيل مسلحي تنظيم داعش المدرج على اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية، والمنضوين تحت لوائه من منطقة جنوب العاصمة، إلى مدينة الرقة معقل تنظيم داعش في سوريا. حلب وريفها صرح قائد ميداني في الجيش السوري السبت 16 يناير أن محافظة حلب ستشهد أكبر عملية عسكرية في سوريا منذ بداية الحرب، مشيرًا إلى أن الجيش السوري يقاتل حاليًّا على 7 جبهات في آن واحد. وأضاف أن العمليات العسكرية في محيط مدينة حلب تهدف إلى توسيع دائرة الأمن حول المدينة بشكل رئيسي وعزل المسلحين بالمنطقة. ويخوض الجيش السوري عمليات عسكرية عدة في محافظة حلب شمال سوريا، حيث يعمل الجيش على قطع طرق الإمدادات عن المعارضة المسلحة في مدينة حلب. وتشهد مدينة حلب منذ صيف 2012 معارك مستمرة بين الجيش السوري، الذي يسيطر على أحيائها الغربية، فيما تستحوذ المجموعات المسلحة على الأحياء الشرقية. ويتواجد داعش في ريف حلب الشرقي والشمالي الشرقي؛ ليخوض معارك ضد الجيش السوري، إضافة إلى تواجد فصائل مقاتلة في ريف حلب الجنوبي والغربي، حيث تتابع قواتالجيش السوري والفصائل التي تؤازرها تقدُّمها نحو معاقل تنظيم "داعش" في مدينة الباب ومحيطها، انطلاقًا من مطار كويرس العسكري. وتشير المعلومات إلى أن الجيش السوري أصبح على مشارف مدينة الباب وقرية تادف، بعد سيطرته على قرية قطر وتل الحطابات، في ظل انسحابات متتالية لمسلحي "داعش" الذين يفرون نحو مدينة الرقة. داعش في حلب أصبح بين فكي كماشة، حيث تلتقي عمليات الجيش السوري في ريف حلب الشرقي مع عمليات "قوات سوريا الديموقراطية" في أقصى شرق المحافظة قرب مدينة منبج. درعا استطاع الجيش العربي السوري، مدعومًا بغطاء جوي من الطيران العسكري الروسي والسوري المشترك، من تحرير بلدة "الشيخ مسكين"، أمس 25 يناير، والتي تتمتع بأهمية استراتيجية، حيث تقع في شمال درعا، وتعد البلدة المرتبطة بريف حوران من أهم معاقل المسلحين جنوب البلاد. وتمكنت وحدات المشاة التابعة للجيش السوري وقواته الداعمة له من إحكام سيطرتها على كامل بلدة الشيخ مسكين، بعد معارك عنيفة مع المسلحين على مختلف فصائلهم. الفضل يعود في هذه الانتصارات لمستوى التنسيق بين قوات الجو والبر الذي عمل على قطع الإمدادات اللوجستية والمائية عن مسلحي القرية، بالإضافة لتمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة على مناطق حدودية ومعابر أساسية، منها حدود الأردن، التي كانت الفصائل المسلحة قد سيطرت عليها؛ وبالتالي تقليص الدعم الممنوح لهم؛ ما أدى لوقوع خسائر فادحة في صفوف المسلحين وانسحابهم من عشرات النقاط والحواجز العسكرية، التي كانوا يسيطرون عليها منذ سنوات. سيطرة الجيش السوري على البلدة جاءت بعد معارك عنيفة، تمكن من خلالها السيطرة على مدرسة زاهية والحي الشمالي والجنوبي، أعقبها بعمليات تمشيط لإزالة الألغام والعبوات الناسفة، وخاصة غرب البلدة. وتنبع أهمية قرية الشيخ مسكين من كونها محور المناطق الجنوبية في الريف الحوراني، فهي حلقة الوصل بين درعا والعاصمة دمشق والقنيطرة. وبسيطرة الجيش السوري الكاملة عليها، تكون قد قطعت آخر الشرايين والإمدادات عن المجموعات الإرهابية والفصائل المتعددة، إذ إن الشيخ مسكين هي أحد أهم الخطوط الدفاعية لهم قبل الوصول لنوى وتل الجابية وتل الجموع الاستراتيجية.