اختتم الرئيس الصيني شي جين بينج أمس زيارته إلى إيران، ضمن جولة شرق أوسطية شملت مصر والسعودية إضافة إلى إيران، ومثلت الزيارة خطوة فارقة في العلاقات بين البلدين، خاصة أنها تأتي بعد أيام قليلة من رفع الحظر عن إيران، مما جعل طهران تعود إلى نشاطها الدبلوماسي والتجاري من جديد. رفع الحظر عن إيران في 16 يناير الجاري، جعلها قبلة للعديد من دول العالم، الساعية إلى اقتناص فرص تجارية واستثمارية في السوق الإيرانية الضخمة، والفوز بجزء من المشروعات الاستثمارية الضخمة، التي من المنتظر أن تطلقها إيران لتطوير اقتصادها بعد سنوات الحصار والعقوبات. التنين الصيني لم يكن بعيدًا عن الساحة، حيث قال الرئيس الصيني، عقب إعلان رفع الحظر عن الجمهورية الإيرانية، إن بلاده تأمل في التنفيذ السلس للاتفاقية النووية، مشيرًا إلى أن الصين على استعداد لرؤية دور جديد لإيران على الساحتين الإقليمية والدولية، مضيفًا أن الصين على استعداد للعمل مع إيران لرفع التعاون متبادل النفع في مجالات؛ مثل السياسة والاقتصاد والتجارة والطاقة والبنية التحتية والأمن والتبادلات الثقافية والشعبية، إلى مرحلة جديدة، وجاءت زيارة الرئيس الصيني لتكلل الحديث بخطوات ملموسة، وليكون شي جين بينغ أول رئيس صيني يزور إيران منذ 14 عامًا. رافق الرئيس الصيني خلال الزيارة وفدًا سياسيًّا واقتصاديًّا رفيع المستوى، كما التقى شي جين بينغ، كبار المسؤولين الإيرانيين، من بينهم المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. زيارة مثمرة وقع الرئيسان الإيرانيوالصيني 17 اتفاقًا بعدد من المجالات، بداية من الطاقة النووية السلمية والقدرة الصناعية والمالية والاستثمار والاتصالات والثقافة والقضاء، وصولًا إلى العلوم والتكنولوجيا والإعلام الإخباري والجمارك والتغير المناخي والموارد البشرية، كما اتفق الطرفان على إحياء طريق الحرير التجاري القديم. وفي الشأن التجاري، اتفق الطرفان على تعزيز التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 420 مليار دولار، بعدما تراجع في 2015 بسبب هبوط أسعار النفط، وكان قد بلغ إجمالي حجم التجارة بين إيرانوالصين نحو 52 مليار دولار عام 2014، وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية فقط اتفق الطرفان على تعزيزها ورفعها إلى مستوى 600 مليار دولار، في غضون عشر سنوات. في الإطار ذاته، اتفق الطرفان على تعزيز آلية اجتماع سنوية بين وزيري الخارجية، في إطار جهود تعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة، كما قالت الصين خلال المحادثات إنها تدعم تقدم إيران للعضوية الكاملة في منظمة شانغهاي للتعاون، وتعهدت بكينوطهران بتعزيز علاقاتهما الاقتصادية والسياسية، وبذل الجهود كافة لمحاربة الإرهاب، كما رفعت الصين مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إيران إلى شراكة استراتيجية شاملة، وهو وضع يعني علاقات أوثق في مختلف المجالات. في شأن السياحة، تعهدت الصين بتسهيل استخراج التأشيرات للمواطنين الصينيين، الذين يمثلون حاليًا 1% من 5 ملايين سائح يزورون البلاد كل عام، إلَّا أن طهران تريد المزيد من النشاط السياحي الصيني، وقال رئيس منظمة التراث الثقافي والصناعات اليدوية الإيراني، مسعود سلطانيفار: إننا نفتح المزيد من المطاعم الصينية وندرب المرشدين السياحيين على التحدث بالصينية. قال الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال محادثات مشتركة مع نظيره الصيني: وقعنا اتفاقًا شاملًا لمدة 25 عامًا بشأن العلاقات الاستراتيجية، وأضاف: ناقشنا قضايا تتعلق بالإرهاب والشرق الأوسط والعلم والتكنولوجيا الحديثة والثقافة والسياحة والأمن والدفاع، وتابع أن شي هو أول رئيس دولة يزور إيران بعد حل القضية النووية، مما يظهر مستوى العلاقات الإيجابية والودية بين البلدين، موضحًا أن الزيارة حجر أساس فى تاريخ العلاقات بين إيرانوالصين، وأضاف: تقدر إيران دور الصين المهم في الشؤون الدولية، وتقدر الدعم والمساعدة بشكل ممتد من جانب بكينلطهران، وتشكر الصين على إسهامها في حل القضية النووية بشكل سياسي. من جانبه قال "شي": على مدار التاريخ لا توجد حروب أو صراعات بين البلدين، اللذين شهدا تبادلات ودية وتعاونًا مخلصًا يرجع إلى مئات السنين، بفضل طريق الحرير، وأضاف الرئيس الصيني أن الصداقة بين الصينوإيران تنبع من التبادلات الودية فى التاريخ، ومن المساعدة المتبادلة في الأوقات الصعبة، ومن الدعم غير الأناني لبعضهما بعضًا في القضايا الرئيسة، ومن مفاهيم التعاون متبادل النفع، كما صمدت الصداقة أمام التغيرات الدولية. جذور تاريخية تقوم العلاقات الصينيةالإيرانية على جذور قوية ضاربة بعمق في التاريخ، حيث تعود العلاقات بين البلدين إلى عصر الإمبراطور الصيني هان والإمبراطورية البارثية الإيرانية. لعب طريق الحرير الذي يمر عبر إيران واصلًا إلى الصين، دورًا رئيسًا في ازدهار العلاقات التجارية والثقافية بينهما، وخلق روابط متشابكة من المصالح في جميع المجالات منذ عقود، وفي ستينيات القرن الماضي، بدأت العلاقات النفطية بين البلدين تنتعش، حيث تعتبر الصين من أكثر الدول المتعطشة للنفط، التي تنافس الولاياتالمتحدةالأمريكية على قمة الدول المستوردة للطاقة في العالم، خاصة بعد اعتراف بكين بحركة تأميم النفط الإيراني التي قادها رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق في الفترة ما بين 1951 و1953. في عام 1971 اعترف شاه إيران بجمهورية الصين الشعبية، وتبع ذلك إقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها، حتى أصبحت طهران قلعة مهمة من المنظور الصيني، وفي عام 1979، اهتزت العلاقات الإيرانيةالصينية بعض الشيء، عندما دعمت الصين موقف أمريكا عند احتلال السفارة الأمريكية في طهران، وصوتت بكين في مجلس الأمن لمصلحة القرار الذي يطالب بإطلاق الرهائن على الفور، لكنها امتنعت حينذاك عن التصويت على مشروع القرار الذي تضمن فرض عقوبات اقتصادية على طهران. في الشأن العسكري، تأتي الصين في المركز الثاني بعد روسيا في توريد السلاح إلى إيران طوال الفترة من 1995 إلى 2005، إذ ورّدت 18 في المائة فقط من حاجات إيران من السلاح، وخلال الحرب العراقية الإيرانية، كانت الصين هي القوة الكبرى والوحيدة التي زودت إيران بالأسلحة، حيث صدرت الصين أنظمة من الصواريخ الباليستية إلى إيران، وزودتها بصواريخ سيلك وورم، المضادة للسفن، التي يمكنها إغلاق مضيق هرمز، التي تعتبر الآن من أهم أوراق إيران الردعية، وبعدها حصلت إيران على أنظمة صواريخ مضادة للسفن من طراز سي 802، ذات الكثافة النيرانية العالية والدقة النسبية في إصابة الأهداف، كما قدمت الصين مساعدات إلى إيران في مجال التصنيع والتطوير والتكنولوجيا، فضلًا عن المساهمة في البنية التحتية الصناعية لصواريخ شهاب 3 وشهاب 4، مما دفع وزارة الخزانة الأمريكية إلى فرض عقوبات على شركات سلاح صينية، بزعم أنها وردت لإيران قطع الغيار والتكنولوجيا، الخاصة بالصواريخ من طراز فاتح 110، وأنظمة الصواريخ من طراز فجر. في مجال النفط، تُعد الصين الشريك التجاري الأكبر لإيران، وأهم مستوردي النفط الإيراني إذ تشتري بكين النفط الإيراني بكميات كبيرة تقدر بمليارات الدولارات، حيث تحتل إيران المرتبة الخامسة عالميًّا في إنتاج النفط، وتصدّر 542 ألف برميل يوميًّا إلى الصين، وواصلت بكين شراء نصف صادرات النفط الخام الإيراني، حتى بعد تشديد العقوبات الدولية عليها عام 2012، رغم الضغوط الأمريكية. بشأن النووي الإيراني، كانت الصين دائمًا الداعم الأكبر لتطوير قدرات إيران النووية، وظهر هذا الدعم ليس فقط ماديًّا، لكن جاء على شكل دعم دبلوماسي أيضًا، تمثل في سعي بكين إلى إحباط العديد من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بفرض عقوبات على طهران، كما أن الصين كانت من أكثر الدول الحائزة على ثقة إيران، حيث حرصت طوال المفاوضات النووية على الحفاظ على روابط وثيقة مع إيران، كما أسهمت خلال المراحل المختلفة للمفاوضات بجهود حثيثة لحل الخلافات بين واشنطنوطهران، لاسيما خلال المرحلة النهائية الأكثر تعقيدًا. أما التبادل التجاري بين البلدين، فقد شهد مراحل عدة صعودًا وهبوطًا، ففي عام 1994 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 500 مليون دولار، لكن مع دخول القرن الحالي حدثت طفرة في العلاقات التجارية بين البلدين، حيث انتهزت بكين الفرصة لرفع التبادل التجاري بين البلدين الذي بلغ عام 2001 ثلاثة مليارات دولار، وفي عام 2014 وصل إلى 50 مليار دولار. ارتفعت واردات النفط الصينية من إيران في عامي 2014 و2015 إلى أعلى مستويات لها على الإطلاق، كما عملت الصين على إعادة تزويد مقاتلات نفاثة صينية بالوقود في إيران عام 2010، وزيارة السفن الحربية الصينية إلى ميناء بندر عباس الإيراني عام 2014، وذلك في سابقتين تعد كل منهما هي الأولى من نوعها، وكانت كل هذه محاولات صينية لإفراغ العقوبات من تأثيراتها القاسية على الأوضاع الاقتصادية الإيرانية. سياسيًّا، كانت الصينوروسيا أكبر حليفين لإيران في العديد من القضايا الإقليمية وعلى رأسها الأزمة السورية، حيث استخدمت بكين حق النقض «فيتو» ضد العديد من قرارات مجلس الأمن الأمُمي بشأن سوريا، وتطورت العلاقات بين البلدين وتبادل مسؤوليها الزيارات، مما شكل قلقًا مستمرًّا للعديد من الدول الغربية، على رأسها أمريكا.